منتدى العمق

يوم بالمكتب رقم 39 ج 1/1

في المكتب الذي كنت فيه مراقبا بجماعة خميس متوح بإقليم الجديدة، وبعد ليلة متعبة من السفر، لم يخفف منها إلا دجاج شهي قدم لنا على طاولة العشاء بالمقر الجميل للحزب بحي الغزوة المنكوب..

التحقت صباحا بمكتب التصويت قصد المراقبة، أرى نفسي الآن من حماة الديمقراطية و فلسفة المدينة؛ في الواقع، أدعو نفسي دائما لتقبل هذه المفاهيم التي تأبى بلادنا أن تطبع معها !! البلاد كلها تغرق في الفساد والاستبداد حسب صديق لي، أتعب دائما في اقناعه أن الإصلاح ممكن.

الثانية عشر زوالا، في الصندوق صوتان فقط، صوت مع حوالي العاشرة وصوت لم أعلم متى وضع في الصندوق، كنت قد وصلت على التاسعة والربع.

كنت الأخير _من بين 10 مراقبين أتوا من الدار البيضاء_ الذي يرتمي من مقاتلة المرسدس بينز 207 التي جابت دواوير الجماعة الجميلة بفلاحتها وسنابلها المسقية التي أراها لأول مرة، يا ترى لو لم تصنع المرسيدس لهؤلاء القرويين هذه ال 207 والبيدفورد الحمراء ذات المقدمة التي توحي بالجد، كيف كان لهم أن يتنقلوا بين الحفر و خنادق الاهمال التنموي التي تكثر في طرقهم؟

في الطريق، بوشعيب الاتحادي سابقا هو الذي يرشدنا الى مكاتب التصويت، انتظرنا مع الصباح الباكر بحد ولاد فرج، كان متعاونا للغاية وسرعان ما مر تيار التواصل بيننا بمجرد ما حكى لي باقتضاب عن تجربة الاعتقال والسجن التي مر منها قبل سنتين.

بوشعيب يتحدث بسرعة لا أكاد أميز معها ما يقول. عارف بالخريطة السياسية للمنطقة ولحدود نفوذ كل كائن سياسي، في دكالة لا توجد أحزاب بمعنى الكلمة، كجل المناطق القروية وشبه القروية بالمغرب العصي على التحديث، نفوذ الكائنات السياسية كبير وحاسم.

بقر و خيل خميس متوح جميلة كذلك، يبدو أن كل خيمة تصر على إبراز ما تملك من خيل، إنه عنوان الشرف والعزة عند أناس يظهر أنهم يحبون الخيل كثيرا.

إنه يوم الخميس وستأتي الناس بعد “التقدية وشي لحيمات اليوم السوق” يقول فهيم بكل اختزال لما استبطنت عزوفا يسائل المسار السياسي لبلادنا بعد عبث البلوكاج الذي دام نصف سنة، فهيم الستيني يوقع توقيعا بطيئا مائلا كلما أراد أن يوقع لرئيس المكتب على الأظرفة الكثيرة التي ملأت مكتب التصويت تحت المسمى الذي أعطيه: عضو 1، مرقته وهو يضع “السبسي” بطريقة عجيبة بين الحذاء والجورب بينما أحد المواطنين منهمك في الاختيار بين المصباح والحصان.

“الناس ملت من هادشي” كأني بمراقب الحزب المنافس قد قال لتوه ليستدرك على فهيم، السوق طبعا ستأخر الناس لكن يبدو لمنافسي الذي يتبرم في كل مرة من موكله ومن “السياسيين ولاد الحرام”، يبدو له أن الناس قد سأمت مسار العملية السياسية برمتها، “بنكيران براسو”.. إلتفت إليه والنوم يغالبني، لم يكمل على نبرة سؤال مفتوح، ولكن فهمت فيما أتى من الحديث معه أن بنكيران على مكانته لم يستطع فعل شيء لمدة طويلة بما يوحي أن زمام الأمور ليست في يده،

إن هذا الأمر يجعل الأشياء عبثية و” الناس مامسالياش لهادشي” أضيف في تهكم وكلي شوق طفولي لسبر أفكارهم السياسية ولشكل فهمهم للأحداث التي ضربت البلاد مؤخرا، كأني باحث غير موضوعي يهوى التوجيه، وأنا الذي لم أسجل بعد بحثي للدكتورا في تخصصي المالي رغم كل الوعود لوالدي بأن الأمر قريب!!

صينية شاي تدخل مركز التصويت بعد أن سبقها كيس من “السفنج” كان قد جلبه بمجرد دخولنا مستشار جماعي يقطن بالقرب من المكتب رقم 39، “مرحبا بكم فطرو معانا” يقول المستشار الجماعي الذي يركب سيارة فورد فوكوس طويلة تجعل شبان الدوار ينظرون إليه باحترام.

ظهر لي من بعد أنه شخص مهم، فالكل يسأله كيف يقضي كذا ! وأي وثيقة يتطلب كذا!! بل إن شخصا رأيته مقتنعا بجواب حول مسألة لا تدخل في اختصاصه كمستشار، المستشار الجماعي في البادية مؤسسة إجتماعية متحركة.

التهمنا السفنج التهاما وانبرينا للشاي الحلو ارتشافا، فكت أسارير القوم في مكتبنا ذي الباب الخشبي المهترئ، لم نعد نعد الكؤوس فالبراد كبير كرغبتهم في إكرام الضيف، إنها عادات دكالة في الكرم.

فهيم يوجه النقاش، تارة نناقش بناية المكتب القديمة التي قال إنها بنيت لما كان صغيرا ولا زال يتذكر ذلك و”النصارى” واليهود اللذين عمروا المنطقة واشتغلوا بفلاحتها، وتارة يجر الجميع لمناقشة شؤون البلاد و”يامات الخزاين هنا، كان الطعام غا تشير بيه”، لعله يريد القول أن “يامات البركة مشات” كما عقبت عليه دون أن أتفق تماما مع قوله، فالكبار يظنون دائما ان زمنهم هو الأحلى والأفضل وأننا نعيش فقط ماقبل النهاية.

سألني قبل ذلك: منين جيتي؟ أجبته: الدار البيضاء، بدت له عاصمة البلاد الاقتصادية حادث دون تاريخ، فعاود السؤال: منين الآصل؟

العضو 2، بوشعيب صاحب الموبيليت الذي يدخل ويخرج من حين لآخر من المكتب يسأل أيضا إن كنت أعرف شابا يقال له “الزين”، نعم أعرفه، كان جوابي، “ولد ختي و حتى هو راه فالعدالة ومايفارقش بنكيران” زاد في فخر، ليرفع سماعة الهاتف ويتصل به.

بوشعيب صوته جهوري، طويل القامة ويلبس جلبابا أخضر، ينادي النساء القليلات اللواتي دخلن للتصويت بأسمائهن الشخصية ليدل بعضهن على المعزل أو كيفية التصويت مذكرا دائما بعدم نسيان البطاقة الوطنية التي يضعها “الرداد”، كاتب المكتب فوق الصندوق كلما تأكد من اسم المواطن الراغب في التصويت.

لما دخلت ما ظننتها زوجته او إحدى نساء عائلته، سرع المسألة، صوتت وقال لها “يالاه خيمتك”، كانت له هيبة قوية أمام هذه المرأة، جعلت كل رجال المكتب يحترمونهما.

الرداد رجل لطيف، ذي عين وحيدة ويلبس جاكيت أحمر رغم أن المناخ معتدل، كان حريصا على جلب المواطنين لبطائقهم الوطنية رغم أنه يعرفهم، لما طلب أحدهم أن يصوت لأن اسمه في اللائحة وأن الرداد يعرفه، تردد وتدخل رئيس المكتب بسرعة ليطلب منه إحضار البطاقة.

يبدو أنه من الأعيان، فابنه الذي كان يسوق به مرسيدس 240 أنيقة ذات لون أخضر زيتي خفيف، حرص أن يوقف السيارة قريبة جدا بحيث فتح بابها على باب المكتب، كان يتمختر ويتصرف تصرفا غير تلقائي. “أنا تانعرفو”، يقول الرداد، ” ولكن نتا لا” فيما يشبه التساؤل، فأكدت له أن الأفضل أن يحترم القانون، أعجبني الرداد فقد كان لطيفا.

حوالي الثانية زوالا، قصعة كسكس مليئة تدخل علينا المكتب، كانت مليئة بالخضار الدكالية، طريقة وضعها وترتيبها فن جميل، أخذت لها صورة وقلنا باسم الله..