أدب وفنون

زكرياء .. موهبة فنية تشيع البهجة بمحيط البرلمان في الرباط

بمُجرد انتهائه من واجب العمل مساعدا محاسبا، يهرع “زكريا البهجة” (30 عاما) على وجه السرعة إلى شارع محمد الخامس قرب بناية البرلمان بالعاصمة الرباط وهو يحمل قيثارته الخشبية فوق ظهره كي لا يُخلف موعده المسائي مع جمهوره الذي اعتاد على إطرابه بأجمل سيمفونيات تنهل من ماضي الأجداد وحاضر يقوده جيل شبابي يمشي مع تأثيرات الواقع والعولمة مدا وجزرا.

وقبل أن يحجز مكانه المُعتاد أمام مبنى البرلمان، يكون “البهجة” قد تفقد قيثارته في البيت ووضعها تحت الفحص اليدوي الضروري حتى لا تخونه أمام جمهوره، الذي بات يضرب موعدا مسائيا في الحضور للإنصات إلى سيمفونياته أملا في نسيان متاعب يوم كامل من العمل وللتخلص من ضغوطاته الكثيرة والملحة.

مبادرة وموهبة

وتردد “البهجة” طويلا قبل عقد العزم على أخذ هذه المبادرة التي قلّ نظيرها في عرض “موهبته الفنية” أمام الملأ، إلا أنه وجد في أقرانه الذين سبقوه إلى الميدان خير مُعين أذهبوا عنه كابوس الخوف أو التوتر اللاإرادي الذي يكتنف أي إنسان يسعى إلى تدشين مسار جديد لم يعتده من قبل.

وأشار “البهجة”، في حديثه للأناضول، إلى أن فكرة تقديم عروض موسيقية في الشارع العام حيث الناس يغدون ويروحون، جاءت بعد إطلاعه على تجربة مغنٍ روسي، دشن عُروضه الفنية في شارع عام في شوارع روسيا.

ومنذ أربعة أشهر والفنان المغربي يُدندن بقيثارته في الشوارع، فتحلو له أنغامها الأخاذة وأيضا جمهوره الذي يلقى منه كل تشجيع، بل منهم من يجود عليه بمبالغ مالية عربون تقدير منهم لموهبته الفريدة في تطويع آلته الموسيقية وجعلها تجري بما تشتهيه أذانهم الموسيقية.

وينتقل “البهجة” في عزف وتلحين ما يجود به خاطره من ذوق فني إلى آخر دون توقف، ينهل من كلمات معروفة لكبار الفنانين العالمين بانسيابية وسلاسة كبيرة تشي بأنه والآلة يصيران في وحدة من الانسجام والانصهار خصوصا حينما يتفاعل الجمهور مع موسيقاه المتنوعة عساه ينفس عن ضجيج أيامهم.

عروض فنية

مراسُ الفنان المغربي في تقديم عروضه الفنية في الشارع العام منذ شهور، ألهمه القدرة على معرفة أذواق الجمهور الذي لا يجد غضاضة في الوقوف لحظات من الزمن مُستمتعا باستثنائية هذا المشهد وكأنه في مسرح قبل أن يهم منصرفا إلى صوب انشغالاته اليومية الضرورية.

يقول البهجة “أنا أحترم جميع الأذواق على اختلافها”، ويشير إلى أن من بين جمهوره من يستمتع بالإنصات إلى جميع الأنماط الموسيقية، ومنهم من يُنصت إلى أغان خاصة جدا.

ويستجيب “البهجة” بسرعة بديهته في الحين إلى مقترحات الجمهور إرواءً لظمأ المتعطشين إلى شتى أنواع الطرب.

ولا يستعين في عرضه الفني البتة بمذكرة أو ورقة تحمل كلمات الأغاني التي يدأب على تأديتها دون صعوبة، زادُه ما حفظه منها وصار منقوشا كوشم على ذاكرته التي تأبى النسيان.

ويقول “هذه فرصة ذهبية للتدريب القبلي والجيد بالنسبة لي، أستغل كل دقيقة فيها كي أصقل موهبتي، رهاني هو الفوز في المهرجانات الفنية التي سأشارك فيها في الشهور القادمة”. ويستطرد “الفوز في الاختبار ليس أمرا سهلا”.

على الرغم من عزيمته القوية في المضي إلى تطوير مستواه وأدائه الغنائي بما يروق لجُمهوره التواق دوما إلى الجديد، لا يُخفي “البهجة” امتعاضه من نظرات الاستهزاء والسخرية من قبل بعض المارة الذين يعتبرونه “متسولا” لا فنانا يسعى إلى النجومية، مما يضطرب معه مزاجه وتنقص بطارية حماسه.