وجهة نظر

حراك الريف.. محاكمة عفوية لحكوماتنا وأحزابنا

لعشر ليال أو يزيد تشهد مدينة الحسيمة في شمال المغرب تظاهرة يشارك فيها مئات من أنصار الحراك الاحتجاجي الذي يهز منذ سبعة أشهر منطقة الريف؛ وانتهت بلا خسائر.

فككل ليلة منذ أن قُبض على قائد الحراك يتجمع، المتظاهرون بعد الإفطار في حي سيدي عابد حيث يطلقون هتافات تطالب بإطلاق سراح ناصر الزفزافي الموقوف، والذي تشير آخر الأنباء عن إحالته هو والموقوفين الستة معه إلى السجن المحلي بعين السبع.

البعض يُرجع حراك الريف إلى حادثة مقتل الشاب محسن فكري بائع السمك في الحادثة التي هزت الريف في حينها عندما صادرت سلطات الميناء صناديق سمكه ورمت بها في ذات الشاحنة، بدعوى أنها محملة بأسماك ممنوع اصطيادها، وهو ما دفع الآلاف من شباب المدينة للخروج احتجاجًا على الحادث.

وبعد ستة أشهر تجددت الاحتجاجات بعد الأحكام الهزليّة التي صدرت بحق الجناة في الحادث والتي حركت معها الشعور بالمظلومية في مدينة تعاني التهميش وتعشش البطالة في جنباتها فتصيب شبابها بالإحباط.

ولذلك، كانت مطالب ما بات يسمى بحراك الريف، مطالب حقوقية واقتصادية واجتماعية خالصة، راهن عليها ولا يزال للخروج من حالة التهميش التي يعيشها أهالي المنطقة.
ليست الدولة وحدها ممثلة في الحكومة هي من يحتج ضدها في هذا الحراك، فالاحتجاج في الريف متعددة المقاصد ومتشعبة الدلالات. فهو احتجاج سياسي من ناحية يرفع في وجه الحكومة ممثلة للدولة، إلا أنه من ناحية أخرى احتجاج ضد الأحزاب والنقابات، وحتى المجتمع المدني والمثقفين.

احتجاج الريف هو احتجاج ضد منظومة الفساد التي تصب نفاياتها على المواطن الفقير الذي اتخذ قراره بأن يحسن أوضاعه بالطرق السلمية، فالمشهد في حراك الريف في المغرب تجاوز المطالب الفئوية وإن كان في ظاهره يطالب بالتنمية والاستثمار وفرص العمل، لكنه في الحقيقة يوقف الدولة عند حد المساءلة بل والاتهام لما وصلت له هذه المناطق من حالة التهميش الذي تعيشه منذ دولة الاستقلال.

كما أن هذا الحراك وضع الأحزاب المتنافسة على كراسي البرلمان ومن ورائه مقاعد الحكومة في حرج بعد الصراع المرير على المناصب وحالة البلوكاج التي شغلت فيها البلاد والعباد من دون تقديم مهام وظيفتها الحقيقية في خدمة الشعب المطحون في سيارة نفايات محسن فكري بفعل الحل الأمني الذي تستسهله لحل كل مشاكله.

حراك الرّيف لم يكن فئوياً ولا عرقياً بقدر ما هو حراك ينفّس عن هموم المواطن المغربي في شتى بقاع المغرب والدول العربية، والذي يحلم بعيشة كريمة يضطر لنيلها إلى ركوب قوارب الموت بحثًا عن صفة لاجئ فيما وراء البحار حتى لو ضحى في سبيل ذلك بذكرياته ومراتع صباه أو حتى بحياته.