منتدى العمق

إنهم ينتظرون الناس أفواجا على أعتاب القصر

كتب فهمي هويدي مقالا في جدلية المقارنة بين ما وقع بتونس شتاء 2011 و بين أحداث الدائرة في الريف اليوم، و رجح أن يسوء الوضع أكثر إذا ما استمرت المعالجة الأمنية بهذا الشكل الفج و بعيدا عن الحلول السياسة الناجعة، غير أن ما لفت انتباهي في توصيفه للمشهد بدقة و تناول صلب المشكل اذ اعتبره سياسيا أولا و متعلقا بوضع الملكية مع الشعب ثانيا، فابتعد بذلك عن معظم التحليلات المنخفض سقفها و المغرضة أحيانا و التي تعزو المشكل إلى التدبير السيئ الحكومة السابقة و غياب الوسيط الحزبي خصوصا في المناطق المشتعلة في الريف ولا تلمس بذلك جوهر المشكل الذي لاحظه الكاتب.

قد يدعي أحدنا أن كاتب المقال مصري و لا يعيش بين ظهرانينا حتى يحيط علما بتفاصيل المشكل و تشابكه، لكن الحقيقة أن الكاتب عالج المعضلات الحقيقية و إن كان بشيئ من الحذر حتى لا يسقط في فخ التفاصيل المجهولة لديه، لذلك ارتأيت أن أكتب أنا أيضا بقليل من الحذر و بشيئ كثير من الجرأة على ما يقع في الريف مستندا إلى توصيفه للمشهد في ما يتعلق بوضع المؤسسة الملكية مع الشعب و أبدأ بسؤال مخوف و مزلزل هل ينتظرون الناس أفواجا على باب القصر؟

عندما وقر في ذهني هذا السؤال تخيلت الحدث كاملا إذا ما وقع لا قدر الله، وصرت أغوص في تفاصيله و تداعياته, لكن الثابت الذي يؤكد لي أننا على أبوابه هو الوتيرة المتصاعدة التي تتالى بها الأحداث تماما كما تابعنا قبل 6 سنوات أحداث تونس مع حفظ الفارق، فهل يستوعب الجالس على العرش حجم التحولات التي يعيشها المجتمع في المغرب و يلتقط الإشارات الإستراتجية فيتجاوب كما فعل من قبل، أم يركن إلى جهة ما مازالت للأسف تسوق الأمر على أنها احتجاجات عابرة و ذات نفس انفصالي تريد الفتنة و تصر على الحلول الأمنية البصرية البئيسة!! لعل مما بقي من أثر الخالدين في التاريخ ممن آلو على أنفسهم ألا يزورو أو يبدلو تبديلا قول ابن خلدون في مقدمته؛ الظلم مؤذن بخراب العمران، في إشارة إلى أحوال الأم السابقة التي اتخذت الظلم منهجا في تدبير شؤون العباد حتى صار الظلم موزعا عندها بالقسط و صدق فيها قول الشاعر:

الظلم قبلك كان فوضى مهملا … و الآن صار على يديك منظما.

إن سنن الله في الكون لا تحابي أحدا فالأمم العادلة تبقى و يرسخ قدمها و الأمم الظالمة تفنى و ينتهي أثرها، و إن ما نشهده اليوم في المغرب و إن كان على استحياء إلا من أقاليم الحسيمة و الناظور و امزورن و غيرها، لهو نذير سوء ينطبق عليه مبدأ السننية الخالد, لا يخلو من رسائل تخاطب الملك صراحة و تجهر بصوتها العاقل الواعي أنا نريد حرية، كرامة، عدالة اجتماعية، و أنا لا نضمن أن يبقى العقل و الوعي حاضرا بعد كل هذا، لذلك و من باب الحكمة التي تعودنا عليها من المؤسسة الملكية أن تستجيب لتطلعات شعبها و أن تبقي – كما كان ذلك دأبها- أذنا صاغية للقاع و للتحت لا يشوش عليها مشوش و لا يقف عند أعتابها حارس يسترق السمع و يحوره بل و يلطس الأذن إن اقتضى الأمر ذلك!!!

في احتجاجات الريف رسائل عدة لكن أهمها بالنسبة لي هو صيحة في وجه الحكرة و الفساد و الظلم لمن يهمه الأمر صدح بها الذين هم في الميدان نيابة عن التحت الذين لا يجدون لسان صدق يوصل صوتهم إلى من يلي هذا الامر، من جملة ما يحمل من مطالب؛ توفير أسباب العيش الكريم من شغل و تعليم و سكن، تقليص الفوارق الطبقية و بث العدل بين الناس، تدشين مسار تنمية حقيقي و جدي يبعث على التفائل و الإستقرار، إعادة الإعتبار للمؤسسات السياسية و دورها المهم في بناء الديموقراطية، غير هذا لن يزيد الوضع إلا احتقانا و الازمة إلا شدة، و لربما يتطور أو قل ينزلق لمنحدر خطير،و في نقطة انعطاف فارقة لن ينفع معها لا خطابات و لا مشاريع تنمية و لا “فهنتكم” بتعبير المخلوع بنعلي، و حينها سوف ترى الناس أفواجا على أعتاب القصر يرددون “……” أترك لكم اختيار العبارة المتخيلة في مثل تلك اللحظات الفارقة.