منتدى العمق

ماذا ستضيف مسيرة 11يونيو للحراك؟

بعد سلسلة من الفعاليات الاحتجاجية التي تمركزت بالأساس في منطقة الحسيمة ثم تمددت بعد ذلك إلى مختلف المدن الكبرى والمتوسطة في صورة أشكال تضامنية على إثر الانتهاكات الجسيمة التي اقترفتها أجهزة السلطة المختلفة بحق نشطاء حراك الريف، وكذلك في صورة حركات احتجاجية وليدة تسعى للنسج على منواله كما في خريبكة المنجمية وغيرها، أعلن ناشطون عن تنظيم مسيرة وطنية يوم الأحد المقبل في العاصمة منتقلين بالاحتجاجات من بعدها المناطقي المحلي إلى المستوى المركزي في خطوة حظيت بترحيب البعض وتشكيك أطراف أخرى.

الحقيقة أن هذه الخطوة النضالية المرتقبة تأخرت نوعا ما، حيث تُرِك المخزن يبث أحقاده المناطقية المريضة في أوساط شعبية عديدة طيلة أشهر الحراك الريفي، ولم ينتعش الشارع في عموم المغرب إلا في الآونة الأخيرة بعد أن بلغ التحريض مداه من خلال بلاغ الحكومة سيء الذكر وبعد تمادي أجهزة الداخلية في عربدتها، غير أن هاته الأشكال وإن خففت الضغط كثيرا على المحتجين في الحسيمة ونواحيها وأظهرت تضامنا شعبيا واسعا معهم، إلا أنها غير كافية وهي بحاجة إلى رسالة أقوى لنقض وإبطال كل الدعاوى المغرضة التي تنال من الريف وأهله.

مسيرة وطنية جامعة بحشدها لمختلف شرائح وفئات المغاربة من مناطق متعددة أمام مؤسسات النظام المركزية ستكون فرصة لتقديم درس وحدوي بين أبناء الوطن يمنع المخزن وأدواته من العبث بلحمتهم وتأديب من شق عصا الطاعة منهم وسط تصفيق البقية مثلما كان يحدث دائما، كما أنها فرصة لوضع مظالم الشعب المناطقية والفئوية في إطار جامع عنوانه الكفاح ضد “الحكرة”والقهر السلطوي والسعي نحو تحقيق الحرية والعدل والكرامة.

لكن ورغم إيجابيات مثل هكذا مسيرات، فإن هناك تخوف مشروع من أن تؤثر مسيرة الأحد على جذوة الحراك الحالي وتساهم في إخماده، فانطلاقا من تجارب سابقة كانت المسيرات الوطنية في كثير من الأحيان بمثابة إسدال للستار عن المعارك النضالية، حيث يتصور المتظاهرون بعد مشاركتهم فيها بأن واجبهم قد انتهى.

وهذا الأمر لا يعيب المسيرات الوطنية بقدر ما يعيب بعض المناضلين فهمهم القاصر لطبيعة الشكل النضالي الذي يخوضونه ونفسهم القصير الذي يؤدي بهم إلى الانسحاب من المعركة وهم في مبتدئها، بالإضافة إلى كونهم أسرى لسطوة الأشكال ورهبة الأعداد والتي تجعلهم يشعرون بالانتشاء مثلما تسمح لهم بالاختباء بين الحشود، عكس ما يحدث لهم بعد عودتهم إلى مناطقهم، حيث تحدي العزلة وتحمل المسؤولية والبروز للواجهة، الشيء الذي يشق عليهم ويدفعهم في نهاية المطاف إلى الانزواء.

هذا دون أن ننسى سوء إدارة كثير من المعارك النضالية من طرف المشرفين عليها، والذين يتصورون أنهم بلغوا مرادهم بمسيرتهم المليونية تلك بعد أن رموا الكرة في وجه الجهات الرسمية، فيما هم في الحقيقة قد أتوا بكتلة من الجمر المشتعل ليطفئوها في العاصمة وليعيدوها خامدة إلى معاقلها.

من هنا فإن نجاح المسيرة رهين بالأشكال النضالية التي تأتي بعدها، فإن لم تكن حافزا ودافعا لمزيد من التصعيد الجماهيري في مختلف ربوع المغرب، فلن تعدو كونها مجرد طقس فلكلوري لا أقل ولا أكثر.

ثمة تخوف آخر متعلق بأن تنحرف المسيرة عن الأهداف المسطرة لها، وأن تتعرض للاختراق المخزني عن طريق شخصيات يدفعها النظام لحضور مثل هذه المحطات سعيا منه لتحوير مسار الحركة الاحتجاجية الناشئة.

لكن وحتى لا نحمل المسيرة أكثر مما تحتمل، فهي تظل مجرد حلقة من مسلسل نضالي طويل، وحتى لو حاولت استغلالها بعض الأطراف المشبوهة إلا أن هذا لن يؤثر في الرسالة الأساسية التي يراد إيصالها في هذه المحطة، ناهيك عن أن الاستمرار في النضال كفيل بسحب البساط من تحتهم، لأنهم أعجز عن تحمل تبعاته على المدى الطويل.

مسيرة 11يونيو هي أبلغ رد على مستوى القمع غير المسبوق الذي ووجهت به جل الفعاليات النضالية في الآونة الأخيرة، والتي قد تشكل إضافة نوعية للحراك إذا تم البناء عليها وعلى الزخم الذي ستخلقه من أجل فعل نضالي قوي ووازن بشرط وعي الجهات المنظمة لها والمُشارِكة فيها بمسؤوليتها التاريخية.