وجهة نظر

التأسيس الثاني للمملكة السعودية

لو تجاوزنا الفترات التي سبقت نشأت المملكة العربية السعودية والتي تعارف على تسميتها بالدولة السعودية الأولى والتي تبدأ بحكم محمد بن سعود والتي حملت اسم إمارة الدرعية منذ العام 1744 والتي اتخذت من الدرعية عاصمة لها، ثم الدولة الثانية التي بدأت من عام 1818 والتي حملت اسم إمارة نجد، بعاصمتها الرياض، ثم الدولة الثالثة والتي بدأت من عام 1902والتي حملت أسماء متعددة انتهت باسم مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها حتى إعلان قيام المملكة العربية السعودية بحدودها الحالية في عام 1932 وعاصمتها الرياض.

ومع بدء التأسيس الأول للملكة العربية السعودية تأسس معها علاقة مستمدة من الدول الأولى قبل الإعلان الرسمي للمملكة وهي تزاوج الحكم بالمؤسسة الدينية والتي على أساسها استمد الملوك شرعيتهم و دان الناس لهم بالبيعة مستأمنين ملوكهم على دينهم ، واستطاعت المملكة العربية السعودية مستفيدة من هذه القوة الناعمة التي يدعمها تواجد مقدسات المسلمين ضمن أراضيها استطاعت أن تكسب ود الدول الإسلامية وتحفظ لها مكانا في قلوبهم ، وكان من نتاج ذلك أن قويت المؤسسة الدينية تحت عين الملوك المستفيدين من قوتها لتصدير صورة الحافظ للدين والمقدسات.

وظلت العلاقة بين المؤسسة الدينية والمؤسسة الحاكمة على هذا الحال حتى تولي الملك عبد الله مقاليد الحكم إذ بدأت تضعف قبضة هذه المؤسسة لصالح حالة ليبرالية خجولة لكن تيار بدأ في التنامي داخل المملكة يدعمه ميل بعض الأمراء للانفتاح ، وبعد تولي الملك الحالي مقاليد الحكم استبشر المحافظون خيرا ، لكن سرعان ما تحول الأمر بعد إصدار الملك تعديلا على القانون الأساسي للحكم في المملكة باستحداث منصب جديد هو منصب ولي ولي العهد والذي نصب فيه ابن الأمير محمد بن سلمان فيه بعد الإطاحة بالأمير مقرن وتولية الأمير محمد بن نايف في منصب ولي العهد وهي الخطوة التي رآها العارون بخبايا المملكة خطوة لتولي الأمير الشاب ولاية العهد.

لم يكن اسم محمد بن سلمان معروفا للعامة قبل تلك الفترة سرعان ما بدأ نجمه في السطوع بقوة منذ العام 2015 . ويعتبره البعض الرجل القوي في السعودية، خاصة بعد عملية عاصفة الحزم في اليمن و التي صور الإعلام أنه متخذ قرارها حتى من دون الرجوع للحليف التاريخي والأهم للمملكة الولايات المتحدة الأمريكية فيما يبدو ، ومن يومها والأمير الشاب له بصمات في كل شيء في المملكة إذ أنه لا يشغل منصب وزير الدفاع فقط، بل هو أيضا رئيس الديوان الملكي والمستشار الخاص للملك، كما أنه عضو في مجلس الشؤون السياسية والأمنية ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وكرئيس للديوان الملكي، حظى الأمير الشاب بنفوذ هائل”، بحسب ما قاله الضابط السابق في الاستخبارات الأمريكية بروس ريديل ، وهو ما أهله لاتخاذ مواقف فاصلة في سياسة المملكة القائمة على الانطواء على الذات وهو أيضا الذي أهله لوضع رؤية المملكة 2030 والتي يراها البعض طموحة ويراها آخرون منزلقا يذهب بالبلاد إلى قيد التبعية للأمريكان بعد التخلص منها جزئيا.

الأمير الطموح دفعه طموحه إلى أخذ خطوات أكبر في طريقه لعرش المملكة السعودية ، ولقد كانت للعلاقة التي جمعته بولي عهد الإمارات أثر كبير في تسريع هذه الخطوات بتمهيد محمد بن زايد له الطريق للوصول للإدارة الأمريكية الجديدة التي يجمعها ببن زايد مصالح تجارية سهلت تقديم الأمير الشاب كنجم صاعد ووريث محتمل يجب الاستفادة منه والذي أثمر رضا أمريكي عن القرار الملكي الصادر 21 يونيو 2017 بإعفاء الأمير محمد بن نايف رجل أمريكا القوي في المملكة وتعين الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد ، وهو ما يمكن أن نؤرخ به التأسيس الثاني للمملكة العربية السعودية الحالية .

وما دفعنا إلى القول بأن تولي الأمير الشاب ولاية العهد تمهيد لكي يكون أصغر ملك تعرفه المملكة العربية السعودية هو أن المملكة مقبلة على تحولات ضخمة ، إذ أن الانفتاح المعروف عن الأمير الشاب ووصايا محمد بن زايد تنبأ بالتحول الكامل نحو الليبرالية وترك إرث عبد الوهاب والحنابلة وشرعية المشايخ ، وهو ما يحيلنا إلى الانفتاح الثاني نحو الخارج بالتطبيع مع الكيان الصهيوني ، وهو ما يظهر في الحفاوة التي قوبل بها قرار تعين بن سلمان لولاية العهد في الإعلام الصهيوني وكأن وعودا قطعت في زيارة الأمير الشاب أثناء زيارته لأمريكا والتي كانت من شأنها تمرير ولاية عهده ، وهذا التحول يستوجب تبديل طاقم شبابي كامل من الأسرة الحاكمة لضمان تماشيهم مع الإستراتيجية الجديدة لنظام الحكم في التأسيس الثاني .

إلا أن هذه التغيرات سيتخلف عنها بالنتيجة صدام محتمل مع الإسلاميين وهو ما يعني بالضرورة تصفية ثورات الربيع العربي وصولا إلى صدام محتمل مع تركيا نفسها ، لكن الحقيقة التي لا يجب أن تغيب في هذا المقام هي أن هناك تيارا قويا داخل المملكة سواء من الأمراء أو المثقفين تربوا تربية محافظة قد تكون عقبة أمام الأمير الجديد وهو ما يعني فرضية صدام محتمل بين أجنحة الحكم في المملكة.

ـــــــــ

اعلامي وباحث سياسي