وجهة نظر

انهيار القيم المجتمعية بالمغرب ؟ !!!

إن المغرب وهو يتطلع لكي يكون من الدول الصاعدة في المجال الاقتصادي ويحقق التنمية الاجتماعية ويحسن من ظروف الممارسة السياسية واحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان بمنظومتها الكونية الانسانية، وفي اطار نسق التحول المجتمعي تسودفيه قيم يجب المحافظة عليها و التمسك بها و صيانة الموروث الحضاري  نحو تحقيق السلم و الاستقرار الاجتماعي و الرقي، يجب على الدولة استشعار ما يهدد المجتمع من سلوكاتو ظواهر اجتماعية بحكم تنامي العوامل السلبيةالداخلية أو الخارجية  منها التي تؤثر في الفرد داخل المجتمع ،فما شهده المغرب في هذا الاسبوع من حادثة “الحمارة ” نواحي سيدي قاسم ،و محاولة اغتصاب فتاة مختلة عقليا بالحافلة بالبيضاء ،و ظواهر اخرى مماثلة منها المعلن ومنها المسكوت عنهابباقي مناطق المغرب دفعتنا الى استحضار قول الشاعر :انما الامم الاخلاق مابقيت     و ان هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.

فاذا كانت القيم “هي تلك المعايير التي تتكون لدى الفرد من أجل تحقيق هدفه في الحياة ،وهي مبادئ و القواعد و المثل العليا التي يتخذ منها الناس ميزانا يزنون بها أعمالهم ،ويحكمون بها على تصرفاتهم المادية و المعنوية “،فالقيم الاخلاقية هي تلك المبادئ و المعايير التي توجه الفرد و تضبط سلوكه في الحياة ويتحدد بموجبه مدى فاعليته في المجتمع .تعد القيم الاجتماعية و الاخلاق من أقوى ما تبنى به و عليه المجتمعات ،وأهم الروابط التي تربط بين أفراد المجتمع وتحقق التماسك و الترابط بينهم ،وهي ضمانة استقرار المجتمعات و ازدهارها ،و انما الامم اذا انهارت فهي بسبب  انهيار القيم و الاخلاق فلايمكن فصل القيم عن الاخلاق فهي تتشكل معا في تحديد ضوابط السلوك البشري بالمجتمع من جهة ،وطبيعته من جهة أخرى.

فقد شكلت هذه الاحداث ناقوس خطر يدق على أبواب المسؤولين و القطاعات المعنية لوضع تصور و استراتيجية نحو سياسة عمومية ومجالية اجتماعية تنطلق من الفرد الى الفرد في بعدها الانساني و الاجتماعي و الثقافي و التربوي و الاقتصادي لتكوين مواطن متكامل سلوكا وفكرا كنواة لتحقيق الاسرة النموذجية ،مع حسن استثمار الرأسمال البشري كرصيد ايجابي حتى لايكون عبأ على الدولة مما يؤدي الى اختلال المنظومة الاقتصادية و الاجتماعية و التي لايجب ان نفصل هذه عن تلك ،هنا يجب اعادة النظر في تلك المؤسسات و الهيئات بكثرتها وعدم نهج “مبدأ الالتقائية” فيما بينها و بين القطاعات الاخرى المتداخلة فتغيب الفعالية، فما جدوى وجودها ونحن نشهد تنامي مثل هذه الظواهر المجتمعية الشاذة ؟ ! وماهي عوامل المؤدية لذلك الانهيار في القيم المجتمعية بالمغرب  ؟ !.

إن انتشار الفساد في المجتمع و الدولة مع بروز ظواهر الكبت السلوكي للفرد و انفصاله عن التحول المجتمعي لانعدام ثقافة التوعية السلوكية و الروحية  الدينة في اطار الوعظ و الارشاد، ونكوص المدرسة عن تأدية  وظيفة التنشأة على القيم الاخلاقية و الجمال ،و تفكك الاسرة نتيجة ضغوطات اقتصادية  في انعدام الاستقرار المادي و انسلاخها عن المحيط السوسواقتصادي ،و تنامي ظاهرة التطرف  الفكري والديني باستغلال ظاهرة اليأس لدى الشباب لفقدان الثقة في الدولة و المجتمع  ،كلها مسببات ينضاف اليها غياب التصور الشمولي و الاستراتيجي لمعالجة الظواهر الاجتماعية سواء السائدة او المستحدثة رغم تعدد القطاعات ومؤسسات المهتمة في هذا المجال :- وزارة الاسرة و التضامن و المساواة و التنمية الاجتماعية :تضطلع كسلطة حكومية بدور محوري يبتدأ بالأسرة و الفرد الى التنمية الاجتماعية و التضامن في اطار و ضع الاستراتيجيات و المواكبة و المراقبة ،فحسب المادة الاولى من المرسوم رقم 22.13.2 المتعلق بتحديد  الاختصاصات نجد ان المشرع اشار من بين الاهداف “تحسين ظروف الادماج الاجتماعي و السوسيو مهني للمواطنين في وضعية صعبة ولاسيما منهم الاشخاص في وضعية اعاقة و الاشخاص المسنين – مؤسسة وكالة التنمية الاجتماعية : والتي أحدثت لتقليص الفقر و انعاش التنمية الاجتماعية و الاندماج .

– مؤسسة التعاون الوطني :و التي أنشأت  للتدخل في المجالات الاجتماعية من اعانات و المساعدات لفائدة الفئات الفقيرة و المحتاجة وعبر مؤسسات الرعاية الاجتماعية و مساعدة الاشخاص على توظيف مهاراتهم لتحسين أوضاعهم ،و احداث فضاءات لاستماع و التوجيه من اجل المواكبة  الفعلية للأشخاص في وضعية هشاشة ،وحل المشاكل كوسيط اجتماعي و الاسري ،وانشاء خلية لليقظة و الذكاء الاجتماعي على صعيد كل منسقية جهوية او مندوبية اقليمية ،و استهداف  المساعدة الاجتماعية للأطفال في وضعية صعبة و الاشخاص في وضعية اعاقة و الاشخاص المسنين دون عائل او مورد .

كل هؤلاء المتدخلين في الحقل الاسري و الفردي و المجتمعي كوسطاء  لم يقدموا تصورا شموليا و استراتيجيا لمحاربة مثل هذه الظواهر الاجتماعية و السلوكات المنافية للقيم المجتمعية والانسانية وهذا اندل فإنما يدل على فشل هذه القطاعات الحكومية و الهيئات و المؤسسات الوطنية بالاضطلاع بمسؤوليتها تجاه الفرد و المجتمع بالدولة فماذا قدمت لمعالجة  ظاهرة الطفلة المغتصبة بالحافلة واطفال ظاهرة “الحمار”… من وضع  تشريعات رادعة لهذا السلوك من جهة ،وللمواكبة و محاولة حماية هؤلاءو غيرهم الذين  فيوضعية صعبة ؟ !فيجب لتجنب انهيار القيم المجتمعية بالمغرب اعادة النظرفي ضرورة :

– تحصين الفرد من الانحراف النفسي و الاجتماعي و ضبط تصرفاته وذلك بان يتولد للفرد الثقة في الحياة و الامان و الطمئنينة في المستقبل .- التشبع بالخير و روح التماسك وتقليص الهوة بين الطبقات الاجتماعية حتى لايتولد الحقد و الكراهية و روح الانتقام.

– تكوين البناء الوجداني و الاحساس بالجمال و قيمته بتعزيز التنوع الثقافي الهادف و المبدع نحو تحقيق قيمة الفردباعتباره مكون أساسي للوجود الانساني و متميز عن السلوك الحيواني بمفهومه الطبيعي بداخل المجتمع وليس عبأ على الدولة ومحيطها المجتمعي.

– مساعدة و تأطير الفرد داخل المجتمع بمواجهة التغيرات و التأثيرات الخارجية بتحصينه من الاستلاب الفكري و الروحي مع وضع الحلول المناسبة التي تحفظ المجتمع واستقراره و كيانه .- ايجاد التوازن و الثبات في الحياة الاجتماعية للفرد و الاسرة بتمكينه من الاستقرار المادي و الاقتصادي .- تعزيز القيم الروحية و الدينية و الصفات الحميدة كالمحبة و الاخاء و الترابط  …

كل هذا لن يتحقق دون بناء سبل تعزيز القيم الاجتماعية انطلاقا من :- اصلاح النظام التعليمي و التربوي المتكامل الذي يركز على حاجيات الطفل النفسية و العقلية .- اصلاح الاعلام بإحداث برامجهادفةمجتمعية تبرز التراث الثقافي و الحضاري و القيم المجتمعية الراسخة في المملكة .- التربية الدينية و الاشباع الروحي المرتكز على الوسطية و الاعتدال.- ترسيخ قيم المواطنة والقدوة الحسنة في المدرسة و البيت و المحيط الخارجي .ان انهيار الدولة من انهيار القيم والاخلاق المجتمعية ،فلا خوف على دولة أفرادها  ينعمون بالقيم و الاخلاق  تعزز تماسكهم و تعايشهم ،ويحفظون استقرارهم المجتمعي.