سياسة

تطرف المغاربة بأوروبا.. مسؤولية يتقاذفها وطناهما الأم والجديد

بعد كل اعتداء يُشتبه أن منفذه مغربي أو من أصول مغربية يُثار الجدل عن المسؤولية في تطرف المغاربة في أوروبا. يتهم البعض المغرب بـ”تصدير الإرهابين”، بينما يقول المغرب أن “الإرهابيين” ولدوا وكبروا وترعرعوا في أوروبا.

في السنوات القليلة الماضية بات كل من المغرب وتونس من الدول الرئيسية التي ينحدر منها أو يعود إليها أصول منفذو الهجمات الإرهابية التي تقض مضاجع أوروبا، والتي كانت من بينها اعتداء برلين وآخر حلقاتها اعتداءات برشلونة وكامبرليس في إسبانيا وتوركو في فنلندا.

وأول أمس الثلاثاء جاءت تصريحات وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، لدى استقباله في الرباط نظريه الإسباني، خوان ايناسيو زويدو، لتعيد إثارة ملف تطرف الشباب المغاربة، ومن يعود إلى أصل مغاربي، في أوروبا. وقال الوزير المغربي إن “أبناء المهاجرين المغاربة من الجيل الثاني والثالث الذين ولدوا في البلدان الأوروبية، يحتاجون إلى عناية خاصة تجنبهم السقوط في براثن الإرهاب، خاصة داخل المساجد غير المراقبة ومن طرف بعض الأئمة المتطرفين”.

“المغرب يصدر إرهابيه”

في معرض تحليله لكلام الوزير المغربي يرى الخبير المغربي في الحركات الإسلامية منتصر حمادة، في حديث إلى DW عربية أن تصريحات الوزير جاءت رداً على “قراءات إعلامية وبحثية ونوعاً ما أمنية صدرت مؤخراً في فرنسا وإسبانيا وحتى في أمريكا وتتهم المغرب بتصدير التطرف”.

ويؤكد حمادة، الباحث في “مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث” أن بعض من تورط بالإرهاب من أصل مغربي، ولكنهم ولدوا وتربوا وتعرضوا للخطاب الديني المتشدد “في أوروبا وليس في المغرب”. ومن هنا تقع المسؤولية السياسية والاجتماعية على الحكومات الأوروبية.
يُذكر أن القناة الأولى في التلفزيون الألماني (ARD) أوردت في تقرير لها الأسبوع الماضي أن من بين أسباب تطرف أولئك الشبان “انقطاع إحساسهم بالانتماء لثقافة الآباء الأصلية وفي نفس الوقت عدم شعورهم بالانتماء إلى بلدهم الأوروبي المولودين فيه”. وهو أمر أشار إليه العديد من الباحثين وشخصوه بأنه “أزمة هوية”.

وكان الخبير بشؤون الجماعات الإرهابية، غيدو شتاينبرغ، قد قال في تصريح لصحيفة “هاندلسبلت” الألمانية إن “معظم العمليات الإرهابية في أوروبا الغربية منذ نهاية تسعينات القرن العشرين نفذها مغاربة”. ويذهب غيدو شتاينبرغ من المركز البحثي “المعهد الألماني للسياسات الدولة والأمنية” أبعد من ذلك إلى القول إن “المغرب يصدر إرهابيه”.

وتنقل صحيفة “هاندلسبلت” عن الحكومة المغربية أنه بين الأعوام 2013 و2016 انضم ما يقارب 1600 مغربي إلى جماعات وتنظيمات إرهابية. غير أن ما يثير تساؤل المطلعين والمتابعين أنه “يندر أن تضرب المغرب عمليات إرهابية”. وحدثت آخر عملية في عام 2011. ويعزو الخبراء ذلك إلى أن الملك يرى في نفسه قائداً دينياً ويسيطر على المساجد. كما يعزونه أيضاً إلى قوة جهاز الأمن وفعاليته وبطشه.

فشل في ضمان الأمن الروحي للمغاربة في أوروبا

على إثر تفجيرات الدار البيضاء عام 2003، أطلق المغرب مشروع “إعادة هيكلة الحقل الديني”. وبموجب المشروع تم إعادة النظر بالعديد من القوانين والتشريعات وإعادة هيكلة “وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية” والمؤسسات الدينية الأخرى. كما جرى تأسيس معاهد خاصة لتخريج الأئمة ودُشنت مؤسسات إعلامية “دينية مغربية” وغيرها من الإجراءات. وفيما يخص الجالية تم افتتاح قسم في وزارة الأوقاف يهتم بشؤونها ويُدعى “المجلس العلمي المغربي لأوروبا”.

يرى حمادة أن “المشروع أعطى الكثير من الثمار”، غير أنه يعود ويستدرك “لا شك تعتريه بعض العيوب والنواقص”. وفيما يتعلق بأبناء الجالية يعتقد الخبير المغربي أن المشروع يتحمل جزءا من المسؤولية الأخلاقية عن الفشل في “ضمان الأمن الروحي للمسلمين في أوروبا”.
يُشار إلى أنه وقبل حوالي عامين قدرت “اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة” في دراسة عن أن عدد المغاربة في العالم بلغ 3.7 مليون، في حين قالت “الوزارة المكلفة بشؤون المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة” إن العدد يفوق 4.5 مليون. على أي حال يتركز غالبية المغاربة في المهجر في أوروبا الغربية: فرنسا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا وألمانيا.

“إنزال مشرقي”

المغرب معروف بأنه يخص الجاليات في أوروبا بعناية خاصة. وتقوم “الوزارة المكلفة بشؤون المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة” وعدة مؤسسات أخرى كـ”مجلس الجالية المغربية بالخارج” و”مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين في الخارج” بمتابعة تلك العلاقة مع المغاربة في المهجر.

غير أن السنوات القليلة الماضية أظهرت أن الحكومة المغربية فقدت، على ما يبدو، خيوط التواصل والمتابعة مع الجالية وأصبحت هي في واد والجالية في واد آخر، وهو ما يراه أيضا الخبير المغربي، إذ يقول: “الكلام صحيح فيما يخص الحقل الديني”، ويوضح أكثر “في السابق كان تدين المسلمين المغاربة في أوروبا وسطياً وفطرياً وبلا مغالاة. وما حدث في العقدين الأخيرين هو أن التدين المشرقي بنسخه السلفي-السعودي والإخواني-القطري والشيعي-الإيراني، غزا أوروبا وبدعم مالي رهيب”. ويتابع أن أوروبا نفسها “عاجزة” عن مواجهة ذلك “الإنزال المشرقي” ويعزو السبب إلى “وجود حسابات سياسية واقتصادية واستثمارية مترافقة معه”.

المصدر: دوتشيه فيليه الألمانية