وجهة نظر

المغرب ومقولة توليد الإرهاب

أثارت مجلة Jeune Afrique الفرنسية بغلاف عددها الأخير على خلفية الهجمة الإرهابية التي ضربت مدينتي برشلونة وطارغونا الاسبانيتين موجة غضب للمسؤولين المغاربة الذين لم يستسيغوا أن تعنون المجلة عددها بعنوان مستفز كتب فيه أن «الإرهاب ولد في المغرب» استنادا إلى الجنسية الأصل لمنفذي العملية. لكن، بعد أقل من أسبوع، أعلنت وزارة الداخلية المغربية في بلاغ رسمي عن «تمكن المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، بتاريخ 06/09/2017، من تفكيك خلية إرهابية تتكون من خمسة عناصر موالية لـ «تنظيم الدولة» (داعش)، تم إيقافهم ببني شيكر، نواحي مدينة الناظور، من بينهم اسباني من أصل مغربي يقيم بمدينة مليلية».

وقبل ذلك، وعلى مدى 13 سنة، أي ما بين 2003 تاريخ أول استهداف إرهابي للمغرب، وسنة 2017، قد تمكنت وزارة الداخلية المغربية من تفكيك أزيد من 150 خلية إرهابية، 32 خلية منها كانت ما بين 2013 و 2016.

كما تم الإعلان في عدد من الهجمات التي استهدفت أوروبا، وبشكل خاص في بروكسيل وفرنسا واسبانيا، عن أن أغلب المهاجمين يتحدرون من أصل مغربي.
من حيث الظاهر، أو قل للدقة من حيث القراءة السطحية، يسهل اختزال الموضوع وتحليله بشكل كاريكاتيري، والانتهاء إلى الخلاصة نفسها التي انتهت إليه المجلة الفرنسية. لكن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ السؤال الذي ينبغي اجتراؤه في هذا الصدد، هو ما السبب الذي يجعل تنظيما إرهابيا مثل تنظيم «داعش» يضع المغرب في بوصلته وليس دولة أخرى؟

بدون شك، فإن تفكيك هذا الحجم الكبير من الخلايا وبهذه الوتيرة، يعطي صورة واضحة عن درجة اليقظة الأمنية، والجدية في تفعيل المقاربة الاستباقية في مواجهة هذا الخطر الإرهابي، وهذا بالتحديد ما يجعل الطلب على التجربة الأمنية المغربية في تزايد، بل هذا ما دفع العديد من الدول الأوربية مثل فرنسا واسبانيا وبلجيكا وغيرها تطلب تعزيز التنسيق الأمني مع المغرب والإفادة من خبرته الأمنية لتحصين أراضيها من التهديد الإرهابي. لكن ثمة معطيات أخرى كشفت عنها وزارة الداخلية المغربية في بلاغات متتالية على مدى السنوات الأخيرة تقدم بعض الجواب عن السؤال الذي تم طرحه، إذ تفيد أول هذه المعطيات أن تجنيد المغاربة للتخطيط للهجمات الإرهابية يتكثف في المناطق الساحلية الشمالية، وبشكل خاص الحدودية، مثل طنجة وتطوان ووجدة….ويتمدد وسط المغرب (بني ملال)، بل يمتد حتى للصحراء.

نعم ثمة إشكال خطير يتعلق بقابلية المغاربة للتجنيد، وهو أمر يحتاج لتفسير، والظن الغالب أن الأمر يرجع بشكل كبير للشروط الاجتماعية والاقتصادية، أكثر مما يرجع للثقافة الدينية، وهذه الشروط بالمناسبة موجودة في مختلف دول شمال افريقيا، وربما هي في بعض هذه الدول أعمق مثل تونس والجزائر ومصر وهو ما يزيد من تعميق السؤال. ثاني المعطيات المفيدة بهذا الخصوص تتعلق بالإمكانات التي حصلت عليها هاته الخلايا، وحجم الاختراق الذي من بوابته تحقق لهذه الخلايا هذا التقدم اللوجستي، فالحصول على معدات وأسلحة مختلفة جد متطورة بقدر ما يسائل المناعة الأمنية على الحدود، ودرجة الجاهزية واليقظة التي توفرها السلطات في المطارات والموانئ بقدر ما يكشف عن الأسباب التي تجعل تنظيما إرهابيا ما يهتم بالجغرافية أكثر مما يهتم بالشروط الاجتماعية والاقتصادية بحكم تشابهها في دول المنطقة، فالمغرب هو البلد الوحيد داخل شمال افريقيا الذي لا تفصله عن أوروبا سوى 15 كيلومترا بحرية، ويعرف حركة ملاحة بحرية نشيطة مع الجارة الاسبانية مما يسهل تنقل الأشخاص والبضائع، ويسهل أكثر عملية التواصل المباشر فضلا عن اللوجستيك، فإذا انضاف إلى ذلك اشتراك المغرب والجزائر في الاتصال بالحدود الواسعة المتاخمة لمنطقة الساحل جنوب الصحراء التي تنشط فيها جماعات الجريمة والمخدرات والجماعات الإرهابية، أمكن فهم سبب تركيز تنظيم مثل «داعش» وقبله القاعدة على الجغرافية أكثر من تركيزه على الشروط الاقتصادية الاجتماعية.

ثالث هذه المعطيات ترتبط بالنموذج السياسي المغربي، والذي يعتبر الأكثر انفتاحا في دول شمال افريقيا، إذا استثنينا تونس ما بعد الثورة، والذي يوفر مناخا من الحريات والحقوق في الغالب ما يستثمر من طرف التنظيمات الإرهابية لتنفيذ عمليات التوسع في الاستقطاب والتجنيد.

رابع هذه المعطيات، ويرتبط بنقاط التوتر التي أنتجها المناخ الإقليمي، والذي جعل المغرب يدفع ثمنه لاعتبارات جغرافية سبق التفصيل فيها، فمن جهة، ثمة نقطتا توتر في شمال افريقيا تنشط فيها التنظيمات الإرهابية، ويتعلق الأمر بكل من تونس وليبيا، فضلا عن تناسل الجماعات الإرهابية في صحراء الجزائر، والتي عجزت السلطات الجزائرية أن تضبطها بسبب شساعة المنطقة وتمنعها، دون أن نغفل نشاط الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل جنوب الصحراء، ومن جهة ثانية، ثمة علاقات دبلوماسية مفتوحة مع تركيا، استفادت فيها التنظيمات الإٍرهابية من عدم فرض تركيا للتأشيرة على دول شمال افريقيا، وبشكل خاص المغرب وتونس، لتجعل من هذه الدولة ممرا آمنا للمجندين إلى بؤر التوتر في كل من سوريا والعراق.

وقد حاول المغرب بمختلف جهوده أن يتصدى لهذه الوضعية المعقدة، وأن يمنع الخلايا الإرهابية من أن تنفذ هجماتها الإرهابية ليس فقط داخل الأراضي المغربية، ولكن حتى داخل أوروبا، بل لقد أفادت أكثر من دولة أوروبية بأنها تمكنت من تحصين بعض مؤسساتها ومناطقها الاستراتجية من الإرهاب بفضل تنسيق معلوماتي مع المغرب. هذه باعتقادي هي الاعتبارات الأربعة التي تجعل تنظيما إرهابيا مثل «داعش» يضع المغرب نصب عينه، حتى ولو كانت الشروط الاجتماعية والاقتصادية المغذية والمسهلة لعملية التجنيد موجودة وربما بشكل أعمق في بلدان شمال إفريقيا.

خلاصة التحليل أن المغرب وحده اليوم يدفع ثمن قربه من أوروبا، ويدفع أيضا ثمن انفتاحه السياسي، ويدفع ثمن حالة الفوضى واللانظام التي يعيشها العالم، والتي بسببها انفرط عقد الاستقرار في عدد من الدول ومنها ليبيا التي تتوسط بلدان شمال افريقيا، ويتحمل جهازه الأمني مسؤولية صد استراتيجية إرهابية منظمة يخطط لها في بؤر التوتر التي أنتجتها السياسات الدولية، في غياب أي دعم دولي، ولا حتى تنسيق أمني من قبل بعض دول الجوار في المنطقة.

والأخطر من ذلك أن المغرب يسائل حتى على المواطنين الأوربيين الذين خضعوا لنظام تربية أوروبي في حالة وقوعهم داخل الأراضي الأوربية وليس داخل المغرب، في دائرة التجنيد من قبل الجماعات الإرهابية باستحضار الدولة الأصل، حتى ولو لم يكن هذا المواطن الأوروبي قد تشرب من هذه الدولة الأصل اللغة ولا الدين والتقاليد والعادات. نعم ثمة مشكلة مرتبطة بالتحصين، وهي تطرح للمساءلة النموذج الديني والتربوي والثقافي، لكن حين يتعلق الأمر باعتبارات مخطط استراتيجي يستعين بالجغرافية لتسهيل تكتيكاته، فالأمر يتطلب أكثر من مجرد التحصين.

بكلمة، إنه لا يمكن لدولة تواجه كل هذا التحدي، أن تبقى وفية لمهمة «دركي أوروبا»، وحين يثقل الأمر عليها أو يستهدف مواطنوها بتخطيط استرتيجي إرهابي بسبب ضعف الدعم الموجه لها، أوبسبب تلكؤ دول الجوار في التنسيق الأمني، ترمى بكونها ولادة للإرهاب في المنطقة!