وجهة نظر

حزب العدالة والتنمية والحاجة إلى النقد الذاتي قبل فوات الأوان

من أجل تجاوز مشكلات هذه المرحلة من حياة التنظيم الحزبي لنواجه مشكلات مرحلة أرقى وأكثر صعوبة ربما.

يقول ماوتسي تونغ في مقاله ”الحكومة الائتلافية” مايلي:

“إن ممارسة النقد الذاتي المسؤول هو ما يميزنا عن الأحزاب السياسية الأخرى. لقد قلنا إن البيت يجب أن ينظف دائماً، وإلا تراكم فيه الغبار، وإن وجوهنا يجب أن تغسل دائماً، وإلا تلطخت بالأوساخ. ونفس الشيء يقال عن عقول رفاقنا وأعمال حزبنا”.

إن تفعيل النقد وزحزحة التراكم وتفكيك الاشكالات وصياغة الاجوبة الضرورية لها بشكل جماعي والشعور بالحرية داخل اي تنظيم هو العاصم من تفكيك المنظومة الحزبية برمتها نتيجة طغيان التفكير التبريري والسهل ، فالنقدالذاتي ممارسة سليمة داخل هياكل التنظيم وفضاءاته المسؤولة والقيادات الحزبية المؤثرة في حزبنا عليها قيادة هذا النوع من النقاش الداخلي بل والدعوة الى ممارسته وفسح المجال لأطر الحزب وطاقاته من اجل ان يجد المخاض الفكري وتعدد الرؤى والقراءات للمرحلة مجالا طبيعيا للتعبير والنمو والتطور وإلا فاطر الحزب وأعضائه ومناضليه ومناضلاته سينجزون اجابات متفرقة على هامش المؤسسات والهياكل وهذا اخطر على الحزب من التدافع الداخلي في علاقته بالمرحلة ، والقيادات التي تتوجس من النقاش الداخلي وتعالج الأمور بمزيد من الهروب الى الامام بداعي وحدة الحزب ومصلحته فهي بنزوعها هذا تكرس أزمته ولا تسهم في حلها ، على قيادات الحزب وهيئاته التقريرية الْيَوْمَ ان توفر ضمانة كبيرة لاكتشاف الأخطاء وتصحيحها ومعالجتها وإنتاج البدائل ازاءها بل والاختلاف حول ذلك لانه مناط التطويروالتقدم الى الامام بخطى سليمة ، فوظيفة النقد والنقد الذاتي وفِي المراحل التاريخية الدقيقة دائما كانت جسرا للانتقال من واقع الأزمة الى واقع جد يد يتفاعل مع المستجدات ، ان النقد الذاتي والقراءة الموضوعية للمرحلة ولما وقع وحدها الكفيلة بإنجاز التجاوز وطي ما افرزته التقديرات السياسية ومضاداتها ، ان استمرار الحزب في موقعه وعمقه الجماهيري ، وامتداد وظيفته واستدامتها في المجتمع رهين بكسر الأنانيات المسيطرة الْيَوْمَ على الخطاب الذي يجعل من تبرير القرار والتحول هدفا عِوَض الاتجاه الى المستقبل ، فالإقرار بالاجتهادات الخاطئة أو حتى المتسرعة والمتهافتة وحده السبيل والمار الى بناء أجابات جماعية تدفع الى الامام عِوَض الارتهان الى المنطق التبريري الذي يحاول تفسير الواقع وما وقع وليس العمل تجاوزه وتغييره واستعادة المبادرة المسنودة من طرف الإرادة المعبر عنها في مختلف الاستحقاقات الانتخابية مع استحضار الاختراقات التي شرعت في تفكيكها ولعل الانتخابات الجزئية تمرين بسيط لذلك وإلا الامر يتطل تحليل رصين ، القيادة قادرة على انجازه ، قلت هذا المسار وحده القادر على حماية حزبنا وصيانة وحدته واستقلالية قراره فاستقلالية قرار الحزب وكافة الأحزاب لا تضيع دفعة واحدة بل تتساقط اثناء الطريق وعبر مسار تراكم الأخطاء والتعصب للقراءات الاحادية في إطار منطق لا أريكم الا ما ارى ، اننا نريد حزبا يستعيد عافيته وقبلها وظيفته التاريخية في علاقته بالمجتمع بدلاً من أن ينتهي الى الفشل مستقبلا وببطء مخدوم ، ان فضيلة النقد الذاتي تؤكد انه لا يمكن لأي حزب او تنظيم او قيادة ان تكون معصومة ومتعالية عن ارتكاب الأخطاء أو تلافي كافة الأخطاء في العمل، فوحده النقد الذاتي وديناميته السليمة تحول الاخطاء والسقطات في حياة الأحزاب إلى فائدة والسلبيات إلى إيجابيات.

ان اعمال النقد الذاتي والعمل على تحرير مبادرات التقييم لمسارنا السياسي والحزبي وما وقع اثناء واقعة 7اكتوبر وما ترتب عليها ، والحالة التي اصبح عليه الحزب وقواعده بل وقيادته وطبيعة النقاش الدائر في كل الفضاءات وخط سياساته العمومية وطبيعة قرارته ونشاطاته …… كلها أمور لابد ان ترضخ وتخضع لمشرحة التحليل الجماعي غير الموجه او المتحكم فيه تحت اي طائلة ، فالتتبع العلمي والرصد المنهجي لكل ما افرزته سياسات الحزب ومواقفه من إيجابيات وسلبيات في علاقتها بمسار التحول الطارئ في النسق السياسي والحزبي المغربي خصوصا في سياق المؤتمر القادم ، هذا الطريق وحده الضامن للحزب اليات التطوير والتجاوز وهو الخط الذي يمده بالعقلية العلمية الموضوعية التي تستطيع دائماً استيعاب الأخطاء ونتائج المعارك السياسية ومخرجات التدافع السياسي في الميدان وبالتي تمكن الحزب من أدوات تطوير المقاربات وابتكار الاليات والبدائل والبرامج على ضوء ما تفرزه الممارسة وبالتالي قيادة الحزب بأفق استشرافي واستراتيجي يحول الهزائم المرحلية الى لبنات صلبة لبناء قاعدة الانطلاق الجديدة وحزبنا في حاجة الى انطلاقة جديدة شريطة إخراجه بسلام من مربع تداعيات مرحلة ما بعد 7 أكتوبر .

ونحن ندعو الى تفعيل احدى أدوات الديموقراطية المرتبطة بتدبير الحياة الداخلية للمنظمات والتنظيمات الحزبية وغيرها ، فإننا واعون بالتحديات المرتبطة بذلك لكن لا مناص فعلى قيادات الحزب وأعضائه وخصوصا من يتصدى الْيَوْمَ لفضيلة النقد ان توفر الأجواء والمناخات النفسية لكي نستمع لبعضنا البعض بعيدا عن لعبة المحاور والتخندق ومن مع ؟ ومن ضد ؟ فكلنا مع الوطن اولا وأخيرا وكلنا بعد ذلك مع حزب العدالة والتنمية ودوره الوطني وكلنا طبعا ضد التحكم وتلويناتها وتعبيراته المختلفة ، ان الاعتصام بفضيلة النقد الذاتي تعني تجاوز المكابرة لدى انكشاف الأخطاء وعوض الحفر في ذات صاحبها لابد من تجاوزها الى مطارحة الحلول والأجوبة الجماعية على قاعدة الوطن وفِي حدود منهاجنا ومنظومة مبادئنا ، بل النق لا يستقيم الا مع ضرورة الاعتراف بما وقع ، فالحكم عليه هو جزء او فرع من تصوره وتمثله التمثل السليم وليس الصياغة المبروزة للاشياء والاحداث ثم عقد العزم على التجاوز في سياق التصحيح .

وعليه فالاستمرار في الاختباء وراء العناوين والأسماء والأشخاص لا يجدي ما يقع داخل حزب العدالة والتنمية ليس صراعا ثنائيا حديا بين الأمين العام عبد الاله ابن كيران ورىئيس الحكومة سعد الدين العثماني اومن اقتنع بهذا الموقف او ذاك التبرير والتفسير من أبناء العدالة والتنمية ، التدافع الحاصل الْيَوْمَ في البيئة الداخلية للحزب وعلى اطرافها وجنباتها افقيا وعموديا لا حظ للشخصي فيه ويحب الا يكون ، انها القراءات المتباينة لما وقع ، وكيفية التعامل مع المعطيات المتوافرة ومع مصادرها والتي بنيت عليها المواقف كيف تم تقديمها او تهذيبها او التعسف عليها ….. انها مخاض طبيعي لو تم توجيهه بآليات سليمة ومتابعته من اجل ولادة طبيعية لمرحلة جديدة في مسار حزبنا ، فتقوقع بعض القيادات في قالب الحساسية أو الانفعال عند جرأة النقد واعمال الفكر او حتى تحليل مغاير ومحاولة لجم ما يوجهه الأعضاء بل وحتى الجماهير من نقد لحزبنا سيؤدي لا محالة إلى مزيد من الانغلاق داخل فكر الأزمة وخطابها وتموجاتها ومن تمة الاستمرار في احادية القراءة التي لا ترى الا صوابها في الخطأ الذي يتحدث عنه الآخرون وعدم الإفادة من تنوع التحاليل والقراءات والنتيجة علو سُوَر الللا تجاوب واللا تفاعل مع حيوية رد فعل الأعضاء مهما اختلف موقعهم التنظيمي والجماهير مهما تناقضت ولاءاتهم لحزبنا ، إن القيادة المستوعبة ، المستشرفة لآفاق الوطن ودورنا في ذلك تفكر خارج صندوق الأزمة ، وحتما هي القيادة التي تركب النقد وتشجعه وتدفع به وتصغي الى نبض قواعد تنظيمها لا الى نبض رؤاها المتسارع نتيجة الخوف من يقال اخطات القيادة ، خير لنا ان تعترف قيادتنا بأخطائها احتمالا على ان نصمت على تدمير صامت تنجزه ممارسة او موقف خاطئ جبنا على مواجهته وتصحيحه ، لا تكون القيادة قيادة الا اذا كانت مستعدة دائماً للتطور والتجديد والانفتاح على اجتهادات الاخر على ضوء ما تفرزه التجربة والممارسة الجماعية ، إن ممارسة النقد بالنسبة لحزب العدالة والتنمية كاداة اصلاحية هو المنفذ الوحيد لتجديد حيويته وإنتاج إمكانات التجاوز والمضي الى الامام باقل تكلفة من خسائر المعارك في حياة الأحزاب وعلاقتها بالانظمة .

يتبع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *