وجهة نظر

1979

قد يكون عنوان المقال محط تساؤل ، لكنه في الحقيقة تاريخ مهم في عمر الأمة العربية والإسلامية بل والعالم .

في حفل تدشين مدينة نيوم السعودية والتي يعول عليها ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير محمد بن سلمان بأن تكون مشروع العصر و جواز مروره لتولي الحكم في المملكة ، بما يحمله المشروع من طموحات تفوق الخيال وهو ما دفعه إلى الاستعانة بخبرات غربية كبيرة إلى حد بعيد لتشاركه تنفيذ هذا الحلم .

ووقوفا عند ما حمله حفل تدشين المشروع من رسائل كانت أهمها أن المشروع بالأساس هو مشروع يخاطب الغرب و يتماهى مع هدفه في عولمة الاقتصاد العالمي وصولا إلى تجميع خيوط الاستثمارات العالمية في يد واحده تحركه وتخطط له لتجني في النهاية ثماره تاركة فتاته للتابعين بإحسان ، فإن المشروع الذي دشنته المملكة هو في النهاية صورة جديدة من صور التبعية للغرب ، وعليه وفي سياق كلماته التي ساقها في إطار الإجابة عن أسئلة مقدمة الحفل التي كان من الواضح جدا التزامها بسيناريو وضع بدقة لتمرير رسائل معينه، ذكر الأمير في إجابة على سؤال المقدمة عن السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة رد الأمير بأن المملكة في عهد جديد منفتح، يرسخ الإسلام الوسطي وأن المملكة ستعود لما كانت عليه قبل عام 1979 .

هذا التاريخ الذي اختاره الأمير إنما هو تاريخ ذات دلالة مهمة بالنسبة للمملكة تحديدا ، وهو تاريخ بدأ الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي والذي شاركت فيه المملكة العربية السعودية بشكل كبير سواء بتمويل المجاهدين الأفغان والعرب بالمال أو بتسهيل تمريرهم إلى أفغانستان من خلال أراضيها ، والذي عايش تلك الفترة يذكر أن المجاهدين العرب كانوا يُجمعون في نقاط في بلادهم لتسفيرهم إلى المملكة لأداء العمرة ومن ثم ينطلقون إلى باكستان ومنها إلى أرض الجهاد ، هؤلاء المجاهدين العرب هم من اعتبروا بعد ذلك نواة تنظيم القاعدة ثم تنظيم الدولة وما بينهم من نتاج جهاد في بؤر ظلم المسلمين في العالم كالبوسنة والشيشان ، وهم سبب تفجير السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا، والهجوم على المدمرة كول أمام سواحل اليمن و الهجوم على كنيس يهودي في تونس وغيرها من العمليات التي هزت هيبة الغرب، لكن أهم ما هز هيبة الغرب وكسر أنفه والذي لازال يذكره ويحاسب المسلمين عليه هي أحداث الحادي عشر من سبتمبر ، والتي اُتهم فيها سعوديين في التخطيط والتنفيذ ، والذي افرز قانون جاستا لابتزازها بعد ما يقارب العشرين عاما من الأحداث .

لكن الأمير نسي أو تناسي أن الأمر لم يكن ليدار في الجهاد الأفغاني وتصدير المجاهدين العرب إلى بؤرة الصراع في أفغانستان إلا بأوامر من الولايات المتحدة الأمريكية ، لذا فإن أمر الاعتذار المبطن للولايات المتحدة أو الغرب لا لزوم له، إلا أن يكون اعتذار الأمير لشيء في نفسه .

الناظر إلى الحراك السياسي والاجتماعي والثقافي والديني في المملكة العربية السعودية ، يدرك جيدا أن الأمير عني ما قال ، وأن الرجل لا يترك مناسبة إلا و يحاول أن يؤكد أن السعودية الوهابية ، التي هي بالأساس دولة وظيفية من يوم نشأتها ستكرس جهودها لاحتواء المعطيات التي قد تؤدي إلى مخرجات على غير رغبة الكفيل الأمريكي، وكله يصب في النهاية في رغبة الأمير لتولي الحكم في المملكة في أسرع وقت ممكن مع دعم من مؤسسات الحكم في أمربكا و التي يقال أنها حتى الآن لم تقتنع بالشاب كملك للمملكة التي تُعد صمام الآمان لمصالح الغرب وأمريكا في الخليج.

التاريخ الذي ذكره محمد بن سلمان هو تاريخ فارق بمعنى الكلمة ، فبغض النظر عن اختلافنا مع فكر القاعدة ومن نهج نهجها إلا أن التاريخ الذي ذكره ولي العهد السعودي هو تاريخ غّير وجه معاملة الغرب مع القادة العرب والمسلمين، بما يعني أن هؤلاء القادة لم يقدموا ما يُرضي سادتهم في الغرب وأن نظم ما تفلت من بين يديها الأمر وأفرز جماعات ملهمة بشكل أو بأخر لانفكاك الشعوب من تحت الهيمنة الامبريالية الحاكمة بوكلاء لها في المنطقة ، وهو ما يعني فشل الوكلاء في ضبط الأمور في تلك الدول، وهو ما تمحور في ألفين واحد عشر في صورة ثورات شعبية قصد منها إزاحة وكلاء المستعمر ، والتي تعيد تشكيل نفسها الآن في صورة مسلحة بعد أن أحبط الغرب بغبائه ثورات تلك البلاد ، لذا فلا عجب أن تزيد العمليات الإرهابية في الدول الغربية بعد شعور المنتمين لتلك الدول المقهورة بأن الأدوات السلمية وتداول السلطة التي قدمها لهم الغرب لا فائدة منها ، لذلك اختار بن سلمان ذلك التاريخ ليؤكد على قدرته على النجاح فيما فشل فيه سلفه ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة الآن : هل ستمهل الظروف الأمير الطموح من تنفيذ ذلك ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *