وجهة نظر

الحري يكتب.. عبد العلي حامي الدين مرة أخرى !

بين الفينة والأخرى، وفي أوقات تكاد تكون مدروسة، “يتذكر” البعض أن طالبا قد قتل قبل عقدين من الزمن، لشن حملة ممنهجة وظالمة، لا تطالب ب”القصاص”، لا من القتلة الحقيقيين، وعدم التسامح معهم، بل يوجهون الاتهام إلى شخص عبد العلي بعينه، من دون غيره من الناس، وياليتهم اكتفوا بتوجيه الاتهام، بل صوروا الشخص المعني كأنه القاتل الحقيقي، في تجاوز صارخ للأحكام القضائية والتحقيقات الجنائية التي طالبوا بها !

لو كانت تصدر مثل هذه الاتهامات، بين الفينة والأخرى، عن جهات طلابية لاعتبرنا الأمر جزءا من “البوليميك” الطلابي الذي تعرفه جامعاتنا والذي قلما تهمه الحقيقة في ذاتها بقدر ما يهمه مواجهة خصمه السياسي، سواء بالحق أو بالباطل، طالما أن الغاية تبرر الوسيلة في أجواء ملوثة وغير سليمة.

لكن، أن يتبنى القضية رجال سياسة وصحافيون ومحامون، ويطرحون القضية إعلاميا وحقوقيا وسياسيا، بأسلوب تنبعث منه رائحة الحقد والانتقام، ولا علاقة له بالبحث عن الحقيقة، التي ينبغي أن تكون شاملة لكل ضحايا العنف الطلابي، سواء الذين قضوا نحبهم مثل المرحوم أيت الجيد، أو من نجا من الموت بأعجوبة مثل عبد العلي حامي الدين نفسه، فإن الأمر يدعو إلى الدهشة والاستغراب والتشكيك في الأهداف الكامنة وراء هذه الحملات المتكررة الظالمة.

إن عددا من الرفاق والأصدقاء الحقيقيين للرفيق أيت الجيد، يتخذون مسافة واضحة بينهم وبين الحملة الممنهجة المذكورة، بل يشككون في صدقية نوايا الذين “تذكروا” فجأة مقتله. وهؤلاء الرفاق لا يطالبون إلا بمعرفة الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة، ولا يوجهون الاتهام إلى أي كان، ويرفضون رفضا قاطعا توظيف قضية رفيقهم الشهيد في تصفية حسابات سياسوية ضيقة، تستهدف الاغتيال المعنوي لمناضل سياسي يشارك بفعالية، ضدا على قيادة حزبه السياسي المنتمي إليه، في معركة النضالي الديمقراطي والحقوقي ببلادنا، ومعروف بمواقفه السياسية المستقلة.

إنه مهما بلغت درجة الاختلافات السياسية والاستقطابات الإيديلولجية، فلا يجوز لها أن تضرب بعرض الحائط، أبسط مبادئ دولة الحق والقانون، التي يفترض أن يعمل الجميع، كل من موقعه، الرسمي والمدني، من أجل تحقيق الانتقال الديمقراطي المدعم لأسسها والمؤصل لقواعدها، وأن يندد كل الشرفاء في هذا الوطن بأسلوب الضرب تحت الحزام، ومسلك تحويل السياسة من فن نبيل لمعالجة أمراض الواقع إلى جزء من مشاكله المزمنة.

لقد قضى السيد عبد العلي حامي الدين سنتين على ذمة القضية نفسها، واعتبرت هيئة الإنصاف والمصالحة في وثيقة رسمية صادرة عنها أن اعتقاله كان اعتقالا تعسفيا وأن محاكمته تبعا لذلك لم تكن عادلة، ثم عاد خصومه السياسيون للمطالبة بمحاكمته مجددا بعد عشرين سنة، فقالت الجهات القضائية المعنية كلمتها، فلم التمادي والإمعان في إثارة هذا الملف وفي أوقات معينة بالضبط؟

ألا تدعو هذه التصرفات الغريبة إلى عدد لا يحصى من التساؤلات المشروعة حول أهدافها ومقاصدها الحقيقية؟ هل هي من أجل إسكات كل صوت سياسي معارض ومشاكس؟ وهل للحملة الممنهجة الحالية علاقة بترتيب البيت الداخلي لحزب العدالة والتنمية، وما يعرفه هذا الحزب من صراعات بين تياراته؟

لاشك أن الإجابة على مثل هذه الأسئلة ستبقى مجرد تخمينات وظنون، من الصعب إثباتها بالحجة والدليل، لذلك، وعوضا من الاستسلام لما تثيره من خوف وقلق ووساوس وشكوك، ندعو إلى أولئك الذين يقفون وراء هذه الحملة، أو من يعتقدون أنهم سيستفيدون منها، أو من يقول لسان حالهم “لم نأمر بها ولم تسؤنا”، أو أولئك الذين ينطبق عليهم حال من “قلوبهم مع علي وسيوفهم مع معاوية”، ندعو الجميع إلى وزن موقفهم من القضية بميزان الحقيقة والإنصاف، بعيدا عن كل محاولة للهروب إلى الأمام لإخفاء فقر مشهدنا السياسي لأدوات نبيلة لتدبير الاختلاف السياسي وتسوية الصراع الإيديولوجي على أرضية ديمقراطية مؤسساتية تحترم أسس وقواعد دولة الحق والقانون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *