منتدى العمق

قصتي مع المليار ونصف

اثناء لقائي بمجموعة من الأصدقاء الطيبين وصل بينا النقاش الى المشاريع واشكالاتها، فأكدت لهم لو كنت أملك مليار ونصف لاستثمرته في شراء بيت، وبنيت مسجدا ملاصقا لبيتي، وأسست مركزا خيريا للأطفال الفقراء وتعليمهم، والباقي سوف أؤسس به مشروعا استثماريا أخلق به عددا كبيرا من الوظائف لأبناء مدينتي.

مرة التقيت صديقا لم أره منذ مدة طويلة أخذني إلى مقهى، وفي إطار الحوار أكدت له لو كنت أملك مليار ونصف لاستثمرته في شراء بيت، وبنيت مسجدا ملاصق لبيتي، وأسست مركزا خيريا للأطفال الفقراء وتعليمهم، والباقي سوف أؤسس به مشروعا استثماريا أخلق به عددا كبيرا من الوظائف لأبناء مدينتي.

صادف يوما ما في رحلة الى الشمال أن جلست مع رجل فاضل من إخواننا المثقفين.. من طبعي لا أحب مقعد النافذة فتنازل لي عن مقعده على الممر.. وفي اطار الحديث وتبادل الحقائق والمشروعات أكدت له لو كنت أملك مليار ونصف لاستثمرته في شراء بيت، وبنيت مسجدا ملاصق لبيتي، وأسست مركزا خيريا للأطفال الفقراء وتعليمهم، والباقي صوف أؤسس به مشروعا استثماريا أخلق به عددا كبيرا من الوظائف لأبناء مدينتي.

من ميزات مشروعي هذا أن كل من سردته عليه لا يمل من سماعه، بل في كل مرة أقولها أشعر أنهم سعداء ويتمنون لي و للأهلي إقامة سعيدة في منزلي الفاخر ويدعون لي بالتوفيق في مشروعاتي الخيرية.. ثم يصدحون بلسان واحد ( تبارك الله عليك لم تبخل ) فأرد بكل تواضع: (لم نقوم إلا بالواجب).

هذا الكلام وتكراره ليس من اختراعي، بل من اختراعنا جميعا.. هذه ليست قصتي، هذه قصتنا كلنا.. ثمة مشروعات وأمنيات نرددها دون كلل أو ملل. أمنيات مستحيلة لم تحصل من قبل ولا أحد سعى لحصولها ولن تحصل أصلا لعدم توفر أي مقومات أو أسباب لإقامتها، ومع ذلك نرددها بحبور وكأنها سوف تتحقق صباح يوم غد.

أعطيكم مثالا؛ كم مرة سمعت عبارة (اتحاد دول المغرب العربي) أو (وحدة الأمة الإسلامية) في خطبة، في مقال، في قصيدة، في تغريدة.. كما لم يسألني أي من أصدقائي كيف سوف أتدبر المليار والنصف الذي تبرعت بأكثره، لم أسمع أياً من المستمعين يسأل الشيخ الذي يتحدث عن الوحدة الإسلامية: كيف سنوحد موريتانيا مع اندونيسيا يا شيخ؟

مرة في للقاء عام أطنب داعية واعد في مسألة ضعف الأمة وتكالب الأعداء عليها من كل حدب وصوب (الأعداء يرومون تمزيق وحدة الأمة الإسلامية، وتقسيمها إلى دويلات متناثرة؛ لتضعف قوّتها، وتتشتت طاقاتها، وتذهب ريحها، الخ..) ثم أكد أن نجاة الأمة الإسلامية يكمن في توحدها، فلاحظت أن الجميع تركوا كل حديث جانبي والتفتوا صوبه.. لم يعنني كلامه فهو نفس كلامي عن المليار والنصف، ولكن ما أثارني أن الجميع أصاخ السمع كأنهم فوجئوا بالمشروع.. ما قاله هذا الشيخ تردد على مسامعنا بنصه منذ أكثر من ستمائة سنة بطريقة القص واللصق.. هذا ما فعلته ثلاث مرات مع قصة الملياروالنصف، وبإمكاني أن أقصها وألصقها مئات المرات إذا كان هذا سيسركم.

فمن خلال قراءتي في كتاب شروط النهضة لمالك بن نبي يؤكد الكاتب أن للإنسان قيمتان : خامة طبيعية لا سلطان لأحد عليها من خارج الإنسان إلا أن يكون العطب داخليا، و قيمة خارجية صناعية اجتماعية تشكّل البيئة التي قد تحوي مجموعة من العراقيل التي لا تتيح لمواهب الإنسان أن تأخذ مجراها الطبيعي نحو النبوغ. فإذا انصلحت القيمة الأولى انصلحت الثانية تدريجيا عبر تكاثف عمل الأفراد على أنفسهم وسلوكهم، وبعبارة أخرى “أخرجوا المستعمر من أنفسكم يخرج من أرضكم”..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *