وجهة نظر

سكتة لقلب لا وجود له

(أمام السياسي خياران إما أن يتحدث مع الناس وإما يتحدث في صلب الموضوع)

كاسبار

لا أدري لماذا أتذكر الآن خطاب الملك الراحل الحسن الثاني بالبرلمان سنة 1995، وهو في حالة انفعال قصوى تتحكم فيها طبيعته كرجل دولة، يصرح بخطورة ما يعيشه المغرب واقترابه من السكتة القلبية، كان ذلك الخطاب الجواد الذي أوصل قوى المعارضة من اليسار وتنظيمات أخرى إلى مواقع السلطة، وإثرها عرف المغرب انفراجا سياسيا واهتماما أكثر بالمجال الإقتصادي كما خلق ديناميكية داخل المجتمع المدني.

إن من عاش تلك اللحظة من بعيد، يصعب عليه اليوم وهو يعيش من قريب، أن يقف و يلاحظ بقوة ما تعيشه الساحة السياسية اليوم من اختلالات، بين أغلبية متلاشية ومتصارعة، ومعارضة منهارة تعيش تحت وابل من الهجومات وعجز ذاتي في تجاوز أزمتها الداخلية، وبين رئيس حكومة غائب كليا عن مجريات الأحداث، وحضور لنثئات وزارية تفقد للصورة الحكومية انسجامها وديناميكيتها، وكأننا نعيش اليوم نفس الخوف ونفس زمن السكتة القلبية، إن لم نقل أننا نعيش موتا سريريا للسياسة.

فالمواطن أمسى ضائعا في بلده، بين أغلبية مفككة ومعارضة منهارة. في وضع يزيد من تأزيمه غياب الزعامات والشخصيات الكرازماتية التي توجه الرأي العام وتؤثر عليه وفيه، أو على الأقل تشغله بحوارات راقية ومناقشات عميقة لأوضاعه السياسية و الاقتصادية والاجتماعية، فيشعر من خلالها بأنه يساهم في تركيبتها وفي محاولة فهم صعوباتها.

غير أن الأدهى والأمر هو أنه أمام غياب هذه الشخصيات السياسية الوازنة، أصبحت الشائعات وبعض الأبطال بدون مجد، هم من يفرضون نفسهم على الساحة السياسية.

أما شبابنا فقد قطعنا له حبل الاتصال بالواقع، وضحينا به إلى ذلك العالم الأزرق، الذي سار أسودا لطبيعته وجموحاته، ولحجم الحرية التي تمارس داخله بلا ضوابط ولا أخلاق.

يبدو أن هذا الواقع المظلم يسائلنا جميعا، ويفرض علينا الجواب على الأسئلة التالية: هل يمكن لبلد تجاوز كل الأزمات والمطبات بنوع من الجرأة والحكمة أن يقف اليوم عاجزا أمام هذه الأزمة الحادة التي باتت ترخي بظلالها على الاقتصاد والسياسة، بل أمست تنعكس بكل وضوح على التعليم الذي أصبح عقدتنا ومجال فشلنا، حتى أصبح هذا الموضوع ملفا شائكا كجمرة لا يريد أحد أن يحملها بين يديه؟ وكأن الأزمة بلغت درجة أصبح معها الجواب على كل هذه الأسئلة صعب المنال؟. فلم يعد ذهاب الحكومة أو بقائها يشكل حلا، ولا يرجى أمل في إنقاذ المعارضة، ولا أفق يمنحنا القدرة على مواجهة الملفات والقضايا الكبرى بنوع من الجرأة والحماس.

إن من الحظيظ السياسي أن نسمع في البرلمان تهديدا بفرض مسطرة الفصل 103 من الدستور الذي يعطي لرئيس الحكومة أن يربط لدى مجلس النواب، مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة، أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه، وهو تهديد لا طائلة ورائه، لأن من ضحى بشعارات عالية كان يرفعها من موقع المعارضة لايمكنه أن يضحي بموقع السلطة، ثم هل وصلت الأزمة درجة التهديد باستقالة الحكومة استقالة جماعية بسبب سحب الثقة منها؟ وهل هذه الحكومة حاصلة أصلا على الثقة؟ وعن أية ثقة نتحدث إذا كان حزبها الأول نفسه لم يمنحها الثقة على مستوى تركيبتها إلا على مضض؟.

إن المواطن ينتظر من السياسي الجواب بجرأة على هذه الأسئلة السياسية الحارقة المطروحة اليوم، لأنه صعب على الإنسان أن يعيش في وطن فقد السياسي فيه البوصلة.
إن ما وصلت إليه الأحزاب السياسية وما تعيشه الحكومة من تمزق وتدبدب، يجعلنا نتسائل، هل هناك قلب أصلا يمكن أن يصاب بالسكتة أو بالموت، أنا شخصيا لا أعتقد بوجوده، ربما لأن الموت سبق القلب، أو كما قال الراحل غسان كنفاني “قد لايكون الموت بتوقف النبض فقط، فالإنتظار موت، والملل موت واليأس موت، وظلمة المستقبل المجهول موت”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *