منتدى العمق

رواية ملنخوليا: لسان مجتمع يخشى الكلام

لطالما اعتبرت الكتابة الروائية بمثابة تلك الشعلة التي تنير درب المجتمع من خلال ما تقدمه من قضايا قريبة من الواقع المعيش، وخصوصا إذا كان الكاتب ابن ذلك المجتمع الذي يصوره من خلال عمله الروائي.

و بالعودة إلى تصفح الأعمال الروائية المغربية الصادرة مؤخرا، يصادفنا عنوان رواية ملنخوليا للكاتب المغربي الشاب مراد الضفري الصادرة سنة 2018، و هي عبارة عن جزء ثاني أو تتمة لروايته “الوطن ليس هنا”.

عموما لم يتخل مراد الضفري عن تلك الجرأة التي قلما نجدها لدى الروائيين في أيامنا هاته، و الذين أضحى كل همهم و شغلهم الشاغل هو صناعة اسم لهم داخل عالم الأدب الذي أنتج لنا أسماء كثيرة و كبيرة جدا، كمحمد شكري و إدريس سهيل و مبارك ربيع، و لكن يبقى أبرز روائي مر على الساحة العربية هو نجيب محفوظ و ما أدراك ما نجيب محفوظ.

إن أول مايثير الانتباه في روايتنا هنا هو عنوانها، و للتوضيح فقط، فالملنخوليا هي عبارة عن نوع من الأمراض العقلية التي تصيب الانسان، و من تجلياته اضطراب الوجدان و تغلب الغم و الحزن على نفسية المرء و الميل إلى التشاؤم. لننتقل بعد ذلك إلى أحداث الرواية و التي لم تبتعد كثيرا عن تتمة الجزء الأول و جاءت هي الأخرى مصورة لأحوال المجتمع المغربي الذي يعيش في ذل و يعاني من التهميش و الحرمان حتى من أبسط الحقوق.

وقد تجسدت هذه الأحداث من خلال بطلنا طارق ولد الخيل الذي مازال يعاني من وحدته في صمت بل و مازال يبحث عن وطن يضمه إليه و ما يشعره بأنه إنسان، و يمكن الاستدلال على ذلك كما جاء على لسان سعيد في إحدى صفحات الرواية “لم يعد لي مكان في هذا الوطن … نحن جميعا لا مكان لنا في هذا الوطن …. الرحيل هو الحل أنا اختنقت هنا …. هذه البلاد طغى فيها الاستبداد و غذت لا تحترم إنسانيتنا.

كما عرجت الرواية على مجموعة من الأحداث الاجتماعية و السياسية التي عرفها المغرب مؤخرا، كمظاهرات حركة 20 فبراير و كل تلك المطالب الشعبية للمغاربة الراغبين في التحرر من هذا النوع من العبودية التي أضحوا يعيشونها كل يوم.

و قد جسدت الرواية لذلك من خلال إنشاء بعض أصدقاء طارق لحركة أسموها “نحن نستحق”، و التي كانت أهدافها و مطالبها تتمثل في حل الأحزاب السياسية و إنشاء أحزاب تؤمن بالمبادئ و القيم الإنسانية السامية و التي ستخدم مصالح هذا الوطن عوض أن تنهب خيراته.

كما لا يمكن أن نغفل عن موضوع الحب في أحداث هذه الرواية، التي لم تسعف هي الأخرى بطلنا في العثور ضالته، حيث بقي تعيسا و فاشلا في هذا الأمر على غرار أحداث رواية “الوطن ليس هنا”.

و في النهاية فرواية ملنخوليا تستحق الوصف الذي قاله فيها كاتبها بأنها: رواية سياسية-رومانسية تطرح بواسطة سرد شاعري وفلسفي الصراع الوجودي لدى الشباب العربي مع قضايا الوطن، الهوية، الانتماءات السياسية وقصص الحب التي سرعان ما تفشل أمام تأزم الشخصية وتراكم تناقضاتها.

*طالب جامعي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *