مجتمع، منوعات

“جمهورية درعة” تجر ناشطا للسجن .. وعائلته تصف الحكم بـ”الجائر”

جرَّت تدوينة لناشط فيسبوكي تدعو لتنظيم استفتاء بجهة درعة تافيلالت من أجل الاستقلال ضمن جمهورية، صاحبها إلى السجن لمدة سنة وغرامة مالية، فيما وصفت عائلته الحكم بـ”الجائر”، معتبرة أن صاحب التدوينة كان يعاني من أزمة نفسية بسبب اعتقاله في دولة الإمارات.

وقضت المحكمة الابتدائية بالرشيدية بإدانة الناشط عبد الحي النجاري، بسنة حبسا نافذا وغرامة مالية نافذة تقدر بمليوني سنتيم، وذلك بتهمة “التحريض ضد الوحدة الترابية للمملكة بواسطة الوسائل الإلكترونية”، فيما أوضح المتهم أنه لم تكن له أي نية للانفصال.

“جمهورية درعة”

وحسب منطوق الحكم الذي توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، فإن النجاري الذي كان يعمل حارس أمن خاص بدولة الإمارات، نشر على صفحته بموقع فيسبوك بتاريخ 30 يوليوز 2017، تدوينة دعا من خلالها أصدقاءه إلى التوقيع على عريضة إلكترونية دولية بموقع “أفاز” العالمي للعرائض، موجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة للمطالبة باستفتاء تقرير المصير بجهة درعة تافيلالت.

الناشط المذكور الذي عنون تدوينته بالقول: “جمهورية درعة تافيلالت”، برر دعوته لتقرير المصير بكون جهة درعة “أفقر جهة بالمغرب” وسكانها يعانون “الفقر والتهميش”، حيث ينص الاستفتاء على الاختيار بين “البقاء تحت حكم الرباط أو الاستقلال السياسي والاقتصادي لجمهورية درعة تافيلالت”، بينما أرفق التدوينة بخريطة وعلم الجمهورية المزعومة، مع رابط العريضة على الموقع المذكور.

المحكمة أوضحت أن النجاري اعترف بنشر التدوينة “بغية إيصالها لأكبر عدد من المغاربة لجمع توقيعات الأشخاص المساندين للفكرة، وذلك بهدف توجيهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، بعدما بلغ إلى علمه أن العرائض التي تحصل على عدد كبير من التوقيعات يتم فعلا توجيهها إلى الأمين المذكور من طرف مسير موقع أفاز”.

غير أن الناشط كشف للشرطة القضائية بعد اعتقاله، أن ما قام به كان تحت تأثير الغربة والطرد من العمل الذي تعرض له في الإمارات، مضيفا أنه كان يعاني مرضا نفسيا ولا يعاني أي خلل عقلي، حيث التمس دفاعه تبرئته، واحتياطيا تمتيعه بظروف التخفيف، بينما دعت النيابة العامة إلى إدانته طبقا للفقرة الثانية من الفصل 5-267 من القانون الجنائي.

المحكمة أوضحت أنها أصدرت حكمها بعد “تمتيع المتهم بظروف التخفيف نظرا لظروفه الاجتماعية ولكون الجزاء المقرر لهذه الجريمة قاس بالنظر لخطورة الفعل ودرجة إجرام المتهم”.

هدف التدوينة

بالمقابل، اعتبر لقمان النجاري، شقيق الناشط عبد الحي النجاري، أن الحكم الذي أصدرته المحكمة الابتدائية بالرشيدية في حق شقيقه، “جائرة وظالم”، مشيرا إلى أن أخاه كان يعاني من “الحكرة” والظلم في دولة الإمارات بعد توقيفه عن العمل وتجميد راتبه ثم اعتقاله بعد ذلك، دون تدخل السلطات المغربية لمساندته.

وأوضح لقمان في تصريح لجريدة “العمق”، أن شقيقه نشر تلك التدوينة من أجل لفت أنظار الدولة إلى معاناته بالإمارات، في ظل التجاهل التام لملفه، مشددا على أنه لم يكتب تلك التدوينة اقتناها، بل كتبها من أجل توجيه رسالة إلى الدولة للتدخل لحل مشكلته بالإمارات، خاصة وأنه كان محروما من رؤية أهله لعامين، ولم يحضر جنازة والدته.

وتابع قوله: “مسألة عبد الحي تبقى كلها افتراضية لأن الملف بُني على تدوينة فيسبوكية، وأنا أعرف نشطاء كانوا معنا بالحي الجامعي يعلنون علانية أنهم مع الانفصال، ولا أحد اعتقلهم، كما أن الناشطة الصحراوية أمينتو حيدر تجول المغرب دون أن تُعتقل رغم دعمها لجبهة البوليساريو”، معتبرا أن اعتقال شقيقه هي رسالة مفادها “خليونا نربيواه”، وفق تعبيره.

وأشار المتحدث إلى أن الأسرة قررت استئناف الحكم رغم رفض النيابة العامة تقديم الاستئناف في الملف، لافتا إلى أن الناشط المذكور سيقضي مدة العقوبة في زنزانة انفرادية، على اعتبرا أن “إدارة السجن تتجنب وضع المعتقلين السياسيين مع باقي السجناء، مخافة نشر أفكارهم وتحريض السجناء على ملفات وقضايا سياسية”، على حد قوله.

وجرى اعتقال الناشط عبد الحي النجاري بمطار محمد الخامس بالدار البيضاء، يوم 23 مارس المنصرم، مباشرة بعد نزوله من الطائرة قادما من الإمارات، حيث تم اقتياده إلى مسقط رأسه عبر سيارة الشرطة  مقيد اليدين من أجل التحقيق معه ومحاكمته بسبب التدوينة المذكورة، حسب ما كشفته زوجته.

“تنكر له الجميع”

لالة حسناء المدني، زوجة عبد الحي النجاري، اعتبرت أن زوجها تعرض “للظلم والخذلان”، مشيرة إلى أنها راسلت مجموعة من الإدارات والمؤسسات، “وأنه طلب محام على غرار سعد المجرد فقط لمحاكمة عادلة، لكن لا مجيب”، مضيفة أن والدته التي توفيت قبل أسابيع بسبب مرض سرطان الثدي، “كانت قد وجهت نداءً عبر شريط فيديو تطلب إنصاف ابنها وإرجاعه من الإمارات إلى حضنها ولا أحد سمع لها”.

وأشارت المتحدتة في تصريح لجريدة “العمق”، أن “تجاهل مطلب والدته قبل وفاتها، جعل الغضب في نفسه يرتفع ويدعو لجمهورية درعة تافيلالت، عسى أن يسمع نداء والدته مسؤول ما، ولو حتى على حساب حياته”، موضحة أنه “طالب بالجمهورية في لحظة غضب وفي لحظة لا أحد قدم له المساعدة وتنكر له الكل”.

وتسائلت بالقول: “كيف يعقل أن السلطات تحركت بسرعة لما أثار زوجي ملف جمهورية درعة تافلالت، ولم تتحرك إطلاقا فيما مضى من معاناته بالإمارات رغم المراسلات والفيديوهات وكل الشعارات التي أقيمت؟ أليس هذا تناقض؟ أليس هذا يعني اللامبالاة في تعامل الدولة مع مواطنيها؟”، وفق تعبيرها.

“معاناة” الإمارات

وكانت السلطات الإماراتية قد قامت منذ مطلع شهر يناير الماضي، بإيداع عبد الحي النجاري مصحة نفسية، وذلك بسبب نشر الأخير مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يشكو من خلالها حالته المزرية التي يعيشها بدولة الإمارات منذ أن التحق للعمل فيها منذ 2016 كحارس أمن، بعدما تخلى عن مهنته كأستاذ للتعليم الابتدائي بإحدى القرى النائبة بالمغرب.

واتهمت أسرة عبد الحي السلطات الإماراتية بمعاملته في المصحة النفسية بـ”طريقة لاإنسانية ماسة بكرامة الإنسان، حيث يجبر جبرا على تناول الأدوية التي يكون لها انعكاسا على صحته”، موضحة أن سبب احتجاج عبد الحي النجاري على أوضاعه بالإمارات يعود إلى خلف مشغّله لكل وعوده التي أعطاها له قبل التحاقه، وخاصة فيما يتعلق بالأجر وساعات العمل.

وأوضح شقيقه لقمان، أن عبد الحي توجه لدولة الإمارات بواسطة عقد عمل تم توقيعه في المغرب ويتضمن العمل لمدة 8 ساعات يوميا بالإضافة إلى أجر محدد وسكن لائق، غير أن الضحية تفاجأ عند وصوله للإمارات بأنه ملزم بالعمل لـ 12 ساعة دون انقطاع، وتعويض شهري أقل مما وقع عليه بالمغرب.

كما تفاجأ النجاري، وفق شقيقه، بتوطينه في مسكن يُمسى (icad) وهو عبارة عن مجمع سكني يقطن فيه العمال، حيث ينام في الغرفة الواحدة 10 أشخاص، ومما يزيد الأمر سوءً هو وجود الحشرات والصراصير والبق والروائح العفنة والطعام الفاسد بالمسكن، بالإضافة إلى عدة مشاكل أخرى في العمل، الذي هو عبارة عن حارس أمن.

وأبرز المصدر ذاته، أنه بعد التحايل الذي تعرض له شقيقه، قام بتسجيل فيديو عن الظلم الذي يتعرض له حراس الأمن الخاص في الإمارات، فقام الكفيل بدولة الامارات وهو شركة “سبارك للخدمات الأمنية” بتوقيفه عن العمل بتهمة التشهير وتوقيف راتبه كليا منذ 17 شهرا ولم يتركوا له حتى ما يأكله، وفق تعبيره.

وأوضح المصدر ذاته أن عبد الحي ظل يعيش فقط على مساعدات بعض المحسنين والديون التي اقترضها من عندهم، مشيرا إلى أن شقيقه عليه ديون تفوق 18 مليون سنتيم، مضيفا أن الضحية قام برفع دعوى قضائية ضد الشركة بالإمارات، غير أن الشركة رفضت الحضور للمحكمة، مما جعل ملفه يتأجل كل حين.

وأكد أن “جواز سفره كان محجوز لدى لدى الشرطة وبالتالي كان ممنوع قانونيا من السفر، والشركة رفضت ضمانه لاستخراج الجواز لتجديد بطاقة هويته، مع منعه كليا من مزاولة عمل آخر يسترزق به كي لا يسرق ما يأكل”، مضيفا أن والدته وجهت قبل وفاتها نداء إلى رئيس دولة الإمارات غير أن نداءها لم يتفاعل معه أحد، قبل أن تقرر السلطات الإماراتية السماح له بالعودة إلى وطنه الشهر الماضي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *