وجهة نظر

إنذار: الشباب المغربي يرفض ويبتعد عن الدين

من خلال عملي مع المراهقين والشباب (بين سن 16 و24) لاحظت أنهم يتجاهلون الدّين، ومنهم من لا يؤمن حتى بوجود الله.
هذه الملاحظة نعيشها حتى في الشارع، حيث نلاحظ سلوكهم اللاأخلاقي وتعاطيهم للمخدرات، و التحرش الجنسي، وممارسة الجنس بجميع أنواعه، وعدم احترام الآخر، والسب بكلمات مسيئة وسط الجمهور، وزياراتهم للملاهي والحانات…إلخ

فأين الدّين من كل هذا الواقع الصارخ؟ وكيف وصل الشباب إلى هذه القناعات؟ ثم إذا ما تركنا الأمور على ما هي عليه الآن، ماذا سيكون مصير المجتمع المغربي في المستقبل القريب؟ وهل الشباب المغربي شرع في الانفصال عن الدّين وطلب الطلاق منه؟

نحن على علم بالأسباب الرئيسية التي جعلت المجتمع الأوروبي ينفصل عن الكنيسة وعن الدّين، وهذه الأسباب تتلخص في معاملة الكنيسة مع أتباعها واحتكارها للدّين.

ولكل ذلك، يجب علينا الإسراع في التصدي لهذا الشبح الخطير ونخرج من غفلتنا عما يسيء لمجتمعنا ونقول أننا لسنا في مأمن من هذه الظواهر الشاذة التي تُعبر على عدم ثقة الشباب في الدّين والنفور منه.

إن الحل السريع الذي يتبادر إلى الذهن يقول “يجب الرجوع إلى الدّين”، ولكن هذا الحل يصطدم بالسؤال التالي: كيف لإنسان أن يرجع إلى شيء تركه عمدا؟

فما هي الأسباب التي تساهم في النفور المتزايد من الدّين لدى الشباب والتي تؤدي بهم إلى الإلحاد؟

1- تقديم الدّين على أنه مجموعة من الطقوس الواجب ممارستها بهدف الدخول إلى الجنة.
للشاب حاسة منطق وإنصاف مرتفعة جدا، ويرتكز في تحليله للواقع على التجارب العلمية والمنطقية. كما هو بحاجة أن يعيش اللحظة ولا حاجة له بما سيقع بعد بلوغه سن ال70 ولا بما سيقع في عالم الغيب.

2- أجوبة رجال الدين غير مقنعة
الشاب يلتجئ للدّين بغرض البحث عن كل ما يغير حياته ويحول قواه النفسانية والروحانية. ويطرح عدة أسئلة عملية ومنطقية ووجدانية ولكن كل الأجوبة التي يتلقاها لا تقنعه أبداً.

3- غياب الفكر النقدي في الدين
الشاب يعتمد أساسا على النقد وإعمال الفكر في البحث عن الحقيقة، كما يعلم أن لكل فرد حقيقته، ومع الأسف يجد الشاب كل أبواب البحث مغلقة، وهذا أمر مضاد مع العلم والفلسفة.

4- غياب الحوار التشاوري والترحيب باختلاف الفكر
كلما سعى الشاب للتشاور يواجه ردا عنيفا مثل “هذا هو الشرك بالله” و”مثوى المشرك جهنم” لا يقبل بتداول الأفكار وتبيان حقيقة الأمور بطرق حداثية.

5- التناقض في خطاب رجال الدّين
مثلا يسمع الشاب بأن الدّين أتى رحمة للعالمين، وفي نفس الوقت يسمع خطاب الكراهية: “الكفار وسخط الإله عليهم”.

6- اعتبار الشاب شخصا ضعيفا وطائشا ولا عقل له
حين يريد الشاب الحديث مع رجال الدّين، يرى في كل محاولة، أنه لا اعتبار لرأيه، وغالبا ما يواجه بالاستهزاء والإستسخاف.

7- اعتبار أن إدراك الدّين يتَأتّى مع التقدم في السن “مفهوم الشيخ، الفقيه”
يعتبر الشيخ أنه أعلم دينا من الشاب، ويقصي هذا الأخير في انتظار أن يصبح مسنا و “يْديرْ عْقْلو”.

8- الأحكام المسبقة ولباس المُتدَيِّن.
يتوصل الشاب إلى أن الشخص المُتدين هو الذي يرتدي جلبابا وله لحية. ويلاحظ كيف ينظر إليه الشيخ باحتقار لأنه يرتدي “سروال دْجينْ مْقْطعْ وْ مْحْسّْنْ راسو حسب الموضة ويرتدي أكْسيسْواراتْ بِعنقه وفكيه..” وكأن درجة الإيمان والتَّدين تقاس فقط بشكل اللباس. بينما يؤمن الشاب أن الدّين مكانه الصدور ويُترجم بالسلوك والأخلاق الطيبة.

9- التناقض بين الدّين والعلم
نرى هذا التناقض في عدة أشياء وربما من أبرزها المساواة بين الجنسين. فالعِلم لا يعتبر أن المرأة أقل مرتبة من الذكر رغم الاختلاف البيولوجي والفيزيولوجي.

لا يجد الشاب أو المراهق مكانته في المجتمع الدّيني لأنه في نظر هذا المجتمع لا يزال رضيعا، ويجب أن ينتظر سنا متقدمة كي نترك له المجال للتعبير ونأخذ آرائه وتساؤلاته في الدّين بجدية. إننا لا نقيم لآرائه ولا لأفكاره وزنا، ونعتبره بعيدا كل البعد عن الدّين انطلاقا من اختلاف طريقته في اللباس أو أشكال تعبيره بحيث لا يشعر بالمسؤولية ولا بالثقة في كفاءاته. وهكذا يترك الشاب الدّين للشيوخ، ويذهب باحثا عمن يعترف به وعمن يحترمه.

يجب ترك الشباب في حرية تامة في دينهم دون التقيد الذي يجعل الدّين حكرا على فئة من الفقهاء بدون السماح بأي قراءة حداثية له.
الدكتور جواد مبروكي، خبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *