منتدى العمق

الزرقا شغلا لي بالي .. طنجاوي وراسي عالي

كما كان منتظرا تمكن فريق الاتحاد الرياضي لطنجة ( فرع كرة القدم ) من تحقيق حلم الظفر بالبطولة الوطنية ، لأول مرة منذ تأسيسه سنة 1983 ، و أضحى بهذا الإنجاز التاريخي المفصلي من أحد النوادي المغربية القليلة التي حظيت بهذا التشريف الرياضي الرفيع ، مما يعني من جملة ما يعني أن فارس البوغاز محا ، و إلى الأبد ، تلك الصورة غير المريحة المتمثلة في فراغ خزانته من أي لقب نوعي ، كما يعني أيضا أنه يستشعر أهمية المرحلة و الدور المنوط به منذ الآن ، في بلورة النتائج المشرقة على أرض الواقع ، لتمثيل مدينة طنجة ، و ما ترمز إليه من ثقل حضاري و تنموي مخصوص ، و الدفاع عن صورة المغرب في المنافسات الإقليمية و الدولية . و قد تجسد هذا الحلم الذي طال انتظاره بعد أن انتصر الفريق ” الأزرق ” نتيجة و أداء على غريمه التاريخي المُغرب التطواني ( 2/ 1 ) في موقعة كروية لا يمكن أن نرى مثلها خارج ملعب ابن بطوطة الدولي ، و أمام أكثر من 45 ألفا أثثوا كعادتهم مدرجات الملعب بتشجيع و أغاني و أهازيج حماسية قل نظيرها ، منذ انطلاق المقابلة حتى الدقيقة الثالثة و التسعين . لكن كيف استطاع ممثل منطقة الشمال أن يتربع على عرش البطولة ؟

منذ أن صعد فارس البوغاز إلى قسم الأضواء ( ثلاث سنوات ) و هو يحمل مشروع التميز ، و أجرأة الانعطافة الرياضية الكبرى ، حيث لعبت أطراف عديدة تسلحت باستراتيجية محكمة و هادئة ، تغيت العمل الجماعي في اجتهاد لم يعرف الكلل أو التهاون ، و استحضرت قيم التضامن و الثقة و الإيمان بالنجاح و لا شيء غير النجاح . في مقدمة المكونات التي بصمت على هذا المعطى الكروي غير المسبوق ، أعضاء المكتب المسير و على رأسهم السيد عبد الحميد أبرشان ، الذين بذلوا كل ما في وسعهم لخلق مناخ صحي بعيدا عن الاضطرابات ، التي ميزت مجموعة من النوادي المغربية العريقة ، كما أن الاتحاد لم يشهد تغييرات مزاجية للأطر التقنية ، بل إنه اقتصر هذه السنة على انتداب المدرب الوطني الكفء السيد بادو الزاكي ، و منحه الفرصة الكاملة ، رغم النتائج غير الحميدة التي جناها في الثلث الأول من عمر البطولة ، بعد ذلك تم إسناد الإدارة التقنية لابن الدار اللاعب المحلي السابق السيد إدريس المرابط الخلوق ، الذي زرع الروح في أوصال اللاعبين بهدوئه و حنكته التقنية ، فانقلب الفشل إلى نجاح أسطوري مدهش .

كما أن اللاعبين لم يتوانوا في خدمة مصلحة النادي ، و قدموا تضحيات خرافية يشكرون عليها ، خاصة و أنهم واجهوا أقوى الفرق المغربية المتمرسة على حصد مختلف الألقاب ، فكلهم دون استثناء كانوا متيقنين من إهداء درع البطولة لسكان طنجة التواقين إلى هكذا إنجاز ، لكن بصمت و بعيدا عن الأضواء و لا يجب أن ننسى فاعلا في غاية من الأهمية يتمثل تحديدا في الإعلام المحلي ، و الصحافة الإلكترونية على وجه الخصوص ، لقد ساهمت الصحافة المحلية بقسط وافر في هذا العرس الطنجوي البديع ، عبر المتابعة النقدية البناءة ، تارة تنتقد مظاهر الضعف و الخلل و تُنبه إلى مكامن الخطأ ، وتارة أخرى تنوه بالعطاء الإيجابي ، كل ذلك في مناخ من الممارسة الإعلامية الجادة التي لا تشغلها سوى المصلحة العليا لمدينة تسكن كيانهم . و أخيرا و ليس آخرا يأتي دور الجماهير الهادرة التي لها الفضل الأول في تبوء هذه المكانة المرموقة و الجديرة بالتقدير ، فما هي الجماهير الكروية المغربية التي ظلت وفية لناديها في السراء و الضراء ، و بأعداد خيالية رغم لحظات الألم و اليأس مثل جماهير طنجة ؟ و ما هي الجماهير المغربية التي رافقت لاعبيها أينما حلوا و ارتحلوا بالمساندة و التشجيع الحضاريين مثل جماهير طنجة ؟ أين هي الجماهير الوطنية التي اجتاحت الرباط البيضاء و تطوان .. بطوفان بشري هائل دون أن يسجل عليها سلوك يتنافى و القيم النبيلة للرياضة ، كممارسة تسعى إلى غرس أخلاقيات المحبة و التسامح ؟ أين هي الجماهير المغربية التي رفعت ” تيفو ” عملاقا خارج القواعد ، في قلب ملعب محمد الخامس أمام الخصم الكبير و المحترم الوداد البيضاوي ؟

و بناء على ما سبق يمكن القول بأن فريق الاتحاد الرياضي لطنجة حقق الأهم ، في مسيرة تاريخه الكروية : الظفر بدرع البطولة و تأثيث خزانته بهذا اللقب السامي ، و بهذا يكون قد خرج من ” الجهاد الأصغر ” لينتقل إلى مرحلة أخرى أكثر أهمية ، قد نسميها مع بعض التجاوز ” جهادا أكبر ” ، و تتجلى هذه المرحلة في الحفاظ على التميز و الحضور الوطني و الدولي ، لتمثيل المملكة المغربية أحسن تمثيل و ما ذلك على الله بعزيز .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *