وجهة نظر

#لا_تدعونهم_يغتصبوننا!

سنة 2011، اتهمت خادمة غُرف فنادق “نافيساتو ديالو” مدير صندوق النقد الدولي “دومينيك شتراوس كان” بالاغتصاب. شرطة نيويورك هرولت خلف المدير و المرشح لرئاسة فرنسا عن الحزب الاشتراكي، و سحبته دليلا مكبل اليدين من المطار.

دُول الحضارة تنصر المظلوم كيفما كان وضعه، بينما تضع دول التخلف سُنن استغلال الفقراء بتمرير قانون خادمات المنازل الأقل من 16 سنة، و تتحدث ذات الدولة عن تُهم الاتجار بالبشر. سبحان من خلقكم!
صحيفة الإندبندنت خرجت يومها مازحة بعنوان” شتراوس كان اعتقد الخادمة دولة فقيرة في حاجة لمساعدة مالية”، في تلميح أن الصندوق لا ينقد بل يغتصب! شتراوس كان دفع تعويضا للخادمة بقدر 6 ملايين دولار و خسر كل شيء، لأنه اختار الدولة الخطأ لممارسة شذوذه. لو ارتكب فعلته في بلد “الحق و القانون” ما كانت القضية لتظهر، و لكانت صفعة واحدة و بعضا من السباب كفيلون بإنهاء القضية.

في تقرير لقناة “دي دبيلو” الألمانية، ظهرت أمثلة لدول نجت من الاغتصاب، مقابل دول فقدت بكرتها و شرفها الاقتصادي. تقرير ظهر مع تألم الأردن من تطبيق إصلاحات الصندوق، و استمرار حكومتنا العزيزة في تلقي القروض ب”لا ما تشاور حد”، رغم أن من سيدفع هم أبناء الشعب و ليس أبنائهم مزدوجي الجنسية.

في غانا، أصر الصندوق، مقابل “الإنقاذ”، على فرض رسوم على الالتحاق بالمدارس. النتيجة كانت انخفاض عدد التلاميذ بمقدار الثلثين.

مقترح فرض الرسوم على مدارس الشعب كان بالونا رمته الحكومة المغربية في سماء الإعلام لجس نبض العامة بتوصية من مجلس عزيمان المكلف بإعداد رؤية إستراتيجية لإصلاح للتعليم. الشعب أظهر العين الحمراء في وجه المُقترح، لتستمر الدولة في مخطط قتل التعليم العمومي بقلة الأنفس و الموارد، كي يتجه المواطن صاغرا صوب مدارس خاصة تفرخ بسرعة أكبر من سرعة توالد الأرانب.

“زامبيا” قبلت شروط الصندوق فخفضت من الإنفاق على قطاع الصحة، لتتضاعف وفيات الأطفال بالدولة الإفريقية الفقيرة. “كينيا” فرضت رسوما على زيارة الطبيب فانخفضت نسبة زيارة المصابات بالأمراض الجنسية بنسبة65%.

ما يثير الفضول و العجب أن المغرب لا يُصرح بتنفيذ توصيات الصندوق، بل يضطر المواطنين للجوء للقطاع الخاص بعد أن يصطدموا بواقع القطاع العام المزري.

في بلد يعاني فيه واحد من ثلاث من أمراض نفسية، و يقبع فيه 3 ملايين نسمة في بيوت بدون مراحيض، أدوية التخدير غائبة على مدار الساعة عن رفوف المستشفيات، “السكانير” مُعطل منذ نيل الاستقلال، و دخولك على الطبيب يساوي الدخول لمكتب “كوميسير” في عهد البصري، من النظرة الدونية لمن أدى قسم أبو قراط حفاظا على كرامة المريض و حفظا لصحته، مهما كان وضعه أو مظهره و رقم حسابه المصرفي.

البديل يكون التوجه صوب مصحة يشتغل بها الدكتور الذي يكشف على المساكين ب”الجميل”. كثير من دكاترة القطاع العام يدخرون جهودهم للساعات الإضافية و المصحات الخاصة، و ربح أنت بداك رميد!
في مقابل دول ركعت للصندوق، توجد دول أصرت على اختيار الطريق الصعب. لم تستدن لتنقذ المسئول من جريمة سوء التدبير و الإسراف، بل اعتمدت على نفسها لتخرج أقوى مما كانت عليه.
ماليزيا سنة 1997، و عقب أزمة طاحنة هوت باقتصاديات جنوب شرق آسيا، رفضت توصيات الصندوق و أقرت قيودا على حركة العملة، منعت تداولها خارج البلاد و حظرت تحويل العملات الصعبة خارج البلد الصغير.

ماهاتير محمد أصر على خفض الفائدة عكس نصائح المغُتصب، فأمكن للمقاولين الاقتراض بفوائد ضعيفة ما حفز الإنتاج و حول ماليزيا من انكماش بنسبة 7.5% إلى نمو بنسبة 5.4 %. ماليزيا اليوم هي رابع أقوى اقتصاد في جنوب شرق آسيا، و ال35 على مستوى العالم.

برازيل الثمانينات كانت غارقة لأذنيها في ديون صندوق النقد. و بينما اختار المغرب الانصياع للصندوق في ذات الفترة بتبني مخطط التقويم الهيكلي و بيع أهم أعمدة القطاع الخاص على عهد وزير المالية ” عبد اللطيف الجواهري (رئيس بنك المغرب الحالي)، أخذت الأمور في البرازيل منحا دراماتيكيا قبل أن تهدأ الأمور.

بتقليص للقطاع العام و تسريح لملايين الموظفين، أصبح 1% من سكان البرازيل يستحوذون على 50% من الدخل، و 20% من المواطنون يملكون 80% من الثروة. حالة تشبه نموذج تنموي أعرج بشهادة أعلى سلطة في البلاد، يغني الغني و يفقر الفقير. يُفاقم الهوة بين القاع و السقف، بطبقة وسطى تتآكل مقابل توسع الفئات المستقبلة للقُفف الصفراء و مساعدات شهر التوبة و الغفران.

خلال نفس الفترة التي اشتكى منها المغرب من أزمة قلبية جراء مقالب صندوق النقد الدولي، انتخب البرازيليون عامل مصنع مبتور الأُصبع، و ماسح أحذية سابق “لولا داس يلفا”.

“لولا” لم يهرول و يوقع اتفاق تجارة حرة مع أمريكا موسعا ثُقب العجز مقابل ألقاب لا تغني و لا تسمن من جوع “شريك استراتيجي لحلف الناتو” و “أول بلد إفريقيا يفتح أسواقه للفيل الأمريكي”.

“لولا” دعم قطاعات الصناعة و الزراعة في المنتجات الأساسية: حبوب و صناعة ثقيلة و ليس كيوي و “كابلاج السيارات”. لولا بحث لشركات وطنه عن أسواق قبل أن تبدأ التصنيع، و كانت الحكومة أكبر الزُّبناء، و لم يصرف مليارات تنمية بشرية في تدشين الصنابير أو اقتناء معزتين و تشييد الطابق الثاني!

سنة 2005 سددت البرازيل 15.5 مليار دولار من قروض صندوق النقد قبل سنتين من استحقاقها موفرة 900 مليون دولار من الفوائد. ارتفع الناتج الإجمالي من 1.1% إلى 6.7%. زيادة الأسعار انخفضت من 14.7 % إلى 3.6%، أما معدلات البطالة فاستقرت في حدود 10.9%.

نسبة بطالة تختلف عن المعدلات المصرح بها في المغرب، حيث اعتمدت المندوبية السامية للتخطيط مؤشر العمل ساعتين في الأسبوع لتعتبرك من الفئة غير العاطلة. يعني أنك بمساعدة أمك في إعداد مائدة الإفطار تخرج من دائرة البطالة! ( مؤشر مُعتمد في الإحصاء العام للسكن و السكنى سنة 2014).

قد يتساءل البعض عن الطريقة التي تُدمر بها شروط صندوق النقد اقتصاديات الدول؟ الجواب ببساطة أن الصندوق لا يدعم سوى الدول الفاشلة. دول تنعدم فيها سيادة القانون، فيكون تحرير الاقتصاد مرادفا لاحتكاره من قلة داخلية مُتجبرة تأكل الغلة و لا تدع سوى الفُتات، ومن شركات أجنبية تملك المعرفة و ترسل عائداتها نحنو بلدها الأم تاركة صناديق الدولة تُصفر!
لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ ۗ .

*أيوب رضواني، باحث في الجغرافية السياسية و كاتب رأي مغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *