مجتمع، منوعات

تعرف على “بارتشي”.. لعبة ولدت في الهند واستوطنت شمال المغرب

يجتمع العشرات على مقربة من القصر الملكي بتطوان في مجموعة مقاهي شعبية تعرف لدى الساكنة باسم “مقهى الطائرة”، التي لا تقدم سوى الشاي والقهوة السوداء في كأس كبير الحجم، يعتكفون مثنى أو رباعا على طاولات صغيرة وضعت عليها رقع ذات أربعة ألوان تعتبر ميدان اللعب في لعبة “بارتشي”.

تستمر الجلسة في لعبة واحدة في بعض الأحيان زهاء الساعتين أو يزيد كلها تركيز وحسابات وضربات حظ، تتعالى خلالها صيحات الفرح تارة والغضب أخرى تفاعلا مع مجريات اللعبة.

أصول هندية

يحكى أن لعبة “البارتشي” أو “البارتشيس”  أو “البارشي” ظهرت لأول مرة في قصر الإمبراطور المغولي جلال الدين الأكبر في القرن الخامس عشر في الهند، وقيل أن كان يتربع على عرشه متوسطا رقعة اللعب التي تتشكل منها حديقة القصر، وكان التنافس يجري بين الفتيات والجواري اللواتي يتحركن داخل الرقعة على غرار حركة الأقراص في اللعبة الحالية.

وتعتبر لعبة “البارتشي” اليوم لعبة شعبية في إسبانيا وشمال المغرب، وتلعب بنرد ذو ستة أوجه، وأربعة أقراص لكل لاعب، يتنافس خلالها لاعبين أو أربعة لاعبين كما يمكن أن يلعب كل لاعبين متقابلين في فريق واحد، وفي بعض الألواح الحديثة يصل عدد المتنافسين إلى 6 أو ثمانية غير أنها قليلة الاستعمال.

سباق وعرقلة

يتنافس لاعبو “البارتشي” على إيصال الأقراص الأربعة إلى الخانة النهائية في دورة كاملة حول الرقعة انطلاقا من خانة البداية التي تسمى “الدار”، ويحاول كل لاعب عرقلة مسار منافسين عبر “الالتهام” بإرجاع أحد الأقراص إلى نقطة البداية، أو صناعة “السدود” لمنع مرور من يأتي خلفه، عبر وضع قرصين اثنين من نفس اللون في خانة واحدة، أو قرصين من لونين مختلفين في إحدى الخانات، علما أن الخانات المؤمنة التي تحميك من “القتل” هي الخانات الملونة تتوسطها دائرة بيضاء.

أربعة ألوان

تلعب البارتشي على رقعة خاصة ومعروفة يختلف شكلها نسبيا من مكان إلى آخر، ويستعمل فيها نرد واحد لجميع اللاعبين يرمى من داخل أسطوانة يسميها أهل شمال المغرب بـ”البرميل”، ويحتوى أرقاما من 1 إلى 6.

وتلعب بأقراص من أربعة ألوان وهي الأخضر والأصفر والأحمر والأزرق، وفي حالة تنافس أربعة لاعبين يلعب كل واحد منهم بلون واحد، أما في حال تنافس لاعبين فقط فتختلف من مكان إلى آخر، حيث يمكن أن يلعب كل واحد منهما بلونين ويجمع الأخضر بالأزرق، والأصفر بالأحمر، كما يمكن اللعب بلون واحد لكل لاعب واستخدام اللونين الآخرين “حراسا” رهن إشارة المتنافسين.

القوانين تختلف

كغيرها من الألعاب الشعبية تعرف لعبة “البارتشي” اختلافات جزئية في القوانين المؤطرة لها بين منطقة وأخرى، حيث في الوقت الذي ينتظر أهل تطوان الحصول على الرقم 5 في رمية النرد لإخراج أول قرص من الديار قصد انطلاق مشوار البحث عن الوصول إلى النهاية، يبدأ أهل طنجة اللعب بقرص خارج الديار، فيما يخرج أهل مناطق أخرى عبر العالم قرصين اثنين عند الحصول على 5 لأول مرة.

ويستطيع اللاعب أن يحرك القرص الذي أراده بعدد خانات متطابق مع العدد الذي حصله عليه بعد رمي النرد على الرقعة، وتعاد الرمية إذا خرج النرد من الرقعة بحيث لا تحتسب الرمية الأولى، أما الحصول على الرقم 6 فيمكن اللاعب من إعادة اللعب في حدود 3 مرات، إذا تكرر الحصول على نفس الرقم، غير أن الحصول على 6 للمرة الثالثة يوجب إعادة آخر قرص تم تحريكه إلى “الدار” أي إلى نقطة البداية، باستثناء تواجد القرص في إحدى الخانات المؤمَّنة.

في حالة تزامن الحصول على الرقم 6 والأقراص الأربعة كلها خارج “الدار” أي أنها متواجدة في المدمار، فيحق للاعب أن يتقدم بـ 12 خطوة عوض 6، وفي بعض المناطق يتقدم بـ 7، كما يمكنه التقدم بـ 6 خانات فقط في حال تعذر تحريك أي قرص بأكثر من ذلك، ويسميها أهل تطوان بـ “6 صغيرة” فيما تسمى 12 بـ “6 كبيرة”.

ويعتبر الحصول على الرقم 6 ملزما لفتح السدود في حالة وجودها لدى صاحب الدور، سواءً كانت سدودا خالصة من لون واحد أو مشتركة مع لاعب آخر، كما أن اللعب بقرص آخر مع ترك السد مغلقا رغم الحصول على 6، يلزم إرجاع القرص الذي تم تحريكه إلى نقطة الصفر، حتى وإن كانت اللعبة الأخرى تتطلب “قتل” قرص منافس.

ويعد الرقم 5 ملزما لإخراج قرص من الدار، إلا في حالة وجود قرصين اثنين لصاحب الدار في خانة الخروج، أو في حالة خروج الأقراص الأربعة كاملة، وهو ما يمكنه بالتقدم بخمسة خانات للقرص الذي يريده حسب ما هو متاح، علما أن الحصول على الرقم 5 في حالة تواجد قرص في “الدار”، ووجود إحدى الأقراص المنافسة في خانة “الدار”، فيعني تلقائيا “قتل” القرص المنافس أو قرصين إن تواجدتا بخانة “الدار”.

أما لحاق لاعب بآخر في نفس الخانة من الخانات غير المؤمنة فيدعى “قتل” أو “التهام”، وذلك عبر إرجاع القرص الملتحق به إلى الصفر وتمكين “القاتل” أو “الملتهِم” من التقدم 20 خطوة إلى الأمام، باستثناء تواجد القرص المُطارَد في إحدى الخانات المؤمَّنة.

متعة وشجار

لعبة “البارتشي” تعد واحدة من أكثر الألعاب الشعبية متعة واستخداما للحسابات والخطط المبنية على الحظ، حيث يضطر اللاعب أن يحسب كل خطوة يخطوها ويستحضر الحسابات الممكنة للاعبين الملاحقين له لتفادي أي عودة لنقطة البداية والتأخر في الوصول إلى النهاية.

يعلق الشاب التطواني عادل الذي التقت به جريدة “العمق” في مقهى “الطيارة” على اللعبة بلهجة ساخرة “هذه الرقعة هي مسكن إبليس” في إشارة منه تحول اللعب إلى شجار أو مشاداة بسبب الإفراط في الحماس أو المبالغة في الاستفزاز من طرف لاعب إلى آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *