وجهة نظر

الثقة

“هذه الانتخابات تدور حول مسألة الثقة أكثر مما تدور حول خيار سياسي” جاك شيراك عن انتخابات 1981

كتب أحد السياسيين الكبار، أن الدول لا تقوم على الثراء أو الرخاء، بل تقوم على الثقة، ومفهوم الثقة هذا له دلالات متنوعة ومتفرعة، منها الثقة في الاقتصاد وفي السياسة، وحتى الثقة في المؤسسات، دون أن ننسى الثقة في المستقبل.

وحينما نسأل أغلب الشباب المغربي الذي يرغب في الهجرة إلى خارج الوطن عن سبب هذه الرغبة، غالبا ما يختزل جوابه في انعدام الثقة في المستقبل، بل وحتى عندما نناقش رجال الأعمال عن ترددهم في المغامرة من خلال المزيد من الاستثمار، سرعان ما يعقبون بغياب الثقة، وحينما نستفسر الآباء لماذا يفضلون التعليم الخاص لأبنائهم عن التعليم العمومي؟ يكررون نفس الجواب، أي “فقدان الثقة”.

يبدو أن الثقة انقرضت من وطننا، هذه الثقة التي غالبا ما يصنعها السياسيون، مثلما يمكنهم أن يهدمونها، فالسياسي ينتج الأفكار، ليقنع الناس ويبني معهم علاقات الثقة، والمؤسسات السياسية تقول الحقيقة للناس لتكسب ثقتهم، تشتغل لتقنعهم بأنهم موضوع اهتمامها، لتؤسس معهم علاقات الثقة، بل حتى الدساتير وضعت لأن في احترامها وحسن تطبيقها وتنفيذها، بناء علاقة الثقة بين المواطن وبين الدولة، فلماذا إذن فقد جيلنا الثقة في كل شيء؟.

إن بلادنا تستحق أن يثق فيها المرء، تستحق نخبة من الساسة الصادقين، ونوع من المؤسسات المبنية على مبدأ الثقة، فمن الطبيعي أن نعيش أزمات كغيرنا، ويمكن أن يضيق علينا الحال، بل حتى يمكن بلادنا أن تعاني كغيرها، ولكن، لا يجب أبدا أن نفقد الثقة في المستقبل، الثقة في بلادنا، لأن الوطن بقدر ما تعطيه يعطيك، وبقدر ما تثق فيه لابد أن ينصفك، ولكن إذا تعاملنا مع مواطنينا بنوع من اللامبالاة، أو بنوع من الابتعاد الذي يعبر عن حالة نفسية نتيجة رد فعل ما، فإننا نفكك الثقة، وحينما نفككها تنهار، وعند ذلك، من الصعب جدا أن نرممها، فالموضوع يهم العاطفة ويهم الإحساس وهذه الأشياء لا ترمم.

إن الثقة لا تقوم إلا إذا بنيت على الوضوح مع المواطنين، وعلى قول الحقيقة، وعلى مواجهة المشاكل والصعاب، والانكباب على حل القضايا الكبرى للوطن والمواطنين بجرأة وشجاعة ومسؤولية، أما تهميش المؤسسات والأحزاب السياسية والإعمال غير السليم للدستور قصد التقليل من حجم التدخلات وتعقيد المشاكل، فهو في حقيقة الأمر لن يكرس إلا انعدام الثقة.

إن السياسي الناجح في رأينا، هو الذي يعيد الثقة للسياسة، هو الذي يستطيع بناء جو من الثقة بين المواطنين و الأحزاب والمؤسسات، هو الذي يستطيع فرض احترام هذه المؤسسات، بتمكينها من لعب أدوارها والتعامل بالجدية المطلوبة مع قراراتها، وكذلك من تجليات الثقة الاحترام، احترام الحقوق، احترام ذكاء المغاربة، واحترام وطنيتهم، فنحن كسياسيين لا يضيرنا غضب المواطنين اتجاهنا، فلإدارة الشأن العام ثقلها الانفعالي، بل حتى حينما يحولوننا إلى صور كاريكاتورية تكون مواد للسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي، فلا يجب أن يثير ذلك غيضنا، إذ أن ذلك الجانب من سخرية المغاربة في حق السياسيين، هو تعبير جميل على أن المغاربة يشاركون في السياسة بطريقة فلسفية ذات مسحة من السخرية، وعلينا كسياسيين أن نتفهمها ونفهمها، ونقبل بها، وأخيرا لنتأكد جميعا أن هذا الشعب لا يمكن أبدا فقد الثقة فيه وفي حبه لبلده، إنه شعب عظيم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *