مجتمع، ملف

الحوار الاجتماعي .. بين الحلول “البليدة والبديلة” لتحسين عيش المغاربة

حذرت تقارير وطنية ودولية من الوضع الاجتماعي المتردي بالمغرب، موصية بضرورة إيلاء أهمية كبيرة لإصلاح الوضع الاجتماعي تفاديا للحركات الاجتماعية كتلك التي عرفتها الريف وجرادة وزاكورة وبويزكارن وطاطا وفكيك وغيرها.

وتؤشر على مدى تردي تلك الأوضاع، تقارير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، والمجلس الأعلى للحسابات، وبنك المغرب، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، والمندوبية السامية للتخطيط، وقد كشف تقرير صادر عن المندوبية السامية للتخطيط، عن تشائم المغاربة من مستوى العيش في المستقبل.

وأفاد التقرير السنوي للبنك المركزي حول الوضعية الاقتصادية والنقدية والمالية برسم 2017، أن التشغيل بالمغرب يظل هشا وضعيف الجودة بالنسبة لشريحة واسعة من السكان المشتغلين، ملاحظا انتشار التشغيل غير المأجور بحصة تصل إلى 16.8 بالمائة فيما يشكل الأجراء أقل من 50 بالمائة ثلثهم لا يتوفرون على عقود عمل.

فيما أكد تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول “الحماية الاجتماعية بالمغرب” أن منظومة الضمان الاجتماعي تتسم بـ”الهشاشة” في ظل عدم استقرار جزء كبير من سوق الشغل، معتبرا عدم شمولها لفئات مختلفة من الشعب المغربي “غير منصف”، مشددا على حاجة المغرب إلى تطوير آليات عمومية للحماية الاجتماعية.

وقد بات السؤال اليوم والمغرب على أعتاب الدخول الاجتماعي هو ما الجديد الذي يمكن أن يحمله الدخول الاجتماعي المقبل؟ وما هي الرهانات الأساسية التي يجب أن يحققها؟ وكيف السبيل إلى إنجاح استحقاقاته، وهي الأسئلة التي طرحها هذا الملف على عدة فاعلين في غياب أي تفاعل من الحكومة مع الموضوع.

أولوية الحوار الاجتماعي

في هذا الصدد، قال القيادي في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل علال بلعربي، “إن الرهان الأساسي بالنسبة للدخول الاجتماعي الجديد هو الحوار الاجتماعي بأبعاده الثقافية والسياسية والاجتماعية والحضارية والوجودية”، موضحا أن الحوار ليس مجرد لقاء فقط.

وأضاف نائب الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل في تصريح لجريدة “العمق”، أن الحوار له ثقافة وقواعد وأسس وأرضية، موضحا أن الحوار ينبثق عن رؤية إستراتيجية لما يجب أن يكون عليه مغرب الغد، قائلا: “يجب إعداد العدة لمواجهة مخاطر الغد”.

وطالب الكاتب الوطني للنقابة الوطنية للتعليم التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل حكومة العثماني باتخاذ خطوات عملية تمنع المغرب من الانزلاق إلى العنف والتوترات، قائلا “على الحكومة أن تستحضر ما يقع في المشرق”.

وشدد المتحدث على ضرورة جلوس الحكومة والنقابات والباطرونا على طاولة الحوار الاجتماعي من أجل المساهمة الجزئية في تحقيق التنمية وتطوير الاقتصاد والمساهمة في إيجاد فرص الشغل، منبها إلى غياب ثقافة الحوار عن الحكومة.

وأوضح المتحدث أن تغييب النقابات وإضعاف الأحزاب سيؤدي إلى نتائج كارثية، موضحا أن الحوار هو الكفيل بإنقاذ الوضع، مضيفا أن الحوار ينتمي للثقافة الديمقراطية، قائلا: “يجب أن نؤمن بثقافة الحوار وأن نحمي بلدنا وأن نصلح الصحة ونعيد الثقة”.

الأوضاع “معقدة”

من جانبه، قال الفاعل النقابي محمد بن حمو: “من الضروري جعل الحوار الاجتماعي أولوية الدخول السياسي”، مضيفا أن الحوار الاجتماعي هو المدخل الأساسي لإيجاد الحلول، وزاد أن “الأوضاع الاجتماعية في بلادنا عرفت مستوى من التعقيد أصبح يهدد السلم الاجتماعي”.

ويرى القيادي بالفدرالية الديمقراطية للشغل سابقا، في تصريح لجريدة “العمق”، أن عدم الانكباب على القضايا الاجتماعية وعدم التدخل الفوري بإجراءات عملية لتخفيف الأزمة على المواطنين والطبقة العاملة أدى إلى خلق أجواء من القلق والتذمر والاحتقان الذي ليس من مصلحة أحد.

وشدد بن حمو على أنه “آن الأوان لوقفة جدية مسؤولة من طرف النقابات والحكومة وأرباب العمل من أجل الجلوس على مائدة الحوار والاجتهاد ما أمكن من أجل التوافق حول حلول التي يمكنها أن تخفف من معاناة الشغيلة المغربية التي تكتوي بأزمة غلاء الأسعار وغيرها”.

وأوضح المتحدث أن الخطابات الأخيرة للملك محمد السادس قد أكدت على تفعيل الحوار الاجتماعي وجلوس الأطراف لبعضها البعض، منبها إلى أن الكل يدعو للحوار الاجتماعي والإنصات للمطالب العادلة للشعب لكنه رأى أن لا أحد يبادر في الميدان.

الحلول “البليدة” و”البديلة”

أما الخبير في الاقتصاد الاجتماعي والتضامني عبد العزيز الرماني، فقد أوضح أن المغرب مقبل على دخول اجتماعي “ساخن” لكثرة المطالبة الاجتماعية المطروحة على أجندته، موضحا أن كل هذه القضايا يجب حلها في ظرف قصير، مبرزا أن الحكومة ليس عندها زمان طويل بعد تعليمات الملك محمد السادس.

وشدد الرماني في تصريح لجريدة “العمق” على ضرورة أن تجتهد الحكومة في توفير بدائل من أجل تحقيق استقرار اجتماعي دائم، موضحا أن من تلك البدائل الاجتهاد في مجالات الاستثمار العمومي، وترشيد النفقات العمومية، وتقليص بعض المصارف التي تشكل عبئا على الميزانية.

وأضاف المتحدث: “يجب إنجاح الحوار الاجتماعي كيفما كانت الأمور”، موضحا أنه لا يجب تغليب الحلول “البليدة” على الحلول “البديلة”، معتبرا هذه الأخيرة كثيرة على مستوى الميزانية من أجل توفير فرص الشغل والرقي بالتكوين المهني ومحاربة تنامي ظاهرة البطالة وغير ذلك.

وأوضح الرماني أن الحوار الاجتماعي عنده ملفات موضوعة على الطاولة منذ سنوات ويجب أن يحسم فيها اليوم وليس غدا بسبب وجود تعليمات ملكية واضحة وفشل سنين من التفاوض.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *