منتدى العمق

الزنزانة 9 والعدالة الغائبة في وزارة التربية الوطنية

يعتبر ملف أساتذة الزنزانة 9 من أكثر الملفات مظلومية، يستمدها من القواعد المنطقية للعدل،ومنالمبادئ الأولى للدستور المغربي. إضافة إلى الإجماع على قوته، إجماع زكته الحكومتين اللتين عاصرتاه من خلال وزرائها الذين تحملو مسؤولية وزارة التربية الوطنية منذ 2013، و إجماع زكته أيضا جميع النقابات.

وتتشكل هذه الفئة من الأساتذة الذين وظفوا بين سنتي 2003 و 2013 في التعليمين الابتدائي و الإعدادي، عددهم يتجاوز بقليل 4500 أستاذ أي أقل من 2% من موظفي قطاع التربية الوطنية، ويتقاضون أجورا ( 4000د) تشكل أقلثلث معدل الأجور في القطاع (اكثر من 12000 د).

وهم ثلاث فئات:

• فئة حاصلة على شهادة الباكالوريا بامتياز، و تكوين بالمراكز المختصة بمهن التدريس (cpr-cfi) لمدة سنتين.
• فئة حاصلة على شهادة الدراسات الجامعية العامة (DEUG) و سنة تكوينية بالمراكز الجهوية للتربية و التكوين.
• فئة من إحدى الفئتين وحاصلة على الإجازة.
• فئات متمكنة من تخصصها بدرجات عالية ولكن شواهد تخصصاتها غير معادلة للشواهد الجامعية علما ان شواهدها اوفق بتخصصاتها ( 5 سنوات في المعهد الموسيقي فأكثر لأساتذة التربية الموسيقية مثلا).

ولقدبدأ مشكل الزنزانة 9 يظهر جليا منذ موسم 2012/2013 حيث توقف التوظيف بالسلم 9 في وزارة التربية الوطنية. ففي عهد الوزير محمد الوفا اتخذت الحكومة قرار إيقاف التوظيف بالسلم 9، وهو إقرار حكومي مباشر بعدم جدوى رواتبه لرجال و نساء التعليم. وصرح في مجلس المستشارين بتاريخ 28 ماي 2013 بأن السلم 9 سينقرض قبل متم سنة 2014، وهو إقرار آخر للحكومة بأن ترقية المرتبين فيه مباشرة إلى السلم 10 من مقتضيات قرار إلغاء التوظيف به.و قد بني القرار على اقتناع الحكومة بعدم جدوى رواتب هذا السلم للأسرة التعليمية – وهو قرار صائب- ولكنها لم تعالج آثار قرارها.

إذ أنه بمجرد إيقاف التعيين في أي سلم فإن أثر للتعيينات الجديدة على وثيرة الترقية داخله ستتوقف. فمعلوم أن الامتحان المهني يستمد عدالته من تلك التعيينات بوصفها المدخل الذي يرفع عدد المتبارين ويجدد لوائحهم، فترتفع حظوظ النجاح و تقلل نسب تأخر الارتقاء للجميع بطريقة عادلة.

ثم ازدادت حدة القرار بعد الترقية الاستثنائية بالشواهد منذ 2013، مما حصر أعداد المعنيين بالسلم 9 إلى أقل من 2 %من موظفي الوزارة. علما ان الترقية بالشهادات الجامعية-التي أنقذت منذ 2013 أكثر من 4 أضعاف هذه الفئة- اتخذت بقرارات استثنائية، أي أنها لم تنبن على سند قانوني اللهم نضالات أصحابها. فكيف لا يحل ملف فئة الزنزانة 9 وهو من مستلزمات قرار إلغاء السلم؟

يكفي أن ندرك أن الأعداد التي يضخها التوظيف في السلم 9 لو لم يلغ كافية لترقية جميع القابعين فيه حاليا في أقل من 3 سنوات، بل إن عدم اتخاذ القرار الاستثنائي بالترقية الاستثنائية بالشهادات سنة 2013 كافية لإعطاء فرصة زوال الحاليين في 3 سنوات بعد 2013.فما الذنب الذي ارتكبه هؤلاء ليكونوا استثناء من قرار الحكومة بإلغاء السلم التاسع؟ بل ما ذنبهم ليتحملوا نتائج هذا القرار فيرهن آخرهم مصيره و يفني عمره كاملا ينتظر حظه في نسب الامتحان المهني و الترقية بالاختيار؟ ثم إذا لم يكن هذا هو معن الزنزانة فماذا سنسميه؟

فإذن قضية الزنزانة 9 ناتجة عن اتخاذ قرار حكومي صائب ولكن دون معالجة آثاره.

هذا الخلل تولدت عنه اختلالات أخرى:

1- راتب السلم 9 الأدنى في قطاع التربية الوطنية، بل الأدنى مقارنة مع أصحاب السلم 9 في باقي القطاعات. وهذا يجعل ربط إلغائه بوجوده في قطاعات اخرى غير مستقيم.

2- ازدياد فعلي للفوارق بين الرتب في السلم 9، فإذا كان انتهاء آخر أستاذ في السلم التاسع يحتاج انتظارا عشوائيا لمدة قد تصل إلى تقاعده، فمعنى ذلك أن وثيرة ترقيه أبطأ من الأكثر بطئا في جميع القطاعات والسلاليم، حتى و إن كانت تقارير المشرفين التربويين عنه تشهد له بالإبداع و النبوغ في مهنته.

3- ازدياد الفوارق بين موظفين يشتغلون بنفس المهام ولهم نفس الكفاءات و يحاسبون بنفس الطرق فقط لأن الدولة أوقفت التوظيف في سلمهم.

4- قرار التوظيف بالسلم العاشر هو نوع من رفع الأجور، خاصة امام الأعداد الكبيرة التي توظف في القطاع سنويا، وهذا ينعكس على الحياة الاجتماعية فتزيد تكاليف العيش، فينعكس ذلك على هذه الفئة و التي تجد نفسها أمام هذه التكاليف تواجهها برواتب أقل من الرتبة الأولى لأدنى درجات زملائهم.

5- جعل الاقل تكوينا و تجربة اعلى أجرا، و الأكثر أقدمية و تجربة و تكوينا أقل أجرا، ومع انهم يمارسون نفس المهام و يشتغلون نفس عدد الساعات، هذا الأمر ينطبق بشكل أوضح على التعيينات المباشرة قبل 2013 و على التعيينات الجديدة في السنوات الأربعة الاخيرة. بل يجعل رواتبهم أقل من رواتب تلامذتهم الذين عينوا بالقطاع.

بجانب هذه المظلومية الواضحة يستمد ملف الزنزانة 9 قوته القانونية في :

1- الانضمام إلى التنسيق النقابي السداسي الذي يضم ….، فهذا يجعله تنسيقا لمتضررين تحت لواء ممثلي الشغيلة القانونيين.

2- تصدير الدستور المغربي الذي يسعى إلى (إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة). فإذا علم بأن فوج المعينين في 2013 سيجتازون امتحان السلم 11 في شتنبر 2019، أي أنهم مرشحون لمضاعفة أجور أساتذة السلم 9 بدون ذنب ارتكبه هؤلاء، فإن كل تلك المبادئ ضرب بها الحائذ.

3- وجود فوارق وهمية بين الامتحانات المهنية،فالجميع يجتاز امتحانا في نفس المواد بما تتطلبه من تحضير واحد لكونها تؤطر نفس مهامهم،

4- خطورة القرار الحكومي القاضي بإلغاء التعيين بالسلم 9 دون معالجة لآثار ذلك، وتتجلى هذه الخطورة في عدم تناغم هذا القرار مع المبادئ الدستورية التي أشرنا لها سابقا. فالدستور وضع لتنضبط له القوانين و قرارات جميع السلط و في مقدمتها السلطة التنفيذية.

5- وجود نازلة مماثلة عمرت إلى أن عسر حل تفاصيلها، نقصد هنا ملف ضحايا النظامين.

6- وجود نازلة مشابهة تعاملت معها الدولة بما يلزم، فقد سبق و أن قررت الدولة سنة ترقية جميع المرتبين في السلم السابع بعد إلغائه.
أمام هذه المظلومية الواضحة تتضح عدم جدوى الامتحان المهني بشكل نهائي، لذلك قاطعه أغلب الأساتذةمع المطالبة ب:

1- الترقية الفورية إلى السلم 10.

2- استدراك ما يستلزمه قرارا التوظيف بالسلم 10 و الترقية بالشهادات ما بعد سنة 2013 من إلغاء حقيقي للسلم التاسع و ترقية من كان فيه إلى السلم العاشر في وقتها. و هذا يستوجب في وقتنا الحالي الترقية إلى السلم العاشر بالأثرين الإداري و المالي.

أما ما تقترحه الوزارة من تكاوين فلا نعتقد ان أستاذا يرفض التكوين، و لكن الخلل الذي حصر هذه الفئة في الزنزانة 9 لا يرجع بتاتا إلى مستوى تكوينها و لا إلى مردودية ادائها. بل إلى ما ذكرناه سابقا. و بالتالي فهذا المقترح يغير تصوير النازلة بشكل كامل. لذلك لا يمكن لعاقل وعى نقطة الظلم القائمة في الملف أن يقبله.

أما إن سوي هذا الملف فإن متابعة التكوين عن بعد قد يكون حلا لتوحيد المسار و تغيير الإطار، خاصة و الحكومة الآن توظف بإطار مشترك في التعليمين الإعدادي و التأهيلي وهو ما سينتج في القادم من السنوات مجموعات أخرى، تحرم من مباريات التفتيش بمجرد أن من يماثلونها في الشواهد و التكوين و هم دونها تجربة عينوا في سنوات ما بعد 2016.

وهكذا فالمطالب التي يدعو لها أساتذة الزنزانة 9 مطالب بعيدة كل البعد عن المزايدات، ولا مجال فيها لمطلب وضع لرفع سقف المطالب وفق أعراف العمل النقابي، و إنما هو مطلب لا يتجزأ لتصحيح مسار قرار حكومي خنق فئة من مواطني هذا البلد بدون وجه حق. و إن شئنا أن نقدم نصيحة للوزارة عساها تتجنب مثل هذه الأخطاء المتكررة، فسندعوها إلى بلورة تصور عادل لمسطرة الترقية في القطاع، مسطرة تقوم على توحيد المسار، بما يرفع المردودية و يعلي من التنافس الشريف في الأداء المهني و ما يتطلبه من تكوين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *