وجهة نظر

تداعيات الحراك الشعبي الجزائري

لقد تأخر قطار الربيع العربي عن الجزائر لمدة ثمان سنوات، أي لقد كان من المفروض أن يصل سنة 2011، ولكنه لم يصل سوى سنة 2019، وأحرار العالم كلهم يقولون: لا يهم تأخره المهم هو أنه وصل أخيرا، ومن الجميل أن يكون وصوله وصولا حقيقيا جعل شعب الجزائر بكبيره وصغيره، برجاله ونسائه، يمتطي قطار انتزاع المسامير واجتثاث الذي صدئ منها ، بل ويقوده حيث يشاء وبالشكل الذي يريد، كما أنه نسف جميع المحاولات التي أرادت التسلل لقاطرة القيادة، كما بعث برسائل تحذير لكل من توسوس له نفسه الاقتراب من القمرة الذهبية القمرة التي ستقوده مباشرة نحو الحرية والانعتاق.

ونحن نتابع أجواء الحراك الجزائري، سواء عبر قنوات العالم أو قنواته الداخلية، لاحظنا تغيرا كبيرا في الخطاب لدى الشعب، وذلك لما وفره هذا الحراك من حرية في التعبير ومساحة في التنفيس عن الكبت الذي دام أزيد من ثمان وعشرين سنة. كما أن الشعارات التي تم رفعها أثناء المسيرات المليونية أعطتنا فكرة جديدة عن موقف الشعب الجزائري من العديد من القضايا، كما تبين أن معاكسة هذه المواقف من قبل لم يكن سوى تماديا مع قوى امبريالية فرنسية غاشمة افتعلت عداوات وحروب وهمية من أجل الاستيلاء على خيرات البلاد. فمن هذه المواقف الموقف من المغرب كدولة شقيقة، والموقف من غلق الحدود المغربية الجزائرية، والموقف مما يسمى بجبهة البوليزاريو الكيان الوهمي، والموقف من الجدار الإسمنتي العازل، وكذا الموقف من جريمة إجلاء وتهجير المغاربة سنة 1975.

لم تعرف الدعوة إلى فتح الحدود مع الأشقاء المغاربة إجماعا من قبل كما وقع الآن إبان هذا الربيع العربي، وذلك لأن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المزرية التي كان يعيشها الشعب الجزائري قد ازدادت حدة بعد الجدار العازل، وقد سمعت أحد الشباب الجزائرين في حوار مع إحدى القنوات يقول: “كيف يعقل غلق أهم منفذ كان يمثل وسيلة العيش لأزيد من خمسين ولاية”، ويتضح من هذا التصريح الذي أيده كل من تناوب على ميكروفون القناة صاحبة استقصاء الرأي، أن الضرر الذي تسببت فيه عملية إغلاق الحدود وانعكاساته السيئة على الجزائريين يعد أكبر بكثير من الضرر الذي تسببت فيه للمغاربة، حيث إن إغلاق الحدود لم يؤثر مغربيا سوى على عدد محدود من مدن المملكة المحادية للجارة الجزائر.

كما عرف موقف الشعب الجزائري من أشقائه المغاربة  تحولا كبيرا في السنوات الأخيرة أهلته ليكون اليوم أكثر انفتاحا وحبا وطمعا في علاقة جوار أخوية لا مثيل لها، من مظاهره التغريد المستمر للشباب الجزائري في وسائل التواصل الاجتماعي وتكرار جملة “المغرب والجزائر خوى خوى”، كما لم تعد تلك المناوشات بين الشعبين موجودة والتي كان يتسبب فيها انتصار أو هزيمة فريق رياضي من هنا أو هناك بقدر ما أصبحنا مؤخرا نرى مدربين مغاربة يقودون فرقا رياضية كبيرة كفريق بلوزداد ومولودية وهران والجزائر العاصمة، كما أصبحنا نرى الشعب الجزائري في المقاهي وهو يهتف للفريق الوطني المغربي أثناء آخر كأس العالم كما يهتف لفرق مغربية عندما تلعب ضد فرق إفريقية أو مشرقية كالوداد والرجاء العالمي. وقد دعا العديد من الرياضيين والمدربين الجزائريين إلى عملية التنظيم المزدوج لكأس العالم بين المغرب والجزائر سنة 2018.

أما عن الموقف من الكيان الوهمي البوليزاريو فشعارات الحراك ولافتاته ورسوماته كانت واضحة حيث حملت مسؤولية تجويع الشعب الجزائري إلى عملية تسمين هذا الكيان ودعمه بأموال نفط وخيرات البلاد.   وأما عن الموقف من عملية تهجير المغاربة وترحيلهم سنة 1975 فيكفي انفجار أحد الجزائرين بكل غضب عن عملية ترحيل المغاربة وتهجيرهم أثناء برنامج من مبرامج قناة المغاربية، حيث قال بأنه كلما تذكر تلك الجريمة وإلا وأصابه الخجل رغم أنه كان صغير السن، معتبرا المغاربة، حينها، كما قال:إخواننا الذين تربينا معهم ودرسوا معنا وقضينا الصبا معا. ففي صبيحة عيد الأضحى ومباشرة بعدما صلينا صلاة الصبح حتى سمعنا سيارات الجيش والدرك الوطني تدق الأبواب على الجزائريين لأنهم بالنسبة إلينا هم جزائريون لأننا لم نكن نعرف أبدا بأنهم مغاربة، فالسيد البشير والدرويش وقويدر وعمي المعراج…تخيلوا معي حجم الصدمة النفسية التي أصابتنا فلم أستطع نسيانها إلى اليوم، ولأننا لم نكن على وعي كنا نصفق للدولة، تخيلوا معي إحدى النساء وكنا نسميها عمتي الزكراوية والله لقد تركت أضحية العيد معلقة، فأخذوا يلقون الناس في الشاحنات عنوة فيقول لهم أحدهم: أنا جزائري ومولود في الجزائر ولا أعرف المغرب لقد نشأت هنا في هذه الأرض وقد اختلط بها دمي،  فيقولون له أنت أبوك مغربي، فيخرجونه حافي القدمين وباللباس الذي يكون عليه في بيته. ليختم كلامه في الأخير وهو يكاد يبكي قائلا: إنها العقلية المتعفنة..عقلية الرأي الواحد..عقلية الثورجيين الذين دمروا الجزائر والتي لم تراعي لا حقوق الإنسان ولا تعاليم المصطفى صلى الله عليه وسلم ولا القرآن. وفي آخر كلامه قدم شهادة على نضج المغاربة ووعيهم حيث قال: إن العاهل المغربي آنداك الحسن الثاني لن يرد بالمثل ولم يقم بطرد الجزائريين المقيمين بالمغرب.

وأما عن الجدار الإسمنتي فتكفي شهادة أحد الجزائريين المتغربين في بلاد المهجر وهو يصرخ بأعلى صوته مخاطبا جنرالات الجزائر قائلا: كيف تبنون جدارا بين أخوين شقيقين المغرب والجزائر؟ وكيف تكذبون على الشعب الجزائري عندما تعطوه  مبررات واهية لبناء هذا الجدار وهو دخول داعش وهل داعش تدخل من المغرب أم من الجهة الأخرى حيث بلاد الشام والعراق؟ معتبرا هذه التبريرات استغباء واستحمارا للشعب الجزائري. ومذكرا لكل ضباط الجزائر بما فيهم الهواري بومدين وبوتفليقة بأنهم قد نسوا أنهم عاشوا في المغرب وأكلوا وشربوا وناموا في المغرب مجانا، وقد أسدى إليهم المغاربة يد العون.

إن ما يقع في الجزائر ليعبر عن وعي عميق وقومة بطولية من أجل العزة والكرامة والديموقراطية والقطيعة مع العسكر الذين ما دخلوا قرية أو مدينة إلا وجعلوا أعزة أهلها أذلة، وحتما ستنتصر هذه الثورة لأنها صاحبت آلاما مريرة وجراحا لم تندمل بعد منذ التسعينات من القرن الماضي، والشعب الجزائري واع كل الوعي بأن المسامير الصدئة حان أوانها كي تنتزع انتزاعا لأنها أفقرت الشعب وقتلت أبناءه وشردت أزيد من ألفين من خيرة رجاله ونسائه باسم محاربة الإرهاب ولم يكن هناك إرهاب أخطر من هذا الإرهاب العسكري الهمجي الذي تربى على سوء الجوار وتعطيل المغرب العربي وتفويت فرص ثمينة لازدهار المنطقة بتكتلها ووحدتها وتعاونها الاقتصادي والجيوسراتيجي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *