وجهة نظر

الشباب والإعلام والدين والقضية الفلسطينية

كان ولا يزال للإعلام إسهام كبير في نشر فكر تدمير الأخلاق والقيم والترويج لما يعاكس الدين والدين الإسلامي تحديدا، فتلت عملية التدمير تلك علمنة أجزاء من حياة المسلمين سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والبعض قلب الآية فصار يرى أن الدين هو الذي تسبب في كل هذه الحياة المسعورة فصار يحمله تبعات ذلك ناسيا أو متناسيا أن الحملة الشرسة على الثوابت الإسلامية هي التي أدت إلى كل ذلك، والتي لم تقتصر على الفرائض والواجبات في مجال التشريع الإسلامي كالحجاب والإرث وإمامة الرجل والكثير من الأحوال الشخصية ذات الصلة المباشرة بالتشريع الإسلامي، فحسب، بل وصلت إلى حد التشكيك في العقيدة الإسلامية والإيمان بالله تعالى، حيث اشتدت موجة استضافة من يروج للإلحاد في وسائل الإعلام والثقافة كسيد القمي الذي يعتبر القرآن الكريم أسطورة من الأساطير، في عصر تثبت جميع حقائقه العلمية وجود الله تعالى، أو استضافة نسخ غير أصلية من مشايخ يدعون الضلوع في الدين والخبرة في علومه من أمثال المرتد مصطفى راشد، فضلا عن فوضى الفتوى التي تحاول وسائل الإعلام نشرها، من خلال إطلاق مصطلحات رنانة ومثيرة كالمتنور والشجاع على كل من يتجرأ على الفتوى المخالفة للسنة وسيرة السلف الصالح، وإجماع العلماء الذين تلقتهم الأمة بالصحة والقبول.

ورغم كل هذا الزخم الإعلامي المضل الذي يحاول أن يرسم خريطة طريق لا دور للدين فيها، فإن المجتمعات لا تزداد إلا تمسكا بدينها وتعمل على استحضاره بقوة في سلوكها ومناسباتها، كما أن الدين الإسلامي ينتشر بسرعة في صفوف ملل أخرى غير عربية، وكلما أريد ضربه إلا وانقلب السحر على الساحر، وكل ضربة أو تشويه إلا ويكون مسلكا جديدا في التعريف به وعاملا من عوامل انتشاره.

أما القضية الفلسطينية فلازالت في الرفوف تتمطى في تراب أبدي، حيث في الوقت الذي تتأجج فيه معاناة الفلسطينيين يركن إعلامنا إلى السكون وإخفاء الرؤوس في الرمال كالنعامة. وبعضه أصبح يصف العمليات الاستشهادية التي يقوم بها الرجال في إسرائيل عمليات إرهابية ليحضى بالثناء من طرف حكومة العدو، وبعدما يئس هؤلاء الشباب من هذا الإعلام المنبطح، رأى أن يستلم المشعل وينسى وجود إعلامه المحلي الذي ما عاد سلطة لا رابعة ولا خامسة بقدر ما صار يخدم أجندات تدفع باليورو أو الدولار، فهتفوا بأعلى حناجرهم هتافات متجانسة وفق لحن شجي يحرك المشاعر ويزلزل قلوب الصهاينة..أغاني عابرة للقارات تتلقفها الشعوب وتترجمها لمختلف اللغات مما يجعل القضية تنتشر كالنار في الهشيم، فتتحقق التعبئة للقضية بسرعة غير متوفرة حتى لدى أمبراطور الشر الإعلامي ماردوخ.

إن هذه الجماهير قد أبدعت في تصريف مواقفها علانية واضحة لا مواربة فيها ولا تمويه، داعمة خيار المقاومة كخيار وحيد واعية بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، وأن مؤتمرات السلام ما هي إلا مؤامرات استسلام تخدم العدو الصهيوني ولا تخدم الشعب الفلسطيني في شيء.

سواء في المغرب أو تونس أو الجزائر، فالجماهير عرت الإعلام في علاقته سواء بالوضع المجتمعي العربي المزري أو القضية الفلسطينية التي أصبح يعتبرها الجمهور قضيته الأولى، ولازال العالم كله والعالم العربي تحديدا، يذكر تلك المقابلة الكبيرة التي جمعت بين الفريق الوطني الجزائري والفريق الفلسطيني في ملعب 5 يوليوز سنة 2016، وما كان لأحد أن يتخيل بأن العصبية والشعور بالانتماء للوطن والزهو والفخر بالفريق الوطني سيزول عندما يتعلق الأمر بفلسطين والقضية الفلسطينية حيث أثناء المقابلة غصت المدرجات بأعلام فلسطين وهتافات الجماهير بالقضية، بل حتى التشجيعات قد تحولت من تشجيع الفريق الوطني المحلي إلى تشجيع الفريق الفلسطيني، والمثير أكثر أن بمجرد أن سجل الفريق الفلسطيني هدفه الأول حتى انقلبت المدرجات فرحة وابتهاجا ضدا على فريقهم المحلي.

لقد أصبح واضحا بأن القضية الفلسطينية أصبحت قضية الشباب في المدرجات، وما تحقق بفضلهم من تعبئة للقضية وانتشارها في الأوساط، يكفي التعبير عنه من خلال التصريح الذي أدلت به وزيرة العدل في الكيان الصهيونية إيليت شاكيد حيث قالت: “إن المغاربة والجزائريين والتونسيين جهلة حمقى ويستحقون الموت”.

إن هذا التصريح هو بمثابة اعتراف بما حققه الشباب المغاربي من تعبئة للقضية الفلسطينية ومن إحراج بالغ للكيان الصهيوني الذي يسير بخطى سريعة نحو الزوال.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *