وجهة نظر

كليات رمضانية (الصبر) .. الحلقة 3: أوجه التشابه بين الصوم والصبر

بين الصوم والصبر تشابه من جوانب كثيرة:

فمن حيث اللفظ، كلاهما ثلاثي مبدوء بصاد ومن حيث الوزن على وزن (فَعْل) .

ومن حيث المعنى فالصوم إمساك والصبر حبس، والإمساك نوع من الحبس.

وقد سمي شهر الصوم بشهر الصبر.

وفي القرآن الكريم، لم أجد صيغة (وأن تفعلوا) بالخطاب إلا في عشرة أفعال:
أ‌- القول : {وأن تقولوا } [1]
ب‌- الصوم: {وأن تصوموا} [2]،
ت‌- العفو: {وأن تعفوا} [3]،
ث‌- الصدقة: {وأن تصدقوا} [4]،
ج‌- الجمع: {وأن تجمعوا} [5]
ح‌- الصبر: {وأن تصبروا} [6]
خ‌- القيام لليتامى : {وأن تقوموا لليتامى بالقسط} [7]
د‌- الاستقسام بالأزلام: {وأن تستقسموا بالأزلام} [8]
ذ‌- الشرك : { وأن تشركوا} [9]
ر‌- وأما (وأن يستعففن خير لهن) النور: 60. فليست صيغة خطاب.

وهذه صيغة المصدر المؤول من (أن والفعل) لا يخفى ما فيها من دلالة على التجدد والاستمرار، وكل تلك الأفعال سواء المأمور بها كالعفو والقيام باليتامى والصبر والمنهي عنها كالشرك والاستقسام كلها في حاجة إلى تجديد في الطلب وفي الامتثال فعلا أو كفا أو تركا، إلا أن ثلاثة من تلك الأفعال جاء خبرها بـ (خير لكم) وهي:

الصبر والصوم والصدقة،

• الصبر : قال تعالى { وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (25) }
• الصوم: قال تعالى { وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) }
• الصدقة: قال تعالى { وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) }

ونعلم ما لأَنْ والفعل المؤولين بمصدر من معاني التجدد والتردد على الفعل، والاستمرار عليه والاستزادة من مصالحه كلما سنحت الفرصة، وتهيأت الظروف، فكل من الصبر والصوم والصدقة موعودها خير، ونتيجتها خير ومآلها خير، لذلك جاء الخبر (خير لكم) وهذا الخير موجه لكم بالأصالة وبالخصوص. وهناك علاقة وثيقة بين هذه الثلاثة (الصوم والصبر والصدقة) فالصبر وقود كل الإنجازات والصالحات من العبادات والمعاملات، وميدان التزود منه هو مدرسة الصوم، التي ينتج عنها الانطلاق في مسالك الخير والنفع والصدقة والإنفاق، ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان لأنه شهر الصوم والصبر.

ومن أوجه التشابه بين الصوم والصبر أن كليهما مفتوح الجزاء، قد تجاوز قواعد الحساب وقِيَمَه وأعداده، وعبر عن ذلك في القرآن الكريم في حق الصبر بصيغة الحصر وبلفظ (بغير حساب) كما في قوله تعالى {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} حتى قيل في معنى (الصابرون) أنهم الصائمون، وجاء التعبير عن ذلك الجزاء المفتوح في السنة بقول الله تعالى في الحديث القدسي (إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) “فلما أخفي ذكره بالصوم في نفسه أخفى اللَّه عزّ وجلْ جزاءه إياه عن غير نفسه” [10].

ومن أوجه التناوب بين الصوم والصبر في قوله تعالى ( وَاسْتَعينُوا بِالصبَّرِ وَالصَّلاةِ ) [11] ، قال بعض العلماء: استعينوا بالصبر على الزهادة في الدنيا بالصوم، لأن الصائم كالزاهد العابد، فالصوم مفتاح الزهد في الدنيا وباب العبادة للمولى. [12]

يتبع..

1. في قوله تعالى { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (169)} البقرة (169) الأعراف (33)
2. البقرة: 184
3. البقرة: 237
4. البقرة: 280
5. النساء (23)
6. النساء: 25
7. النساء (127)
8. المائدة (3)
9. الأعراف (33)
10. قوت القلوب (1/133)
11. البقرة : 351
12. قوت القلوب (1/132)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *