مجتمع

تطوان تسترجع ذكرى الراحل أخريف.. ومطالب لوزارة الثقافة بتخليد اسمه (صور)

قدم مثقفون وأكادميون وأدباء وشعراء وكتاب مغاربة، شهاداتهم بحق الشاعر والأديب المغربي الراحل محسن أخريف، الذي لقي مصرعه إثر تعرضه لصعقة كهربائية أثناء مداخلة له في ندوة فكرية ضمن فعاليات “عيد الكتاب” بتطوان خلال شهر أبريل الماضي، مجمعين على أن الراحل كان يتمتع بخصال فريدة أكسبته محبة الناس من حوله، وأنه كرس حياته لخدمة الثقافة والأدب ببلاده.

جاء ذلك خلال حفل تأبينه بالمركز الثقافي بتطوان، أمس الأربعاء، بحضور مجموعة من الفعاليات الثقافية بشمال المغرب، امتزجت خلاله مشاعر الحزن على فراقه بتلك الطريقة، بلحظات الافتخار والاعتزاز بمساره الثقافي والتعليمي والأدبي، من خلال تسليط الأضواء على حياته القصيرة التي أمضاها في خدمة وطنه عبر قلمه الذي سخَّره لبناء مجتمع تحكمه المعرفة.

وطالب متدخلون وزارتي الثقافة والتعليم بتخليد ذكرى الراحل عبر تسمية مؤسسة تعليمية وقاعة ثقافية بتطوان أو العرائش باسمه، والاهتمام بإنتاجاته الأدبية عبر طبعها ونشرها، وأعلنت دار الشعر بتطوان عن تسمية جائزة مهرجان الشعراء المغاربة باسم محسن أخريف، فيما قدم شعراء قصائد رثاء بحق الراحل بحضور عائلته وأصدقائه، كما أبرز شريط فيديو حياة الراحل الذي كان يعمل أستاذا بالسلك الثانوي.

وكانت مدينة تطوان، قد ودَّعت الكاتب والشاعر والروائي محسن أخريف، في جنازة مهيبة شارك فيها حشد كبير من زملائه الأساتذة والكتاب والروائيين والشعراء، وبحضور عدد من المسؤوليين المحليين، فيما اعتبر مثقفون أن رحيله بتلك الطريقة يشكل “فاجعة وخسارة كبيرة للثقافة والأدب المغربيين”، واصفين إياه بـ”شهيد الكتاب” الذي بذل عمره في سبيل المعرفة وخدمة الأدب.

قامة أدبية

المدير الإقليمي لوزارة الثقافة بتطوان أحمد يعلاوي، قال في كلمة له خلال حفل التأبين، إن محسن أخريف قامة أدبية تحررت من قيود التواكل، ورحلت قبل الآوان، غير أن غيابها لم يزدها إلا نظارةً، فهو فداء لكل ما هو جميل وحالم”، معتبرا أن “طموحه لم يسعه إلا الموت، وهو قد جادل الموت في شعره”، وفق تعبيره.

وأشار المسؤول الثقافي المحلي، أن تأبين الراحل هو “لحظة وفاء من مدينة الحمامة البيضاء وأبنائها لروح الراحل”، لافتا إلى أن محسن أخريف “وهب حياته القصيرة لخدمة وطنه والنهوض بآدابه وفنونه عبر قلمه الذي أبدع به روايات وقصائد، فهو كان يحلم بمجتمع تحكمه المعرفة وتسوده الثقافة، والآن الأدب المغربي فقد هذه القامة الكبيرة”.

الكاتب والمسرحي رضوان احدادو، أوضح في كلمة له باسم أدباء مدينة تطوان، أن محسن أخريف “عاش كهلا في شبابه لما كان يسكنه من هموم الثقافة ومشاريع نضالية كبرى، لم يهدأ له بال حتى تتجسد واقعا”، مشيرا إلى أنه “كان أديبا وشاعرا وروائيا، كان إنسانا شموليا بقيم الإنسانية المثلى”.

واعتبر احدادو أن فقدان أديب في حجم أخريف يُعد “فاجعة كبيرة”، خاصة في ظل الطريقة التي توفي بها، واصفا رحيله بـ”الفاجعة المدمرة لكل العارفين بقدره، خاصة أسرته الثانية من المثقفين والأدباء والفنانين بمدينة تطوان وباقي مدن المملكة”، على حد قوله.

“رمز للتضحية”

من جانبه، قال ممثل رابطة أدباء الشمال محمد الفهري، إن رحيل أخريف “خسارة جسيمة وألم كبير، وكنا نحن في الرابطة ذلك اللفيف المقرون الذي يصاحب الراحل حتى ساعة الرحيل، ونشعر إلى حدود اللحظة أن شيئا ينقصنا، كل واحد منا يفتقد إلى جزء من عاداته برحيل أخريف”.

وطالب الفهري من مديرية الثقافة بتطوان بإطلاق اسم محسن أخريف على إحدى القاعات الثقافية للمدينة، ليظل “رمزا للتضحية بالمدينة ويظل نوره يشع في سمائها دوما ومنيرا لطريق الأجيال القادمة”، ملتسما من وزارة الثقافة أن تولي أعماله اهتماما خاصا وتنشرها كاملة لتكون في متناول المهتمين.

وتابع قوله: “الراحل أسدى خدمات جليلة للمدينة وأبنائها، كان فاعلا جمعويا متميزا وأستاذا ومربيا بمجموعة من أسلاك التعليم، وشاعرا مبدعا في عنفوان انطلاقه وانسيابه الفني والثقافي، وكان صاحب رأي سديد يفكر ويخطط ويبدع ويقدم ويناقش ويحاور، وكان حكيما في كلامه وصمته وذو مخيلة خصبة وذوق رفيع”.

وأضاف أن أخريف “كان اجتماعيا منفتحا يستحوذ على قلوب كل من يتعرف عليه ويغمرها بالمحبة والإخاء”، مردفا بالقول: “سنظل نرى روح أخريف وأشعاره الطافحة بالحياة ومحكياته وقصصه ورواياته”، معتبرا أن رابطة أدباء الشمال والمشهد الثقافي بتطوان خسروا أحد أكبر رموزهم الحركية.

“أكبر فاجعة”

ممثل مؤسسة محمد السادس للأعمال الاجتماعية بتطوان عبد الإله السيار، أوضح في كلمته، أن الراحل “كان خجولا وخجله يزيده وقارا وحشمة وتقديرا وإجلالا، وقد خطفه الموت وهو في عنفوان عطائه الفكري والثقافي، فقد كان متفانيا في أداء رسالته التعليمية والثقافية بشكل راقٍ وواعٍ”، داعيا إلى إطلاق اسمه على إحدى المؤسسات التعليمية بتطوان أو العرائش.

بدوره عدَّد عبد الإله الفيلالي مدير ثانوية خديجة أم المؤمنين بتطوان حيث كان يشتغل الراحل، خصال محسن أخريف، مشيرا إلى أن حبه أسِر المؤسسة بكاملها من التلاميذ والأساتذة والإدارة وحتى حارس المدرسة، قائلا: “أحبه الجميع في أقل وقت، لأنه قضى 3 سنوات فقط في المؤسسة، استطاع  خلالها كسب كل القلوب بإنسانيته وعطفه واستقامته وانضباطه”.

من جهته، أعلن الشاعر أصغير، ممثل دار الشعر بتطوان، عن تسمية الجائزة الرسمية للدورة الثالثة من مهرجان الشعراء المغاربة باسم محسن أخريف، ابتداءً من هذه السنة وإلى أبد الأبدين وفق تعبيره، واصفا رحيله بأنه “أكبر فاجعة حلت بنا هذه السنة، لأن دار الشعر فقدت واحدا من أعضائها الذين كان يتردد باستمرار على أنشطتها”.

يُشار إلى أن حفل تأبين محسن أخريف، عرف أيضا كلمات تأبينية لكل من رضا الدغمومي باسم جمعية “محترف مسرح الفدان”، وعبد الجواد الخنيفي ممثل جمعية الحوار للفنون والثقافات بشفشاون، وزهرة حمودان عن رابطة كاتبة المغرب، ونقيب هيأة المحامين بتطوان، وجمعية قدماء أصدقاء رفائيل أبرتي بالعرائش، إلى جانب قراءات شعرية وكلمة لأسرة الراحل قدمها والده.

تفاصيل الرحيل

وكان مصدر حضر واقعة وفاة محسن أخريف، قد كشف لجريدة “العمق” أن الراحل تعرض لصعقة كهربائية بمجرد إمساكه الميكروفون لتناول الكلمة، أثناء لقاء ثقافي داخل خيمة مُخصصة للندوات بمعرض الكتاب بتطوان يوم الأحد 21 أبريل الماضي، حيث سقط على الأرض فورا وهو يصارع الموت وسط صدمة الحاضرين، مشيرا إلى أن أسلاك الميكروفون كانت تلامس الأرضية المبللة بسبب الأمطار.

مسيرة اللقاء المذكور فاضلة الوزاني التهامي، كشفت تفاصيل ما وقع بالقول: “كنت أسير الجلسة، وكان مكبر الصوت بيدي وكنا على وشك الانتهاء، فوجئت بالشاعر محسن أخريف يتقدم بسرعة ليمنع متطفلا من إفساد اللقاء، تناول المكبر وقبل أن يقدمه، تجمد ثم سقط على ظهره فوق الزرابي المبللة يصارع الموت”.

وأضافت في تدوينة لها: “مر كل شيء بسرعة، ولم نكن نعرف؛ لم نكن نعرف أن الموت كان يطوف حول خيمتنا، ينتظر من يخطو فوق الماء ليضمه إليه، لا أنعيك أخي محسن أخريف بل أنعي نفسي.. لا أبيك بل أبكي نفسي وأنا أرى روحك تلبي نداء الملائكة على بعد خطوة مني.. نحن مجرد موتى تترصد المنون خطواتنا في كل لحظة.. فليرحمنا الله.. ولروحك الطيبة السلام”.

ومحسن أخريف، هو شاعر وكاتب مغربي من مواليد مدينة العرائش عام 1979، حاصل على الدكتوراه في الآداب، صدرت له في الشعر ديوان “ترانيم للرحيل” سنة 2001، وديوان “مفترق الوجود” في 2019، و“حصانان خاسران” التي فاز خلالها بجائزة القناة الثانية الوطنية، و“ترويض الأحلام الجامحة” عام 2012.

الراحل وهو أستاذ العربية بثانوية أم المؤمنين خديجة بتطوان، ومؤسس ورئيس رابطة أدباء الشمال والكاتب الإقليمي لاتحاد كتاب المغرب بتطوان، صدر له في صنف الرواية “شراك الهوى” سنة 2013 ضمن جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب، وفي القصة أصدر “حلم غفوة” سنة 2017، حيث حصل على الرتبة الثالثة لجائزة الشارقة للإبداع العربي عام 2017.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *