وجهة نظر

بسيمة وآمنة..

الإسمان الواردان في العنوان أعلاه هما فعلا لأنثيين، لكنهما ليسا لتوأمين غنائيين خرجا معا من بطن واحدة، كما هو الشأن بالنسبة للفنانتين المحبوبتين “هناء وصفاء”، اللتين تجمعان بين عذوبة الغناء والانسجام في الأداء، وشكلتا بذلك نجمتين في سماء الفن الراقي. ولا هما لثنائي نسوي فكاهي ملتزم، وحريص على تحويل بعض القضايا الاجتماعية والسياسية إلى مادة دسمة للسخرية. بل هما لقياديتين بارزتين في حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية يقود الحكومة لولايتين متتابعتين منذ عام 2012، قال عنه كبيرهم السابق ابن كيران المثير للجدل والذي لقنهم مبادئ “المهاترات”، بأنه هبة من السماء، جاء ليهدي الناس إلى طريق الصلاح ويمهد لهم أسباب الرخاء…

ف”بسيمة وآمنة” كان يوحدهما الحجاب وازدواجية الخطاب قبل أن تفرق بينهما معركة اندلعت شرارتها فجأة عبر الأثير الإذاعي ذات مساء من أيام الجمعة “المباركة”، وهما بسيمة الحقاوي وزيرة التضامن والأسرة والمساواة والتنمية الاجتماعية للولاية الثانية على التوالي في الحكومتين السابقة والحالية، والشهيرة لدى المغاربة ب”وزيرة 20 درهم”، نسبة إلى تصريحات سابقة لها تقول فيها بأن “من يكسب مبلغ 20 درهما في اليوم، لا يدخل في دائرة الفقر”. والبرلمانية آمنة ماء العينين المعروفة ب”تخراج العينين”، التي استعملت الأمانة العامة للحزب ضدها “الفيتو” للحيلولة دون عودتها إلى منصب نائبة رئيس مجلس النواب، على خلفية الجدل الحاد الذي أثاره تداول صورها على نطاق واسع بمنصات التواصل الاجتماعي، والتي تبدو فيها متبرجة أمام إحدى الحانات: “الطاحونة الحمراء” بأرقى شوارع العاصمة الفرنسية باريس.

ولأن الله الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، لا يغفل عن كل كبيرة وصغيرة مما يقوم به عباده من صالح الأعمال أو يقترفونه من باطل الأفعال، وأنه يمهل ولا يهمل الذين تزين لهم شياطينهم المتاجرة باسمه، فقد شاءت إرادته إلا أن تسقط أوراق التوت تباعا عن عورات البعض ممن اتخذوا من اللحى والأحجبة أدوات للتضليل، وجعلوا من الخطاب الديني سجلا تجاريا لإغواء البسطاء والتلاعب بعقولهم ودغدغة عواطفهم، ومطية للعبور الآمن نحو أهم المناصب والمكاسب والحقائب الوزارية. وبعد هذا التذكير السريع، ما هي يا ترى طبيعة المعركة التي اشتعل أوارها بين القنديلتين اللامعتين؟

فحسب بعض العارفين بخفايا الحزب الذي ما انفك قياديوه يدعون الطهرانية ويتبجحون بالقيم الرفيعة وادعاء إصلاح البلاد وتخليق الحياة العامة، أن صراعات خفية كانت تدور بين آمنة وبسيمة، وأن هذه الأخيرة ظلت تترقب المناسبة لتصفية حساباتها مع الأولى، فكان أن وجدت في استضافتها من قبل برنامج إذاعي مساء يوم الجمعة 14 يونيو 2019 فرصة ذهبية، لتوجيه الضربة القاضية لغريمتها. إذ في معرض ردودها قالت بسيمة عن صور آمنة بباريس، بأنها طالما التزمت الصمت ونأت بنفسها عن الخوض في الموضوع، وتمنت بشدة لو أن آمنة تملك الشجاعة الكافية لتكون كما هي، كما تمنت لو لم تكن لها هوية مزدوجة، وتصرح بذلك علانية دون مواربة أو مخافة معاتبة الآخرين لها…

وكانت هذه الكلمات وحدها كافية لتأجيج غضب “النائبة” آمنة، وتعميق آلامها وأحزانها المترتبة عن تلك الضربات الموجعة، التي انهالت عليها من كل حدب وصوب، من القريب والبعيد، ومن الصديق والعدو، والتي مازالت جراحها العميقة لم تندمل بعد. وبما أنه لم يعد لديها ما تخسره بعد انكشاف زيف خطابها وما كانت تمارسه من تقية ونفاق في استقطاب الناخبين وكسب أصواتهم في مواسم الانتخابات، ولأنها شعرت كذلك بأن الحزب بات ينظر إليها كورقة محروقة، فإنها لم تتأخر في رد الصاع صاعين. إذ اختارت أن يكون الرد فصيحا وصريحا في تدوينة لها على صفحتها الشخصية بالفيسبوك، انتقت لها من الجمل والعبارات ما تراه مناسبا في إيصال رسائلها ليس فقط إلى بسيمة، بل إلى أكبر عدد ممكن من أعضاء الحزب وغيرهم، دون أن تتخلى عن خطاب المظلومية في حديثها عما تراه هجمات مغرضة، ناسية أنها فقدت “عذريتها” السياسية منذ أن ألقي عليها القبض متلبسة هناك في عاصمة العطور والخمور، وهي تدوس على شعار زميلاتها “حجابي عفتي”.

لقد حكت “آمنة” عن حملة التشهير الواسعة التي تعرضت لها وشعورها بالخذلان من قبل الكثيرين، وعن اختفاء البيجيديين خلف أسوار المرجعية الدينية، وما أصبح عليه الحزب من إخلالات وتراجعات، تتمثل في الكيل بمكيالين وانعدام الديمقراطية، غياب الشجاعة الللازمة في الكشف عن التجاوزات الداخلية من تحرشات جنسية ومحسوبية وسواهما كثير وخطير. وأنه كان الأجدر بمن ينتقدها الانكباب على محاربة الفقر وكشف صانعيه والمستثمرين فيه، التصدي للمفسدين الحقيقيين وإنصاف النساء ضحايا الإقصاء والتهميش واللامساواة…

ولعل أخطر ما ورد في كلامها والذي لا يمكن اعتباره مجرد “زلة قلم”، هو ما قالته عن عدم السماح لنفسها بالحديث عن عمل “بسيمة” رغم ما في جعبتها من أمور كثيرة، فأين نحن إذن من الموضوعية في مراقبة البرلمانيين للأداء الحكومي؟

فما حدث بين البطلتين بسيمة وآمنة يكاد يشبه إلى حد ما مقولة “إذا اختلف اللصان ظهر المسروق”، وليس المسروق هنا سوى إرادة الشعب في التغيير، حيث اتضح جليا أن الحزب الذي بنى “مجده” على الطهرانية والقيم الأخلاقية، وقيل الكثير عن قوته التنظيمية وتماسك أعضائه وانضباطهم لقوانينه الداخلية وقرارات قيادته، والمتميز بحسن التدبير والحكامة والشفافية والمسؤولية والمحاسبة والديمقراطية… ليس في واقع الأمر سوى حزبا انتهازيا، يرجح قياديوه مصالحهم الذاتية على المصالح العليا للوطن وأبنائه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *