وجهة نظر

عين على “الكان” .. الكرة الساحرة

كرة القدم .. ليست فقط رياضة، هي اللعبة الأكثر شعبية وجماهيرية في العالم، لعبة ساحرة لاتعترف بالطبقات ولا بالانتماءات والولاءات، لعبة تأسر الفقراء والبائسين وتجذب الأغنياء والمحظوظين، تشد الرجال والنساء والشيوخ والكهول والأطفال والشباب اليافعين، تلعب بالعقول وتشد القلوب وتعصف بالأحاسيس، ليس لها حدود أو قيود، توحد الشعوب وتتيح مساحات هائلة للتعارف والتلاقي وانصهار الثقافات والتقاليد والأعراف، تفعل في النفوس فعلتها، لها محبين ومعجبين ومتيمين، تفرح البعض وتغضب البعض الآخر، تحقق النشوة وترفع الهمة وتزيل الغمة، وترسم مسيلات السعادة والبهجة والافتخار على وجوه الصغار والكبار. لعبة ساحرة، قادرة على توحيد شعوب العالم ومد جسور التلاقي بين الحضارات، بعيدا عن هواجس السياسة ونعرات الإثنيات والولاءات ..

لعبة ساحرة .. تستدرك ما خربته السياسة، وما فرضته من صراعات ونزاعات لم تحمل إلا الفتن والحقد والخراب والدمار لشعوب العالم، وتتجاوز ما يفرضه الأقوياء من قوة وتسلط وقهر، وتكالب هستيري على المكاسب والمصالح .. لعبة ساحرة تتجاوز ما هو “كائن” بكل ما يحمله من ظلم وأنانية مفرطة واستبداد خفي ومعلن، وتنقل المحبين والعاشقين إلى العالم المأمول .. عالم المحبة والصداقة والسلام والانصهار الثقافي والفني والوجداني .. بعيدا عن مفردات التعصب أو الإقصاء أو التطرف أو الولاء الأعمى للمذاهب والطوائف أو المصالح الهدامة.. لعبة ساحرة، تحرج الساسة وتفضح كل السياسات غير العادلة التي تصر بكل جشــع وهمجية، على قيادة العالم نحو حافة الإفـــــلاس ..

لعبة ساحرة .. لم تسلم من خبث السياسة ومكر العابثين والفاسدين، وجشع من يؤسره المال وتسكنه الأنانية المفرطة والسعي الأعمى نحو تحقيق المزيد من المكاسب والأرباح .. فأصبحت رهينة السياسة وأسيرة قوة المــال والأعمال، بشكل انتهك وينتهك رقي وكبرياء اللعبة، بضرب الروح الرياضية في الصميم، واختراق قواعد اللعب النظيف والنزاهة والقيم الإنسانية المشتركة، إلى حد أن اللعبة صارت في كثير من الحالات تحت سيطرة الساسة الكبار ورحمة أقوياء المال والأعمــال الذين ركبوا على صهوة اللعبة الأكثر شعبية في العالم، وجعلوها مطية للابتزاز والاستقواء والثــراء، وفرصة للمحاباة والموالاة وإعادة صياغة التوازنات ..

واقع جعل التظاهرات الرياضية الكبرى وعلى رأسها “كأس العالم” تحت رحمة “الأقوياء” و”اللاعبين الكبار”، في إقصاء ممنهج لشعوب عبر العالم، لا سبيل لها إلا “الفرجة” أو”الحلم” بشرف التنظيم، الذي يبدو كالسراب بالنسبة لعدد من البلدان، في ظل سيطرة المال والأعمال على الرياضة وقواعد اللعب النظيف .. ويكفى استحضار، كيف تمت الإطاحة بالمغرب قبل سنوات أمام جنوب إفريقيا في محاولة جريئة للظفر بشرف تنظيم كأس العالم، وكيف تم هزمه أمام الثالوث الأمريكي الشمالي (الولايات المتحدة، كندا، المكسيك)، ويكفي أيضا استحضار ما شاب نهائي عصبة الأبطال الإفريقية بين “الوداد الرياضي” و”الترجي التونسي” من ممارسات، تحيل على “أنفلوانزا” الفساد الذي يحيط بعنق الكرة السمــراء ..

صور وأخرى، تمس بالروح الرياضية، وتحرم عددا من شعوب العالم من شرف تنظيم التظاهرات الكروية الكبرى، وتعيق التنمية الرياضية والكروية بالخصوص في عدد من البلدان النامية، التي تتمتع بسحر كرة القدم، ولاتستفيد من خيراتها وثمارها، لا على مستوى تجويد البنيات الرياضية الكروية وما يرتبط بها من بنيات تحتية، ولا على مستوى تطوير واقع الممارسة الكروية بين الأطفال والشباب اليافعين .. ونختم المقال، بتوجيه البوصلة نحو كأس إفريقيا للأمم الذي تجري أطواره ببلاد الفراعنة (مصر)، وهي مناسبة سانحة، تسمح بطي الخلافات والنزاعات، والاستمتاع بسحر الكرة السمـــراء، القادرة وحدها ليس فقط على احتضان المعجبين والمحبين والمتيمين، ولكن أيضــــا، بتقوية الإحســــــــاس بالإنتمــاء إلى ” أم ” واحــدة، إسمها “مــاما أفريكــا” .. أم عانت الويلات والخيبات عبر التاريخ، وآن الأوان لتحتضن أبنائها وتلملم جراحهــا، في لحظات متعـة وحب، لن تتيحهــا إلا “المستديرة” السمــراء .. إلا “الكرة الساحــرة” .. التي ستبقى “ساحرة” مهما دقت طبول العبث وامتدت سواعد الفســـاد ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *