وجهة نظر

حوار حول الحرية

1 – قال يجادلني : ما الحرية إذا كانت لا تزن القدرة على المجاهرة والتأليب واستنفار الفعل دون حذر أو رقابة.

قلت : الحرية ميزان العقل والإرادة، إذا اختل سقط جوهره، مثل ميزان روبرفال يفقد الوزن فيه الطاقة الكامنة في الجسم بعد بلوغه مسافة ما، وحتى نتمكن من بلوغ الدقة في الوزن لا بد من تحديد نقطة ارتكاز فوق الخط الفاصل بين المحورين الأيمن والأيسر، إذ إنّ هذه النقطة تبدأ بالميلان نحو وزن الصنجة وتستجيب لها. كمثل الحرية تماما، لا بد من تحديد نقطة ارتكاز، هي صلة الوصل بين المسؤولية والاختيار ..

لكن ميزان روبرفال لا يشبه خاصية العقل البشري الإرادي. نحن خلقنا لنتمكن من فعل الأشياء التي نستحقها، بقوة الكينونة وليس بإنكارها! – أضاف معقبا –

قلت : لا توجد حرية بالمطلق، هي نسبية تابعة، وأي انحراف عن هذا النهج يصبح فوضى. موريس ميرلوبونتي أدرك ذلك قبلنا وقال أن معرفة نظام الظواهر يوضح لنا أنّنا منسجمون ومندمجون مع العالم اندماجاً وثيقاً لا يمكن فصله، وبالتالي فإن الوضعية التي نكون فيها تلغي الحرية المطلقة عند البدء بالفعل وإنهائه، وهنا يمكن للإنسان إدخال تعديلات لها علاقة بالإرادة على وضعه الموجود.

أليس من العلة تحجيم قدرتنا على إدراك جوهر الحرية، ما دامت لا تناقض حتمية اختيار أولوياتنا وضروراتنا؟ !

نعم يا صديقي : إن الإنسأن مخير فيما يعلم، مسيّر فيما لا يعلم. أي أنه يزداد حرية كلما ازداد علماً ..

2- لازالت الحريات الفردية تثير الشجون والأسئلة :

هل هناك رؤية أعمى من أن نتكشف عراة على كبة الغزل، نتكور تشديقا وتخرما عن الحقيقة والواقع ..

ما معنى أن نسكن ذوات غيرنا ونحتمي بها وهي جازل عن محاصرتنا بالغلبة والتنطع!

ألهذه الدرجة يمكن أن تسلبنا الوصية الدنية الحقيرة إرادة الاستقلال والقرار والوعي بالمآلات؟

لا نستغرب إذن من أن نكون حساكين لأشواك التفاهة ونظائر التقليد والمماحكة، ونحن نتهجا فرائض الطاعة والولاء على الأم السليطة التي نهكت قوى هويتنا وغرفت

من نسيج وجودنا حتى انفطرت ثمرة القُطْب والسَّعْدَان والهَرَاسِ كما يقال !

ما أقسى أن تعيش في وطن بلا عقل ولا بوصلة ولا قطيعة معرفية .. ولا هم يحزنون؟!

3- إذا كانت الحرية الفردية هي التنكيل بالحرمات والحياة الخاصة فأنا أرفضها.

إذا كانت الحرية الفردية تنبني على تمزيق عرى الأسرة ولحمتها فأنا أمقتها ولا أعترف بها ..

إذا كانت الحرية الفردية هي تحطيم ما تبقى من الحياء وإحالة الأخلاق العامة والأعراف إلى جهنم فأنا أتبرأ مما يحاك ويطبخ إلى أن يثبت العكس ..

المشكل أيها السادة ليس في القوانين، بل في العقليات والممارسات .. وإذا اقتدر المجتمع على ضبط الفهوم الجديدة للحريات، وحال بين التخصيص والتعميم في أكثر قضايا الجدل والنقاش، فسيعود للأصل مهما حادت العقول عن استيعاب الدخيل ..

صدق الشاعر القروي إذ يقول :
نصحتك لا تألف سوى العادة التي .. يسرك منها منشأ ومصير
فلم أر كالعادات شيئا بناؤه .. يسير وأما هدمه فعسير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *