وجهة نظر

ما الذي ننتظره من الجهوية المتقدمة؟

يعبر جل المغاربة عن انشغالهم الكبير، بل تخوفهم، من ازدياد تدهور أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية جهويا ومحليا. وهو ما يدعو كل جهة مسؤولة وطنيا وجهويا ومحليا إلى استحضار السؤال التالي بشكل دائم ومتواصل: ما الذي ينتظره المواطن المغربي من الجهوية المتقدمة؟

بداية، يتوفر الإعلامي والباحث على مجموعة من المعطيات والحقائق التي تمكنهما من ملامسة الإجابة على السؤال المطروح أعلاه. ويبقى الواقع الملموس هو ما يومن به كل مواطن ومواطنة.

فمن جهة، يشكل الخطابان الملكيان المؤرخان في السادس من نونبر 2008 والثالث من يناير 2010، المرجعية الأساسية للجهوية المتقدمة بالمغرب. وقد تلاهما خطابات تفصيلية لما ينبغي تحقيقه لتجاوز اختلالات ونقائص التجارب الجهوية السابقة. وتم، ويتم، التذكير الملكي في العديد من الخطابات آخرها خطاب تخليد الذكرى 44 للمسيرة الخضراء في السادس من نونبر الجاري، بضرورة تسريع وثيرة تنزيل الجهوية المتقدمة لأنها المدخل الحقيقي للتنمية الجهوية.

وينص دستور 2011 على أن التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة. وجاء في الفصل 145 منه، أن العمال والولاة يقومون، تحت سلطة الوزراء المعنيين، بتنسيق أنشطة المصالح اللاممركزة للإدارة المركزية، ويسهرون على حسن سيرها. ويعملون، باسم الحكومة، على تأمين تطبيق القانون وتنفيذ النصوص التنظيمية للحكومة ومقرراتها، كما يمارسون المراقبة الإدارية. ويساعدون رؤساء الجماعات الترابية، وخاصة رؤساء المجالس الجهوية، على تنفيذ المخططات والبرامج التنموية.

وتمت المصادقة على مشروع مرسوم الميثاق الوطني للاتمركز الإداري.

ويعد القانون التنظيمي للجهات (رقم 111.14) متقدما مقارنة بسابقه، حيث يمكن رؤساء ومجالس الجهات من صلاحيات واختصاصات واسعة. وتم إصدار مجموعة من المراسيم التي تفصل ما جاء في هذا القانون.

لكن بالرغم من كل ما تقدم ذكره، للمواطن رأي آخر يقول، إن لا شيء تحقق على الأرض مبررا ذلك بما يراه ويلمسه على أرض الواقع. ولا شك أنه ينبغي فك رموز هذه الرسالة ومثيلاتها بطرق علمية، وذلك من خلال استشارة الخبراء في علوم النفس والاتصال والإعلام والاجتماع.

إن المحقق يرصد موقفين فيما يخص موضوع الجهوية المتقدمة باعتبارها التحدي الكبير بالنسبة إلى المغرب حاليا ومستقبلا. موقف الطرف المقتنع بأن دار لقمان ستبقى على حالها إلى أن تتوفر الشروط الضرورية للتغيير الحقيقي في نظر أتباعه. والموقف الذي يرى أصحابه أن بإمكان المغرب رفع تحديات الجهوية المتقدمة لما له من إمكانيات اقتصادية وبشرية وتجارب (…) وشروطه: تطبيق مضامين ومبادئ الجهوية المتقدمة كما هو منصوص عليها في القوانين السالفة الذكر واعتماد الآليات المحددة لذلك، لبلوغ غاية الجهوية المتقدمة وهي التنمية الجهوية الشمولية.

إن ما ينتظره المواطن المغربي من الجهوية المتقدمة هو:

• الحد من معضلة البطالة في مناطق وعرة مثل الحسيمة والمناطق الصحراوية والمناطق الجبلية، والمدن الكبرى التي أصبحت تنتشر بها ظاهرة الإجرام والسرقة، بالرغم من الجهود المحترمة للمؤسسات الأمنية، وهو ما يؤثر بشكل سلبي عن حياة المواطنين والمواطنات بصفة عامة والسياحة والاستثمار في بلدنا بصفة خاصة.

• توفير الشروط الضرورية للحد من الهجرة إلى الخارج والهجرة الداخلية (خاصة إلى المدن الكبرى).

• استفادة مختلف المناطق الموجودة بكل جهة من الاستثمارات بشكل عادل.

• توفير البنيات التحتية من طرق ومسالك ومستشفيات ومدارس (…). باختصار شديد، توفير شروط تنمية جهوية حقيقية.

إن الشغل والصحة والسكن والعدالة الاجتماعية في التعليم، هي ما يشكل في مجمله كرامة المواطن. وهي شروط الحد من ظواهر الإجرام والحقد الاجتماعي.
وهي الحقوق الطبيعية للمواطن والمواطنة.

وما يحكم عليه المواطن المغربي هو النتائج على الأرض. ولفهم أسئلته، لابد وأن نستحضر في كل مرة ما يقوله المفكر عبد الله العروي في كتابه ” مفهوم الحرية “: ” إذا سمعنا شخصا يطالب بالحرية لا يجب أن نسأله: ماهي الحرية؟ بل: كيف تتصورها الآن؟ “. ولنا أن نستخلص الدرس.

الخلاصة، مازال المواطن المغربي ينتظر بداية التنزيل الفعلي للجهوية المتقدمة في المغرب الموحد. وما ينتظره، هو تحقيق العدالة الاجتماعية في تراب كل جهة وبين الجهات، والإنصات إلى مطالبه وإشراكه في إعداد البرامج والمشاريع التي تلبي حاجياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية جهويا ومحليا.

ولا شك أن التنزيل الصحيح للجهوية المتقدمة، يفرض وجود مجالس جهوية قوية بكفاءاتها وخبراتها السياسية وقوة تواصل أعضائها مع المواطنين والمواطنات. ولذلك، فالأحزاب مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى باعتماد معايير الكفاءة العلمية والخبرة السياسية والتواصل لاختيار ممثليها في الجهات والجماعات. علينا أن نستفيد مما يجري حولنا من تجارب، فلا ديمقراطية من دون الدور الفعال للأحزاب السياسية. ولا ديمقراطية من دون ديمقراطيين.

إن الشباب اليوم، يعرف ما لا يريد لكنه للأسف لا يعرف ما يريد، في غياب الوساطة الحزبية ومع ازدياد عدم ثقته في المنتخبين. وهنا مكمن الخطر. وهو ما يدعو الجميع، دولة ومثقفين وباحثين وإعلاميين وخبراء وأحزاب سياسية إلى التحلي بروح الواقعية، وقيام كل فاعل بدوره كاملا، من أجل الوطن.

من دون ما تقدم ذكره وغيره كثير قد يبدو للقارئ، لا نتصور تنزيلا سليما للجهوية المتقدمة. وبالتالي، لا يمكن الحديث عن التنمية الجهوية والتضامن والتآزر والتكامل (…) بين الجهات.

* إعلامي وباحث.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *