وجهة نظر

ملف الريف بين الخطاب الجريء وتهمة الانفصال

اعلم أن أمر الريف سيبقى مستعصيا على الفهم وادراك كنه الأحداث لما يتسم به من تباين الافكار والمقترحات، بل يمكن الجزم باستمرار هذا الوضع ما لم نقبل بتوضيح الاشياء وتسمية الامور بشكل لا يقبل التأويل ولا التحريف.

سيبقى حراك الريف؛ مهما تباينت رؤى المتابعين؛ صاحب الفضل الكبير في إثارة نقاش سياسي لم يتوقف بعد، لكن ما يلاحظ على مجموعة من المواقف التي صدرت سواء من جهات رسمية أو غير رسمية هو عدم استقرارها على نهج واحد، بل لا يمكن الجزم في تحديد أو تصنيف جل المشاركين في النقاش الدائر الى اليوم لسبب بسيط هو عدم امتلاك الجرأة الكافية في الإفصاح عن ما يستبطن القلب. ولعل أهم قضية قسمت الصف وتباينت خلالها الرؤى هي قضية الانفصال لاسيما بعد الخرجة غير الموفقة للأغلبية الحكومية سنة 2017.

من البديهي إصدار مواقف سياسية بخصوص قضايا حساسة جدا مصحوبة بشيء من الغموض من رجال السياسة، بيد أن هذا الغموض لا يجب أن يكون السائد وفي جميع الأزمنة والأمكنة. ولو قبلنا بشيء من هذا الغموض في أحيان كثيرة، فلا يعني قبوله في قضايا مصيرية للأمة أو للوطن. لذا، المغرب -خصوصا الريف كأحد أجزائه- في أمس الحاجة لمبدأ الصدق وتوضيح المواقف سواء تعلق الأمر بالجهات الرسمية أو غيرها، لطغيان اللف والدوران في جل الخرجات التي تهم ملف الريف.

إلى حدود كتابة هذه الكلمات، لا ندري السبب الرئيسي من هرولة بعض المؤسسات الرسمية ( الاغلبية الحكومية، البرلمان…) الى تثبيت فكرة الانفصال في صفوف نشطاء الريف سواء داخل الوطن أو خارجه لمجرد صدور أي فعل طائش من أحد المحسوبين على منطقة الريف؟  وهذا يبدو جليا عندما ردد ممثلي الامة في البرلمان النشيد الوطني ردا على إحراق العلم المغربي من امرأة نكرة في باريس. حتى ان قُدمت بعض التبريرات فلا ترقى لمستوى تصديقها، لأن مؤسسة البرلمان لا يمكن مقارنتها بناشط سياسي مهما كان، كيف ان تعلق الأمر بامرأة  مصحوبة ببعض الشباب لا يمثلون الا انفسهم. ليبقى لنا الحق في استمرار طرح نفس السؤال، لان الجواب لم يُحسم فيه، بل يوجب علينا المنطق إكثار طرح تساؤلات باحتمال وجود جهة ما تود تكريس فكرة الانفصال أو أنها على يقين بشيء لا نعلمه بخصوص جهات أجنبية تدعم الانفصال. ولكل هذا سنبقى في موقع المتفرج لأن الغموض بلغ مستوى عال جدا يصعب على المواطن البسيط إدراكه.

أما على مستوى الجهات غير الرسمية، سنكتفي الإشارة إلى تصريحات بعض النشطاء داخل الوطن أو خارجه دون ذكر الأسماء لفسح المجال أكثر لدراسة الأفكار لا الأشخاص، لندرك حجم الغموض الذي عُبر عنه في خطابهم والذي لا يختلف كثيرا عن الغموض الذي يشوب تحركات بعض الجهات الرسمية.

منذ انطلاق شرارة حراك الريف بعد وفاة محسن فكري رحمه الله ليلة الجمعة 28  أكتوبر 2016 والذي وري جثمانه يوم الأحد 30 أكتوبر 2016. منذ ذلك اليوم، الساحة السياسية في الريف لم تعرف سكونا، بل كثر الجدال وبرزت فكرة الانفصال بشكل قوي رغم التصريح أكثر من مرة من طرف نشطاء الحراك بعكس ما يُتهمون به، ليكون سببا في صناعة نوع من  الغموض وازدياد التساؤل عن جدوى هذا الاتهام المتكرر. لكن هناك من يُرجع هذا الاتهام للتصريحات التي أُدلي بها إما بشكل صريح والذي يتمثل في توجه بعض النشطاء في أوروبا، أو بشكل غير صريح المتمثل في التصريحات التي توحي بوجود نوع من الفكر الانفصالي؛ لاسيما التي طالب خلالها بعض النشطاء رحيل المخزن وكل مكوناته من الريف ليلة دفن جثمان محسن فكري وبعدها، او تلك الدعوى إلى اسقاط الجنسية والبيعة والحاملة لكل مقومات التمرد او الفكر الانفصالي، أو من استنكر حرق العلم المغربي مبررا ذلك بعدم حصوله طيلة ثمانية أشهر من الحراك تجنبا لاستفزاز أناس آخرين يحبونه أو كالذي قال إن حرق العلم من الحقوق ولكن يعتبر فعل غير مؤيد، ليتحصل لنا أن فعل الحرق ليس  جرما حسب ما يوحي إليه كلامهم، بيد أن الموقف السليم يقتضي التعبير عن تجريم الفعل لأن العلم يرمز لدولتنا وهو المعتمد في دستور المملكة، حتى إن وجد رأي يقول بنسبة العلم إلى المقيم العام لفرنسا في فترة الاستعمار.

ختاما نقول: إن امتلاك الجرأة أصبح أمرا ضروريا للحسم في الصراع والخلاف القائم حتى يتوفر لنا الجو الملائم في تحديد المصيب والمخطئ، وأن الفكر الانفصالي وجب هجرانه وهجران كل داع إليه بشكل لا يدع شك في صفوف المتربصين بوحدة وطننا، لأن الغموض الحاصل يخلق الفرص لكل سيء النية تجاه الريف والمغرب عموما. كما وجب القطع مع فعل تبادل التهم في حالة الاختلاف حيث شهدت الساحة السياسية مؤخرا تبادل تهمة الخيانة بين مجموعة من النشطاء، لأن اتهام الاخرين يحمل في طياته وجود اتفاق سري تم خرقه ونحن لا نعلم عنه شيئا ، بيد أن الناظر إلى الواقع المعيش يدرك قيمة الأمية السياسية التي يتمتع بها كل مُتهِم لإخوانه، بل يجعله يشكك في نوايا المُتَهِمين إن أسقط عليهم منهجهم في تخوين الآخرين. وبهذه المناسبة، نُذكر بكلام قوي قيل في موضوع الوطنية والخيانة وهو مقتطف من الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء: ” ليس هناك درجات في الوطنية، ولا في الخيانة. فإما أن يكون الشخص وطنيا، وإما أن يكون خائنا “.

اللهم ارزقنا الجرأة في التعبير عن مواقفنا مهما بدت مخالفة للرأي الشائع
اللهم ارزقنا المنطق والعمل به

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *