وجهة نظر

الارتجال المحرج: زعماء وقادة أمام فوهة الغضب!

لقد آن الأوان، أكثر من أي وقت مضى، أن يَحْدُوَ الزعماء والقادة المغاربة حَدْوَ قرنائهم الغربيين، في ممارسة فعل الخطابة المكتوب (نقصد المضبوط إلقاءً)، بدل المرتجل، في مخاطبة الجماهير، والكف عن الثقة الزائدة في القدرات المعرفية والكريزمية التي تجاوزت الثقة بها، عند البعض، مستويات مثيرة، أسقطت العديد منهم في زلات لم يمحها اعتذار، و لم يشفع فيها إنجاز. وحولتهم إلى أهداف من كل ما يزخر به القاموس العربي، والأمازيغي، والفرنسي، والعامِّي، من عبارات الغمز واللمز والضحك، بل حتى السب والشتم والقذف والتنقيص، عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبحت تُعِدُّ أنفاس القادة، والزعماء، ومن يتصدرون الناس. ولم تعد تلتمس لهم عذرا، أو تعفو لهم عن زلة.

ولعل السيد بنكيران، رئيس الحكومة السابق، هو الشخصية السياسية المغربية الأكثر إثارة للجدل في تاريخ المغرب السياسي المعاصر، والتي نالت حصة الأسد من الهجوم، بسبب خرجاته الارتجالية التي أسقطته، عشرات المرات، في أتون النقد، والاحتجاج، من “شعب” مواقع التواصل الاجتماعي.

وكلما حاول مُحاوِلٌ أن يسير على هذا المهيع غير المحسوب، إلا ونال منه هذا “الشعب”، الحي والفطن، ما يستحق، وسقط أدراج عشوائية خطابه المرتجل.
فليست الهجومات التي تلقاها السيد بنكيران خلال سِنِّي تقلده لرئاسة الحكومة، ناتجة عن خصومة ثابتة مع هذا “الشعب”، أو صراع أيديولوجي نضح عنه تتبع الهفوات، وتَصَيُّد السقطات، لغاية انتخابية، أو لتصفية تأثر أيديولوجي مع هذا الإسلامي المشاكس، رغم تنوع التعبيرات الفكرية والأيديولوجية والسياسية المشكلة لهذا “الشعب”؛ وإنما هي السقطات المقصودة، وغير المقصودة، التي لا يُقبل أن يصدر نظيرها من مسؤول، يخاطب في الناس عقولهم التي بها يزنون كلاما من إياه، ولا يقبلون أن يَرِدَ عليهم ما يستحمر عقولهم، ويضحك على ذقونهم.

ثم ليس بنكيران وحده من تعرض، ويتعرض، لهكذا هجومات بسبب سقطات عابرة في خطاباته العابرة، كما يحلو لبعض المعجبين أن يقنعونا، ليرتبوا عليها قاعدة “المظلومية” التي ما فتئ بعض الإسلاميين، يلوذون إليها كلما اشتد عليهم الخناق، وفقدوا بوصلة الصواب في ممارسات سياسية، أو قرارات رئاسية، يشتكي منها الشعب؛ ولكن لا أحد من الساسة، يمينا ويسارا، ممن جرب الحديث الارتجالي العشوائي، قد سلم من هجمات هذا “الشعب”، وأُحصيت أنفاس كلماته المنزاحة، عند كل انحراف قدر فيه هذا “الشعب” نزوحا عن انتظاراته، أو مسًّا بكرامته.

فالحرب التي يخوضها هذا “الشعب” ضد سقطات الزعماء والقادة من مدبري شأنه العمومي، حرب عادلة، لا تميز بين يساري، ولا إسلامي، ولا ليبرالي، ولا بين علماني متطرف أو إسلامي معتدل، الكل في عينه سواء. فبقدر الوضع الاعتباري للمسؤول، بقدر الاهتمام بأقواله وأفعاله، وبقدر حجم الهجوم على سقطاته، وإحماء المعارك ضده.

فحينما دعا السيد أخنوش، في خطابه المرتجل الأخير، إلى إعادة تربية المغاربة، وأثار ما أثار من السخط والاستنكار وردود الفعل، بل والمطالبة بتقديم الاعتذار لعموم الشعب المغربي، رغم أن سياق الكلام الذي وردت فيه العبارة إياها، هو حديث عن “طائفة” من المغاربة اعتبرها ضد الثوابت؛ لم يلتفت هذا الشعب إلى مرجعية هذا الزعيم، أوبرنامج حزبه، أوتوجهه الأيديولوجي، كما اعتاد البعض أن يربطوا بين الهجوم على السيد بنكيران ومرجعيته الإسلامية، وإنما انتفضوا لأن ما ذكره هذا الزعيم مسٌّ بكرامتهم جميعا، وشكٌّ في سلوكهم المدني، وتربيتهم العضوية التي ليس لهذا الزعيم أو ذاك، يدٌ فيها، ولا حقٌّ له في تقييمها، حتى يدعي أنها في حاجة إلى إصلاح، أو إعادة إصلاح.

هذا بطبيعة الحال، بغض النظر عن الخلفية الحقيقية وراء هذا التصريح المثير. هل قَصَدَ ما فُهِم منه، أم قَصْدُه غير ذلك؟. حتى كان من تداعياته الهامشية، وغير المنتطرة، ركوب خصوم سياسيين عليه، لتصفية حسابات انتخابية سابقة لأوانها !.

وإنما أوردنا هذه الأمثلة، وغيرها كثير، لنؤكد ما استهللنا به هذا المقال، من أن الساسة والزعماء المغاربة هم أحوج ما يكونون، وأكثر من أي وقت سلف، خصوصا مع اقتراب مهرجانات الخطب الجماهيرية على مشارف ساعة الصفر (2021)، أن يعيدوا النظر في طريقة مخاطبتهم للجماهير، وللشعب عموما، الذي لم تعد تنطلي عليه ديموغوجية الساسة والزعماء، وأن يسيروا على خطى من يحترمون أنفسهم، ويحترمون شعوبهم، من أئمة السياسة، والبلاغة أيضا، من صناديد الغرب، وأساتذة السياسة؛ فيتوسلوا بالمكتوب (المضبوط أفكارا وعناوينَ)، بدل المرتجل غير المحسوب، فيَسْلَموا وتسلَم معهم هيئاتهم…

غير ذلك، ستتوالى السقطات، بقدر الارتجالات، وسيستمر الشعب، إياه، في تحمية وطيس الحرب ضدهم، وضد هيئاتهم، حتى تفقد المصداقية مصداقيتها !.
و في الأثر :” مَنْ كثُر كلامه، كثر سَقَطُهُ، ومن كثر سَقَطُه قلَّ حياؤه” (عمر ابن الخطاب – ض-).

وفي الحديث: “خير الكلام ما قل ودل”. ومما جرى على لسان الحكماء:” كلامك كدوائك إن قللت منه شفيت، وإن أكثرت منه قتلك”.

دمتم على وطن.. !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *