وجهة نظر

الأسئلة الكبرى في المشروع المغربي التنموي الجديد؟ (2)

-الحلقة الثانية: سؤال في المنهج

نمضي في التحليل والاجابة على اسئلتنا المتعلقة بسؤال التنمية وعلاقتها بالمنهج، أي منهج للتنمية بالمغرب، وماذا نقصد بالمنهج وهل كنا نملك منهجا في التفكير والتخطيط ام كانت هناك مناهج متعددة تقارب إشكالية البناء والتخطيط والتنمية بالمغرب ،هل نحن أوفياء للمنهج الذي بقي سمة عملنا وتفكيرنا ،ام أننا نتوخى التوفر على أنموذج مغربي مميز بخصوصياته وتراكماته المعرفية والتاريخية ،فلا النموذج الغربي كان شافيا لنا من مانعانيه من إشكالات منذ الاستقلال ،وحتى سؤال التنمية في حد ذاته تفكر فيه وتضع له مبادئه مؤسسات دولية كانت مالية او اجتماعية ،وهي التي تقارب رغم بعد المسافات ،ضمن سياق عولمة المنهج.

وما دمنا جربنا السؤال في البداية وهو فعل الفلسفة فان ازدواج سؤال المنهج ،يتعلق أولا بهويته أي هل مجرد قواعد او أشكال أم انه أنموذج يتسم بالفعالية والبناء والاثر ،أي يتوفر على الدلالة والفكر والرؤية ؟وهل نحن أمام مناهج متعددة أم أننا أمام منهج واحد.وما العلاقة بين المنهج والتفكير المنهجي ؟ واهمية السؤال وارتباطه بالجدوى والجودة ،وهنا نتساءل كم من البرامج والمشاريع التي قدمت على أنها علاج لمشكلة وانفقت فيه الجهود والأموال والوقت ،وسرعان ما ثبت لنا انها فقط كانت انطباعات وتأملات بعيدة عن الواقع ،والسبب هو غياب رؤية منسجمة مع مايتطلبه هذا الوضع من جهود وعمل وتفان. ولذلك نصطدم مع مجموعة من الابعاد المرتبطة بالبعد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي لإشكالية المنهج.

-التنمية ومنهجية التفكير الابداعي

يتأسس المنهج على قدر قدرتنا على التفكير الإبداعي، أي هل نحن قادرين على التحرر من التقليد، ولذلك فمنهجية الابداع لفكرنا هو تحصيل القدرة على الإحاطة بمقتضيات أنواع ثلاثة من المنهجيات :المنهجية التكاملية والمنهجية التداولية والمنهجية الحجاجية ،أو بثلاث مستويات من التحليل والتفكير المنهجي .

حيث ان المستوى الذي نحتاج اليه للإحاطة مرتبط بالمنهج التكاملي المميز للتراث الإسلامي ،كما أن المستوى الثاني ويتعلق بالمنهج التداولي المستخدم في الصنعة الفلسفية أو التفكير الفلسفي ،والمستوى الثالث والمرتبط بالمنهجية الحجاجية المتضمنة في الصناعة المنطقية .

فاذا أخدنا بالمنهج التكاملي الذي يقتضي منهجية واضحة في تقويم التراث بحمولاته ومرجعياته وذلك بفقه المنهاج التكاملي الخاص بهذا التراث ،مما يقتضي الابتعاد عن الاحكام المتسرعة والدعاوي الفكرانية التي اطلقها بعض من خاض في تقويم التراث ،لذلك نحن بحاجة الى التمكن من مقومات البحث والتقييم لتراثنا لنقدمه على مضامين وأنساق في حقل المعرفة.واذاكان المنهج التكاملي بتحيزه وانسجام أداءه في فعل التنمية ،فان المنهج التداولي الذي أساسه هو فعل الفلسفة والتفكير الفلسفي بما يضمن حماية الخصوصية والطابع المتميز للتراث المغربي ،فان كان التراث الغربي له ابداعه الخاص ،فانه يتوجب علينا كذلك النظر في تراثنا وفق صنعة فلسفية من منطلق علمي ،أي ان مشروع التنمية كورش للتفكير بوصفه جهدا نظريا ينبغي أن تضطلع به أجيال مجتمعة من الباحثين والمفكرين من أجل استكشاف المنهجية التي صيغت بها ،وكذلك استعمالها بما يتناسب وتحصيل أسباب الابداع .

وهذه القراءة للتراث المغربي الأصيل بانفتاحه على جميع مكوناته سواء كانت إسلامية أو عربية أو أمازيغية أو أي مكون تاريخي له أثر وسبق في الـتأثير الحضاري باستحضار لمستوى المنهج الحجاجي الذي يقتضي تقويم منطقي لتراثنا ،ولذلك فبقدر حاجتنا الى استئناف عطائنا الإبداعي بقدر ضرورة توفرنا على القانون الذي هو أصلا من أصول وجود المنطق ،ولذلك أضحى القانون هو المبحث الذي تمت داخله صياغة الشرائط والمقتضيات النظرية التي تضع ضوابط “المنهجية الحجاجية “،وعليه فان سؤال التنمية مثل جميع الأسئلة منبتها ارض غير مغربية ولكن بمنظور التقليد للمنقول الحداثي الغربي نؤوله ونفكك كما فككه غيرنا ،سواء أصابوا أم أخطاوا.

وامامنا طريقين يحتاجان الى الفهم والادراك بين من يدعوا الى فصل تام بين التنمية والأخلاق على اعتبار انها من اجتهادات العقل المجرد، وهذا المنهج منفصل ومعرض عن القيم الدينية التي تؤطر المجتمع المغربي ،وفيه يتم ممارسة نوع التسلط على الخلق في صورة “تسيد ” واعتبار السلطة الأخلاقية هي سلطة القانون الوضعي ،وفي منحى ثاني نجد المنهج الاصولي الذي ينافح على صلة الوصل بين التنمية والأخلاق وهي نتاج للأخذ بآفات “العقل المسدد “ونفس الامر صاحبه يمارس تسلطا من نوع آخر بقيود وضوابط القانون الفقهي،والاصل في انه لايتنازع المرجعية الإلهية ولكنه يعتبر منهجه استخلاف في الحكم على الخلق.

وفي سؤال الكيفية تصبح المقابلة بين الثقافة والحضارة فيكون مقابلا لهما من وجوه مخصصة، وهنا تصبح عملية التثقيف وهي ليست سوى عملية تكوين وتوجيه يتمان بحسب قيم وطنية .

ولذلك فنحن امام ورش تثقيف عام على قيمنا الوطنية والتاريخية، لأنها قيم مطلوبة وأصبحت مرغوب فيها ،فكم سيكون من الافيد لنا ونحن نخط مشروعا تنمويا جديدا ونستحضر فيه رأسمالنا اللامادي بمقومات تراثية عريقة ،وهذا التراث الذي هو ميراث لقيم إنسانية مشتركة في جغرافية مغربية متوسطية .

ومكون الحضارة المغربية هو جزء من الحضارة الإسلامية العربية والتي هي جملة من المضامين والوسائل الخطابية والسلوكية التي تحدد الوجود الكسبي للمسلم العربي على مقتضى قيم إنسانية مرغوب فيها أو مطلوب العمل بها ،أي قيم إنسانية معتبرة .

وسؤال يحضرني هل الثقافة المغربية أخص من الثقافة الإسلامية العربية أي هل تذوب فيها باعتبارها جزء منها او انها مستقلة بخصوصياتها وتعدد مداركها ومرجعياتها؟
فحينما نتحدث عن الثقافة فهي سلوكات وخلاصات لما اكتسب في الوجود الإنساني ،ولا غرو ان الانتماء المغربي هو لبنة في سياق تاريخي الى الخصوصية الإسلامية ،ولذلك فهذا الخليط المتجانس من الثقافات سواء ما قبل الاستعمار أو ما بعده يفرض علينا حتمية الفصل والمحافظة على كل ثقافة بعينها ضمن المجال الجغرافي المكاني .

وفي بحث عن سؤال المنهج يأتي شرط التخصص في التخصيص الذي ماهو الا اشتغال بالتراث من حيث هو حقيقة نصية، فالنص التراثي اذن هو الذي يعنينا بالأساس، مع استعمالنا لفظ “النص “في مدلوله الاوسع فلا نقتصر على الدلالة على السلوك العملي أي الأفعال، فالفعل نص كما ان القول نص ،الا ان الأول نص سلوكي ،والثاني نص خطابي.

سؤال المنهج ينقلنا الى مفهوم التجديد في كل النظم والبنى والسياسات التي ماهي الا خلاصات لما نفكر فيه، ولذلك ونحن في بحثنا على هذا التائه الذي حير عقلنا الطفولي ،يضع لنا امران اساسيان وهما :

الامر الاول هو ان التجديد هنا ارادي وليس لداع يدعو اليه فيكون التقليب لتراثنا بمافيه من تنوع في النظم والقوانين والسياسات تقليبا يصل الى عمق جوهره وكينونته.

والامر الثاني هو ان فعل التجديد لا يكون تغييرا مباشرا لا سبب معه، وانما يكون تغييرا يتوسل بأسباب محددة، فهو تجديد متسبب أي لأسباب تغير هذا الشيء تغييرا قد يبلغ أقصاه.

المنهج والقانون

وعن سؤال المنهج يحضر بجانبنا اول مرتكز في بناء النموذج التنموي هو هذا الذي يسمونه بالقانون أو صلب الدولة وعمودها. فالقانوني قد يكون رجل دولة او مشتغل في عالم الاعمال أو يمتهن مهنة لها علاقة بالقانون ،فهو نمط الحياة المعاصرة وقياس الأمم وتقدمها .

فهل أزمتنا أزمة قانون أو أزمة تتعلق بمنهج هذا القانون؟ وبتحليل أكثر دقة هل نملك منهجا خاصا في اخراج قوانين والتي ماهي الا تعبير عن افكارنا وخلاصات مشاريعنا التي نعكف على إخراجها سواء في لجن مؤسساتية أو في شكل برامج قد تكون غربية المصدر لكنها مغربية التنزيل، ولذلك فما العلاقة التي تربط بين الباحث في المنهج والقانوني؟ وحينما اتحدث عن الباحث في المنهج فهو مشتغل في بحر الوسائل العقلية والمعرفية مثله مثل المنطقي الذي يشتغل على الأدوات العقلية التي يتخذها “موضوعا “يمارس عليه عمليات عقلية خاصة ليصل الى تحديد اشكال مختلف الأدوات العقلية المشتركة والى ترتيب قواعدها ووضع شروطها وقيودها، اما القانوني فهو يشتغل على الأدوات العقلية المشتركة للوصول الى أغراضه التنظيمية.

فمن يفيد من المنهج او القانون؟ يجب ان نعترف بان السؤال في هذا المجال قد يفرض علينا ان نفترض ان المنهج يفيد القانون على مستوى الممارسة الاستدلالية أي انه لا يمكن ان تكيف مجالا ما بدون منهج وهذا المجال تنظيمه يكون تنظيما قانونيا أو تأويليا او تطبيقيا. وكذلك فان القانون الذي هو مجموعة من القواعد الضابطة قد يفيد المنهج من خلال الممارسة الآلية.

ولذلك فالأسئلة التي تطرح على المستوى التشريعي ،ماهي الا نماذج للسلوك الذي قد يجلب الضرر والفساد للمجتمع ان لم تنظم بالقانون؟وهنا يتحتم علينا وفق حاجتنا للتنظيم أن نبحث عن الإجابة في القانون باعتباره مجالا للتفكير الاجتماعي المبدع ،أي ان القانوني يملك منهجا يشتغل به وهو متميز لأنه يعالج الظاهرة الاجتماعية بلغة قانونية واضحة ،أي انه يمارس تفكير استدلاليا حيث أن مشكلة ما في مجال ما تفرض بناء على قناعة مؤسساتية ان تظم وفق نص خاص وهذا السلوك الذي يسمى التشريع ،فان القانوني يقوم بعملية استدلالية لكي يبرهن على ان من شأن ترك الفراغ القانوني ان يشكل خللا في بنية المجتمع وتطوره.

ورغم ان التشريع في عملنا والذي اصبح تراثا قانونيا يحتاج الى التحيين والتقييم لمسايرته للوضع وليبقى قادرا على الإحاطة في دلالته التنظيمية، ولكي يبقى السؤال واضحا، هل نحن بحاجة الى منهج في عملية التأويل والمحاكاة للتشريع الذي ماهو الا صورة مصغرة لنمط تشريعي مؤسساتي غربي ،أي اننا هنا لا نقوم بعملية التفكير المبدع بل نحن فقط امام عملية تاريخية مستمر منذ الاستقلال وهي تقليد تشريعي ،أي ان عنصر التنمية يفقد محتواه وتصبح مؤسساتنا أجسام مصغرة لمؤسسات كبرى ،نرتبها وفق ما تم تنظيمه وبرمجته لنا .

ولذلك يبقى سؤال المنهج والقانون ،في حقل التفكير الإبداعي حقا يفرض نفسه في سؤال وتحدي التنمية وإخراج نسق جديد من التفكير لما بعد 2020.
المنهج وأصول الفقه

لا يمكن ان اقنع الاخر بان هذا العلم بحمولاته الدينية والجمعية التي تتأسس على البحث عن القواعد الكلية التي يتوصل بها الى استنباط الاحكام الشرعية الجزئية من الأدلة التفصيلية الشرعية، ولذلك فنحن في بحثنا على المنهج لا بد ان نتعرف على ان هذا العلم الذي قواعده الكلية تتأسس عليها نظم وسياسات وقوانين ،ورغم حمولتها الفقهية الدينية الا انها قواعد مازالت صامدة بقوة هذا العلم ،”الاصل في الأشياء الاباحة “”الفعل يجب لوجوده المقتضي وينتفي لوجود المانع”و”لاضرر ولا ضرار”.

كما ان في حقل هذا العلم نجد الاستنباط الذي عبارة عن منهج يتم به الانتقال من دليل الى مدلوله، وهو ما يسمى بالاستدلال. وهو في منحى آخر جهد أو تفكير عقلي ينزل المستنبط منزلة المجتهد ،حتى ان الفرق بين المقلد والمجتهد يقوم في كون المقلد يقف عند حدود حفظ النصوص وتأويل السلف بين المجتهد يضيف الى ذلك التمكن من ادوات الاستنباط بمعرفة شرائط الحدود والبراهين ووجوه تركيب القضايا والاستنتاج منها .وما فيد في بحثي عن المنهج هو ان طريق المقلد لا علم فيه ولا منهج بل هي سلوك الطفل في النظر والمحاكاة أي دون ان يفكر او يحرك حاسة من حواس عقله ،بل قد يغيب عن الوعي ويكون في حالة اللاوعي ويمارس تفكيرا تقليديا بشكل يخالف المنهج العلمي والمنطق القانوني في التفكير.

ولذلك فحاجتنا لعلم بقواعده الصارمة في جميع المناهج سواء كانت اجتماعية او قانونية أو سياسية وحتى البحثية منها فهي تنحو من نفس القواعد التي ينحو منهاهذا العلم الاصولي،أي ان القواعد الكلية والاستنباط ولو بحثنا في تجارب أمم سبقتنا في التنمية والتنظير والتفكير فإنها قد أخدت بهاته القواعد ولكن بدرجات متفاوتة .

وهنا يبدأ الحديث عن حداثة علم أصول الفقه لكي يكون علما حديثيا وعصريا وهنا يأتي دور الباحث في المنهج العلمي، أي ان ورش الحداثة سينمي كل من يشتغل على هذا العلم على اعتبار انه يتوفر على نظريتين اشتدت حاجة الباحثين المعاصرين اليهما وهما: نظرية الحجاج التي ترتكز على المناظرة، ونظرية التداول التي تبحث في مقاصد الخطاب.

ونحن نشاهد مناظرات علمية وسياسية في دول متقدمة اما بمناسبة الانتخابات أو في الحوارات المدنية، فهذا الزخم الإعلامي الذي تدار به تلك المناظرات دليل على نمو فكر وتحول في المعرفة الإنسانية، ولذلك أسلوب الاقناع عن طريق الخطابة هو أسلوب أصبح سمة العصر الحديث، ولذلك يمكن ان نؤسس لمنهج حجاجي مغربي اصيل نحي به تراثنا الحضاري والعلمي والمعرفي ومادمنا نتفاعل مع مشروع التنموي الجديد فانه يمكن ان تكون بداية لتأسيس او إعادة الاعتبار للمنهج الاصولي في الفكر والحجاج والنقاش.

كما انه سيسهل علينا الانفتاح على حقول من المعرفة العلمية على اعتبارانه يتسم بالتكاملية أي انه يجمع بين شعب علمية مختلفة في تركيب متآلف ومتماسك ونحن نبحث في هوية هذا العلم فان ابوبا مختصة يشملها وخاصة : الميتورولوجيا او علم المناهج والذي يعرف بطرق الاستنباط وترتيب الأدلة ،وكذلك الأبستمولوجيا أو فقه العلم ويسميه الشاطبي بفقه الشريعة ،وعلم اللغة الذي يختص بدراسة أصناف الدلالات وعناصر الكلام ،وكذلك علم المنطق الذي يدرس قوانين الأحكام وقوانين الاستدلال ،وكذلك علم الحجاج الذي يعنى بقوانين الجدل والمناظرة .

ونحن نناقش في هذا الصرح العلمي نقف امام قولة طه عبد الرحمان التي تلخص إشكالية التنمية في المغرب حيث اننا صرفنا على التعلم والتكوين في علوم الوسائل وهي مدخل لتجديد الاهتمام بعلم الأصول لكي نخرج من وصف الانغلاق على مضامين النصوص وحدها الى وصف الانفتاح على طرق انشاء وتطوير وتبليغ المضامين، أي مفيدا في إقامة البحث المضموني على البحث الآلي، وعند بلوغ هذا المقصد سوف نكون قد بدأنا في سلوك مسلك الاجتهاد والتجديد، وحينها يصبح سؤال المنهج حاضر في مخيلة من يشتغل في الابداع والتفكير العلمي.

المنهج والسلطوية

قد يكون من المسلم ان إشكالية المنهج تختلف في سياق طرحها لذا ماطرحت في السياق العربي والمغربي ،لانها مرتبطة بالقيم وتمتلاث المجتمع لأنها تعترض على تطبيق المنهج الغربي وخاصة القيم الدينية ،رغم ان محاكمة الدين على انه عائق في تنزيل المنهج الغربي سواء في التنمية أو في مناحي الحياة سيكون نوع من الظلم للتراث وللنص الديني ،فقراءاتنا للتراث بالمنهج الذي اعتمدناه هو المشكل وليس الدين ،لأن نظرتنا في المغرب مثلا للدين تختلف في نظرة المشرقي العربي وتختلف كذلك في نظرة غير العربي ولو انهم طبيعتهم مشرقية أو غربية .

وهنا نقع سواء كنا في دائرة نقد الدين او نقد المنهج الغربي في السلطوية أي الدفاع عن القيم وهو الذي جعلنا نستبدلها بسلطوية القيم على المنهج ، والذي يظهر في جامعات المجتمعات السلطوية و مراكزه البحثية..

ومن مظاهر أزمتنا اننا في سؤالنا على المنهج تحول من أداة إجرائية للدراسة و التنقيب العلمي إلى موضوع للدراسة البحثية نفسها، تحت مسمى “البحث في المنهج” تحت ذريعة تسرب الذاتية إليها.فعوض تقديم حلول وفق أي منهج نؤمن به أو نقتنع بقواعده وتكون غنى في فكرنا الإبداعي ،فان وقت يقطع من أجل دراسات أو بحوث اكاديمية تجعل مادة المنهج هي المادة العلمية او الفلسفية هي محور النقاش واشكالية البحث .

وحالنا كحال العديد من النماذج التي اختارت العيش على مائدة الآخر وهو نوع من التلاشي فيه، والاكتفاء بمجرد اجتراره أو محاكاته وهو قتل لروح الابداع فينا .
والسؤال المحير والذي يريد ان يجيب عليه مشروعنا التنموي الجديد هو: فيما يكمن الإشكال ـــــ الذي يفسره تخلفنا ــــــ أفي المنهج التنموي أوفي المؤسسات التي تصوغه وتنفذه وتقوم بتتع وتقييم آثاره ومؤشراته؟ ام أننا نحتاج الى استحضار السياق الذي نحن ندور حوله ولانقدر ان نكون من قادته.

المنهج و السياق
أدرك علماؤنا على اختلاف المعارف التي اشتهروا بها ما للسياق من أهميَّة بالغة في جميع العلوم والمعارف. وفي عصرنا وحينما نتحدث عنه يراد به” السياق المعاصر أو الدولي ويعني الوضع العالمي الراهن بتغيراته وبما يتميزبتغيرفي نظم ومنظومة قيم. وامام هذه الثورات العقليَّة والعلميَّة والمنطقيَّة والصناعيَّة والتقنيَّة، كل منها قد أدّت إلى إحداث كم هائل من العلاقات وغيرها والتي سادت العالم باسره ولدت نظرة مغايرة لما كان وتغيرت المناهج في التحليل والافكار.

والغرب بدوره تحول في فهمه لهذا السياق المعاصر لما سمي بسياق ما بعد الحداثة ولعل ما يهمنا منه الآثار التي ترتَّبت على السياق السابق له، وهو “سياق الحداثة” خاصَّة في مجالات العلم والفكر والثقافة والجوانب الحضاريَّة المختلفة.

فهل نحن نعيش سياق الحداثة أم سياق ما قبل الحداثة ، وهذا “السياق المعاصر” لم يشكل تحدياً لنا في حقل واحد من حقول المعرفة، أو جانب واحد من جوانب الحياة، بل شكَّل تحدِّياً شاملاً عامَّاً لا يمكن أن يواجه إلاّ بما يقدِّم استجابة عامَّة شاملة لذلك التحدِّي توازيه في القوَّة، وتخالفه في الاتجاه.

وهذه العلوم أو المعارف هي التي يعتمد عليها في تكوين علماء الدين أو “التديُّن” من إمامة وخطابة وتدريس وإفتاء وقضاء في مجالات خاصَّة.

إنّ “التحدّيات” التي تواجه هذه العلوم والمعارف وحملتها تحدِّيات كثيرة وخطيرة ومتنوِّعة في الوقت نفسه وهي تحدِّيات داخليَّة وأخرى خارجيَّة، ومحليَّة وعالميَّة.

فالقراءة السياقيَّة” قراءة أقوم لمنهج اعادة بناء الأمة وإخراجها من أزماتها، انطلاقا من منهج التكوين بالقرآن الذي مارسه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهي تنأى بنا عن القراءة وفقاً للتصور الكونيّ الماضويّ السكونيّ التاريخانيّ. كما تنأى بنا عن المنطق اللائكيّ المنسوب إلى الحداثة أو ما بعد الحداثة في دراسة اللاهوت.

وهي قراءة تساعد على الكشف عن السنن الكونيَّة والاجتماعيَّة والقوانين التي تحكم حركة التاريخ والمجتمع والأمم كافة. وهي تساعدنا في الكشف عن الغايات والمقاصد التي رسمها الله تعالى لحركة الكون والإنسان والحياة في تفاعل وجدل لا ينقطع حتى تصل البشريَّة إلى غاية حدّدها العليم الخبير.

وبالقراءة السياقيَّة‌” نستطيع أن نلتمس سبيلنا لإعادة البناء و “بتقديم موضوع السياق” إعادة تعليم أبناء أمتنا كيفية القراءة الميسّرة، والتدبّر الحكيم والقراءة التي تتسم بالقدرة على بناء المرونة والحيويَّة في شخصيَّة الأمَّة، وتحقيق الفاعلية، والإرادة والعزيمة لإحياء عوامل التجدّد والدفع العمرانيّ، وإعادة بناء طاقات الأمَّة، في إطار يسمح بتحديد العلاقات بوضوح، بين الثابت والمتغيّر، وهي في الوقت نفسه تعلّمنا كيفيَّة التلاوة “حق التلاوة”؛ تلاوة أولئك الذين إذا تلوا آيات الله أو تُليت عليهم آياته، زادتهم إيمانا فانطلقوا، ويقينا فنهضوا، وعلى ربهم توكلوا في تصحيح مسار الأنفس، وتقويم بناء العقول، وارتياد الآفاق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *