وجهة نظر

الجمهور الرياضي والمسؤولية الملقاة على عاتقه

1 – لم يعد يُنظر إلى الأنشطة الرياضية بمختلف تجلياتها كممارسات ثانوية هامشية غير “مجدية” ، مقارنة بالإنتاج السياسي و الاقتصادي و الثقافي المألوف ، بل أضحت الرياضة و نخص بالذكر لعبة كرة القدم مكونا محوريا من مكونات الإقلاع التنموي الحضاري ، إنها قطاع منتج و حيوي إلى أبعد مدى في راهن الحياة العامة . و لكي يظل هذا المعطى الفني الديناميكي حاضرا بقوة في حركية مجتمعنا لا بد من تدخُّل كل الأطراف المعنية بالممارسة الرياضية ببلادنا : من الوزارة الوصية و الجمعيات و التنظيمات الرسمية ذات الصلة ، فضلا عن المكاتب المسيرة للأندية و الأطقم الإدارية و التقنية و اللاعبين .. و يشكل دَوْرُ المساندين محورَ العملية الرياضية و قلبَها النابضَ بالعطاء و الاستمرارية . فإلى أي حد يمكن القول بأن الجماهير الرياضية موفقة في أداء مهمتها المرتبطة بالتشجيع و الدعم المطلوبين ؟ أو بالأحرى ماذا يُنتظَر من المساندين لفرقهم المفضلة كي يكونوا عونا حضاريا لا يمكن الاستغناء عنه في المنجز الرياضي بحصر المعنى ؟

2 – ما من شك في أن أي مقابلة كروية تحديدا مهما علا شأنها الفني ، لا يمكن أن تحظى بالحدَب و العناية الإعلامية الجادة في غياب شبه كامل للجماهير التي تساهم في خلق الفرجة ، و ملء المدرجات بالأهازيج المؤثرة و الأغاني الحماسية البليغة و اللوحات الحاملة للرسائل الأخلاقية الرفيعة ، و تجب كل ما من شأنه أن يلحق الألم بالآخر من شعارات عنصرية أو عرقية أو متشددة . و الملاحظ أن الناديين المغربيين الذين يُتابَعان بأعداد محترمة من الجماهير المشجعة ، سواء داخل القواعد أو في ملاعب الفرق المنافسة هما الرجاء و الوداد البيضاويان ، ربما بفضل مشاركتهما الفعالة في مختلف المنافسات الوطنية و الإفريقية و العربية ، و إنجازاتهما الفنية المتميزة ، في حين تمر أطوار جل اللقاءات الكروية الوطنية الأخرى أمام مدرجات شبه فارغة مما يُفقدها جمالية الأداء و متعة المتابعة ..

3 – يفترض في الجماهير الرياضية الرفيعة ذات الحس الحضاري السليم ، أن تناصر ناديها في السراء و الضراء كما يقال ، في مراحل التوهج و الإشعاع و المنافسة على الألقاب و البطولات الوطنية و الإقليمية و القارية ، و في مراحل التراجع الفني و تذبذب النتائج و غياب الاستقرار الإداري و الفني . الجماهير الرياضية ذات المقام العالي هي التي تهتم بمستجدات فريقها و ترجو له المكانة المرموقة ، عبر الحضور الوازن في المدرجات و المؤازرة المستندة إلى القيم الإنسانية النبيلة ، من قبيل التسامح و المحبة و الأخوة ، و الحفاظ على ممتلكات الملعب و مرافقه و جماليته ، و التغني بأحلى الأهازيج المطابقة للذوق السليم و الثقافة الاجتماعية المشتركة ، مع الاحترام التام و المطلق للفريق المنافس و رموزه و تاريخه و أنصاره الذين يتمنون له النصر و التوفيق أينما حل و ارتحل ..

4 – الجماهير الرياضية التي تحظى بتقدير الجميع هي التي تسعدُ لانتصارات فريقها و تغضب لسوء نتائجه و ضعف أدائه على أرضية الملعب ، لكن ليس بانتهاج مسلك الشغب و العنف و الهتاف بكل ما يخدش الحياء و المروءة ، بل عبر وسائل متحضرة ، مثل رفع لافتات تحمل رسائل هادفة و مناديل بيضاء للتعبير عن عدم الرضى على المنجز التقني أو الإداري .. الجماهير الرياضية النموذجية هي تلك التي تساهم في الدفاع عن مصلحة ناديها عبر اقتراحات و أفكار و انتقادات مسؤولة و مفيدة ، و تقدم صورة عظيمة للساكنة و المدينة و الوطن و الإنسانية ؛ صورة الوئام و التضامن و قبول الآخر ، مع الأخذ بعين الاعتبار ، كل الاعتبار أن الفوز في المنافسات الرياضية لا يقتصر فقط على إحراز النتائج الإيجابية ، بل و أيضا و ربما بشكل أكثر عمقا على الروح الرياضية الاستثنائية و الرابطة الأخوية المتينة ، فجميل أن نفوزَ نتيجةً و أداءً ، لكن الأجمل أن يتبلورهذا الفوزُ المحدودُ في مناخ حضاري موسوم بالمحبة المتبادلة الكبيرة !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *