اقتصاد، مجتمع

“العمران”.. بنايات مغشوشة وأوراش متوقفة ومشاريع ملكية مهددة بالفشل

تتخبط مجموعة “العمران” في مجموعة من المشاكل وتوجه لها اتهامات بالجملة، حول تعريضها حياة مواطنين للخطر، وعرقلة مشاريع ملكية ناهيك عن تشريد مئات الأسر والعمال، ولا تخص هذه الفضائح مدينة واحدة دون غيرها بل تنتشر على طول ربوع المملكة.

المجموعة التي تعرف نفسها أنها “ذراع الدولة في مجال الإسكان والتهيئة الحضرية”، تفجرت في وجها خلال الشهور الأخيرة مجموعة من القضايا المتعلقة بـ”التماطل” و”عدم أداء مستحقات شركات أخرى”، إضافة إلى “بيع شقق وبنايات مغشوشة” لمواطنين راغبين في إنهاء أزمتهم مع السكن.

أحفير.. بنايات “مغشوشة” بأحفير

تداول مواطنون مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، يشتكون من تشققات وتسربات مائية بعملية “البساتين” في مدينة أحفير، مطالبين المسؤولين بالتدخل العاجل من أجل تعويضهم في أموالهم أو إصلاح الأضرار التي قد تهدد سلامتهم.

وتوضح الفيديوهات التي اطلعت جريدة “العمق” عليها، وجود تشققات بليغة بالجدران، وكذا تسبب المياه المتسربة في سقوط أجزاء من السقف في أكثر من شقة.

متضررون وناشطون طالبوا في تصريحات متفرقة بـ”محاسبة” مدير “العمران الشرق” معتبرين أن الشقق التي تم بيعها للمغاربة بمثابة “محاول قتل عن سبق إصرار وترصد”، لأن البنايات “مغشوشة” و”مهددة بالانهيار” في أي لحظة.

مراكش.. مشاريع ملكية معرقلة

وفي الوقت الذي تشتكي ساكنة مجموعة من الأحياء بالمدينة العتيقة بمراكش، من تأخر أشغال التبليط والتثمين، ويشتكي صناع حرفيون من تأخر إعادة تسليم محلاتهم التجارية والفنادق، علمت جريدة “العمق” من مصادر شديدة الاطلاع أن السبب راجع بالأساس إلى شركة العمران، التي تسببت في “عرقلة” 4 برامج أشرف الملك محمد السادس على تدشينها وإطلاقها.

ويتعلق الأمر ببرامج “مراكش الحاضرة المتجددة”، و”تأهيل المسار السياحي”، و”تأهيل المسار الروحي”، ثم “تثمين المدينة العتيقة بمراكش”، وكلها برامج أشرف الملك على تدشينها وتم توقيع الاتفاقيات الخاصة بها أمامه بمدينة مراكش، فيما أوكلت مهمة التنفيذ والتنزيل فيها إلى شركة العمران.

مصدر شديد الاطلاع، أفاد لجريدة “العمق” أن الشركة الشبه العمومية المذكورة “تتخبط” في جملة من المشاكل والارتباك الإداري منذ تعيين مدير جديد لوكالة مراكش، وأنها “أضاعت عددا من الوثائق المتعلقة بالتعاقد مع الشركات التي تمت مناولتها الأشغال المتعلق بالبرامج بالأربعة”.

وأضاف مصدر جريدة “العمق”، أن العمران رفضت أداء مبلغ وصلت قيمته إلى 165 مليون درهم لإحدى الشركات التي تمت مناولتها جزء كبير من الأشغال وأتمت ما يزيد عن 80 في المائة من المطلوب، غير أن “تماطل” العمران في أداء المستحقات والتي تم رصد ميزانيتها والتأشير عليها من قبل المصالح الوزارية المعنية تسبب في توقيف الأشغال.

مصدر آخر فضل عدم ذكر اسمه، قال في حديث مع جريدة “العمق” أن إحدى الشركات اضطرت إلى تسريح ما يقارب 600 عاملا بسبب “تماطل” العمران عن أداء ما بذمتها من مبالغ مالية لفائدة الشركة طيلة سنة 2019، وهو ما تسبب للأخيرة في مشاكل مالية ويهددها اليوم بـ”الإفلاس” بسبب إنجاز مشاريع دون الحصول على المستحقات.

تسلطانت.. تأخر واتهام بالاختلاس

أما في جماعة تسلطانت المحاذية لمدينة مراكش، فقد اشتكى عشرات المواطنين بينهم مغاربة مقيمون بالخارج، من “تماطل” شركة العمران بمراكش في تسليمهم بقع أرضية اقتنوها منذ ما يقارب خمس سنوات، كما طالبوا بإنصافهم وتوضيح مصير أموالهم وملفاتهم.

وحسب المعلومات التي حصلت جريدة “العمق”، فإن الموضوع يتعلق بمشروع “الوئام” الذي أطلقته شركة العمران بجماعة تسلطانت، على المستوى الطريق الرابطة بين مدينة مراكش وجماعة أوريكا، وباعت الشركة جل البقع الأرضية غير أن المشترين مازالوا لم يتسلموا بقعهم بعد.

وأفاد متضررون في حديث لجريدة “العمق” أنهم تواصلوا عدة مرات مع الشركة دون فائدة، فيما تفاجؤوا من إغلاق الوكيل التجاري المعتمد من طرف العمران هاتفه في وجههم، حيث لم يعد يجيب على اتصالاتهم، هذا في وقت عاينت جريدة “العمق” أن العمران مازالت تعتمد الوكيل التجاري نفسه في المشروع المذكور كما هو معلن على موقعها الرسمي.

الشركة المذكورة سبق لها أن تعهدت في جواب على شكاية الكترونية عبر موقعها الرسمي، صدرت بتاريخ 20 ماي الماضي، بحل المشكل في أجل أقصاه 4 أشهر، غير أنها ولحدود اليوم لم تلتزم بالموعد رغم انقضائه بما يزيد عن 3 أشهر إضافية.

ولم يخف المتضررون تخوفهم من تعرضهم لـ”النصب” في المبالغ البقع الأرضية الذي أدورها بالكامل، والتي تتراوح حسب الموقع الرسمي للشركة بين 28 و146 مليون سنتيم، مؤكدين أن “سبل التواصل مع مسؤولي العمران انقطعت ولا أحد يجيب على تساؤلاتهم”.

أكادير.. معاناة طويلة الأمد

في ملف لا يختلف كثيرا عن ملف تسلطانت، خرج عشرات المواطنين للاحتجاج في مدينة أكادير، يشتكون من عدم تسليمهم شقق اقتنوها من شركة العمران ضمن مشروع “طريق الخير9” و”طريق الخير14″، مؤكدين أن أغلبهم أكمل أداء ثمن الشقة دون أن يتمكن من الاستفادة منها.

ضحايا المشروع المذكور طالبوا بتدخل المجلس الأعلى للحسابات وفتح تحقيق في القضية، مشددين على أنهم “يعيشون بين مطرقة الاقتطاعات البنكية وسندان تماطل دام لست سنوات.

ورفع المحتجون شعارات قوية أمام مقر الشركة، وصدحت حناجرهم بها، لإيصالها للمسؤولين، من قبيل “يا مجلس الحسابات أجي تشوف الاختلاسات”، و”لا سكن لا تعمير غير الفساد والتهميش”، و”فلوسنا هاهي شققنا فينا هي”، و”الصفقات بالمئات والمشاريع كلها فشلات”، و”يا مدير يا مسؤول باراكا من التماطل”.

 دمنات.. مجزرة بيئية

بالرغم من شعاراتها الداعية إلى المحافظة على البيئة، باشرت “العمران” أواخر سنة 2019، أشغال تجزئة جديدة بجماعة إمليل بالقرب من دمنات بإقليم أزيلال بعد اجتثاث حوالي 340 شجرة كانت متواجدة منذ عشرات السنين بمكان التجزئة.

وطالب مواطنون في تصريحات متطابقة لـ”العمق” بفتح تحقيق نزيه وشفاف حول كيفية تفويت هذه القطعة الأرضية، التي تعتبر رئة الحي الإداري، خلال تسعينات القرن الماضي لفائدة شركات همها الأول والأخير هو “الربح المادي السريع”، وفق تعبيرهم.

ولم تستجب الشركة لنداءات هيئات عديدة من المجتمع المدني بجماعتي دمنات وإمليل التي أصدرت في وقت سابق بيانا تستنكر من خلاله عزم الجهات المعنية بيع ما يزيد عن 340 شجرة كاليبتوس وصنوبر موجودة بالحي الإداري بجماعة إمليل، لقطعها تمهيدا لبناء تجزئة سكنية مكانها.

واستنكرت الجمعيات الموقعة على البيان ، الذي اطلعت العمق على نسخة منه، ما وصفتها بـ”القرارات التعسفية واللامسؤولة” في حق البيئة والمتنافية مع مخرجات العديد من المواثيق الدولية التي وقعها المغرب والمتعلقة بحماية البيئة والحفاظ على المجال الطبيعي؛ وعلى رأسها اتفاقية باريس للمناخ، حسب ما جاء في البيان.

وتساءل الموقعون على البيان عن جدوى سن قوانين ومراسيم وإصدار مواثيق جزرية وكذا صرف ملايير الدراهم في شأن الحفاظ على البيئة وتثمينها في الوقت الذي ما زالت تمارس فيه مثل هذه الجرائم البشعة في حق الطبيعة.

وكانت الجمعيات قد طالبت بالتوقيف الفوري والآني لقرار بيع وقطع الأشجار التي عمرت أزيد من مائة سنة بالحي الإداري إمليل، محملة المسؤولية إلى من وصفتها بـ”الجهات المسؤولة” فيما ستؤول إليه الأوضاع في حال تنفيذ هذا القرار، على حد تعبير البيان.

بودربالة.. إرث عمق الأزمة

أما في مركز بودربالة التابع ترابيا إلى جماعة أيت بوبيدمان بإقليم الحاجب، فقد ورث مواطنون مشاكل عمرها أكثر من 40 سنة، بعد إدماج شركة “لابيطا” ضمن مجموعة العمران، ورفض الأخيرة تسليم أصحاب المساكن شواهد إدارية تثبت ملكيتهم، وذلك بالرغم من أداءهم جميع الواجبات منذ سنة 1984.

الرئيس السابق التهامي العثماني لجماعة سبع عيون، قال في تصريح لجريدة “العمق”، إن هذا المشكل قائم قبل  تقطيع 1992 الذي أحدثت بموجبه جماعة أيت بوبيدمان، رغم تقديم العديد من المراسلات والشكايات للمسؤولين في حل هذا المشكل الكبير الذي أزم المنطقة في التنمية.

وأضاف العثماني، في البداية كانت شركة “لابيطا” قبل إدماجها بشركة العمران، بحيث كان هناك مشكل بين صاحب الأرض أحد أعيان القبيلة المسمى قيد حياته الخلادي الغوتي الذي وهب الأرض لإقامة منازل سكنية لفائدة الفقراء لمن لا تتوفر لذيهم منازل، لكن الشركة تراجعت في وعدها مع صاحب الأرض وقامت ببيعها للعموم فرفض تفويت الأرض لها، وتدخلت إدارة الأملاك المخزنية بتفعيل قانون نزع الملكية لفائدة العمران بعدما رفض صاحب الأرض بإتمام تفويت مساحة الأرض المعنية في التجزئة، وأدت للعمران القيمة المالية الإجمالية في العملية بحسب محضر موقع بين الأطراف المعنية بتاريخ 16 دجنبر 2013 في اجتماع بقيادة أيت بوبيدمان.

رئيس جماعة أيت بوبيدمان عزيز العمود قال في تصريح “للعمق” إن جماعته عقدت العديد من اللقاءات المارطونية مع العمران في سنوات خلت لإنهاء هذا المشكل الذي طال أمده لعقود لكن دون جدوى، و”يجب عليها تحمل مسؤولياتها في هذا الملف للتسوية العقارية لفائدة زبنائها في تسليمهم شواهد البيع النهائية، وهذا المشكل يشكل عائقا كبيرا في التنمية الإقتصادية لبودربالة بموقع التجزئة السكنية الإستراتيجي وسط المركز”.

وتابع “ونحن بدورنا وجهنا اليوم الإثنين رسالة أخيرة في الموضوع إلى الشركة تحت إشراف السلطة المحلية في الموضوع، قبل الخوض في إجراءات أخرى تصعيدية في إرغامها بالتسوية العقارية النهائية لمنازل السكان”.

 تامنصورت.. مشروع ولد معاقا

أما مدينة تامنصورت المحاذية لمدينة مراكش، والتي تعد أول مشاريع “المدن الجديدة” ومهد مجموعة العمران فتعد العنوان الأبرز لفشل المجموعة، حيث أن المدينة التي مازالت إلى اليوم تقع ضمن نفوذ جماعة قروية، ولا تتمتع بأي من خصائص الوسط الحضري.

وتنتشر في “المدينة القروية” مجموعة من الأماكن الخالية التي تعد ملاذا لـ”قطاع الطرق” و”المدمنين على المخدرات”، كما تغرق مجموعة من أحياء “المدينة” في الظلام الدامس، وتعاني من الانقطاعات المتكررة من الماء والكهرباء.

الواجهة الرئيسية للمدينة الواقعة على الطريق الرابطة بين مراكش ومدينتي الجديدة وآسفي، كلها عبارة عن “فيلات مهجورة”، مازالت لم تسكن رغم مرور ما يزيد عن 10 سنوات على تشييدها، بسبب اختلالات رافقت عملية البيع ووصلت إلى القضاء.

ويشتكي قاطنو عمارات عدة بحي الجوامعية من تسربات مائية أسفل البنايات، مما يهدد العمارات بالانهيار في أي لحظة، وأرجع مطلعون على الوضع المشكل إلى “سوء نوعية” القنوات التي تربط العمارات بالماء الصالح للشرب.

البرلمان.. الأزمة داخل القبة

مشاكل وفضائح العمران وصلت إلى قبة البرلمان، حيث هاجمت فرق برلمانية الشركة، وذلك خلال جلسة انعقدت شهر دجنبر الماضي، وحملوها مسؤولية اختلالات في برامج إعادة الإسكان والسكن الاقتصادي والاجتماعي، وكذا تعثر مشاريع مدن بدون صفيح وبرامج أخرى.

وشدد البرلمانيون في الجلسة التي حضرتها وزيرة إعداد التراب الوطني نزهة بوشارب على ضرورة الانضباط للقوانين ومعايير الجودة والشفافية.

وانتقد فريق التجمع الدستوري بمجلس النواب برنامج مدن بدون صفيح رغم بلوغ المبلغ الإجمالي للبرنامج منذ إطلاقه أزيد من 25 مليار درهم، منها 10 ملايير من أموال الدولة، موضحا أن هناك حاجة اليوم لاستفاد 420 ألف أسرة.

الحكومة.. تقرير يقر بالفشل

تقرير صادر عن وزارة الاقتصاد والمالية، سجل تأخرا كبيرا لمجموعة “العمران” في برنامج إنجاز المدن الجديدة، وهي تامسنا بالرباط، وتامنصورت بمراكش، وشرافات بطنجة، والساحل الخياطية بجهة البيضاء، الذي أعطيت انطلاقته سنة 2004، والذي يعزى بالأساس، إلى بطء في إنجاز التجهيزات العمومية، وإلى غياب إطار قانوني يمكن من حماية هذه المدن في مجال التعمير من المضاربة.

كما سجل التقرير، بطئا في وتيرة إنجاز البرامج ذات الأولية، خاصة فيما يتعلق ببرنامج القضاء على دور الصفيح والذي لم تمكن وتيرة إنجازه من تحقيق الأهداف المسطرة منذ سنة 2004 ، نظرا للتزايد المستمر في أعداد هذه الساكنة التي بلغت 416 ألف نسمة مع نهاية 2018.

وبخصوص هدم دور الصفيح، فقد قامت المجموعة، وفق التقرير، بإنجاز 64 في المائة من الأهداف المتوقعة، أي 3861 وحدة تم إنجازها مقابل 6000 وحدة متوقعة، مسجلة بذلك تراجعا نسبته 25 في المائة مقارنة بسنة 2017.

وبدروها، يضيف التقرير ذاته، عرفت المساكن ذات القيمة الإجمالية المنخفضة، تعثرات كبيرة على مستوى الإنجاز، وإلى حدود نهاية سنة 2018 لم يتم الشروع سوى في بناء 54 ألف و896 وحدة، وإنهاء أشغال 42 ألف و865 وحدة، أي بمعدل إنجاز قدره 43 في المائة، و33 في المائة، على التوالي، للأهداف المسطرة المتمثلة في إنتاج 129 ألف و138 وحدة عند نهاية سنة 2012.

كما لم يعرف البرنامج المخصص للطبقة الوسطة المتعلق ببناء 3680 زحدة سكنية بالنسبة للشطر الأول، سوى إنهاء بناء 582 وحدة سكنية والشروع في بناء 1505 وحدة سكنية، وذلك مع متم 2018.

وأظهر التقرير، أن رقم معاملات المجموعة، سجل تراجعا بنسبة 9 في المائة، منتقلا من 5048 مليون درهم سنة 2017، إلى 5021 مليون درهم سنة 2018.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *