وجهة نظر

“قانون الأرشيف” وسؤال “البحث العلمي”

قراءة في المادة 18

الأرصدة الأرشيفية (1) في شموليتها، ما هي إلا وثائق حاملة لمعلومات متعددة المستويات، عاكسة للممارسة السياسية والإدارية والاجتماعية والتربوية وغيرها، وإذا كانت قيمة هذه الوثائق ترتبط ارتباطا وثيقا بالماضي من خلال توثيقها للثقافة والتاريخ والتراث والهوية والذاكرة الجماعية، فهي في ذات الآن، تلامس الحاضر وتربط جسورا آمنة نحو المستقبل، لما لها من ترابطات وثيقة مع الحقوق والحريات والحداثة وما تقتضيه من قيم كونية مشتركة (شفافية، مكاشفة، مسؤولية، محاسبة، عدم الإفلات من العقاب، سيادة القانون …)، وقد أكد المؤرخ الفرنسي “جاك ديريدا” في هذا الصدد : ” ليست مسألة الأرشيف متعلقة بالماضي فحسب (…) إنها أيضا مسألة المستقبل، مسألة المستقبل بالتأكيد، مسألة جواب ووعد وشعــور بمسؤولية بنــاء الغد ” (2) ، وسواء جنحت هذه الوثائق الأرشيفية نحو الماضي (تاريخ، تراث، هوية، ذاكرة) أو ارتبطت بالواقع الذي أنتجها، أو ساعدت على رسم معالم المستقبل، فأهميتها أو قيمتها رهينـــة بالأساس، بمدى إتاحتها للجمهور في إطار الحق في المعلومات (3) ورهينة بالأساس بجعلها قوة دافعة ومحركة لآليات البحث العلمي، القادر وحده دون غيره، على تحويل الوثائق الأرشيفية من بعدها “الصامت” أو “الخام”، إلى وثائق حية حاملة لإنتاجات علمية وثقافية وتراثية، قادرة ليس فقط على تحقيق “أرشيف القرب” عبر ”آلية الإتاحة للجمهور”، بل وإبرازه للعموم، وفق مقاربات علمية رصينة، تتحقق معها غايات المعرفة والإشعاع والمساءلة والشفافية والمسؤولية والمحاسبة وغيرها، وعليه، سنحاول من خلال هذا المقال، ربط “الأرشيف العامة” بآليات “البحث العلمي”، بشكل يسمح بالتساؤل عن مدى تكريس القانون المنظم للأرشيف العامة (4) للبحث العلمي، وهو سؤال مشروع، النبش في حفريات الجواب عنه، يقتضي مساءلة المادة 18 التي تفردت عن غيرها من المواد، بإثارتها لموضوع البحث العلمي، في سياق تفكيك حق “الاطلاع على الأرشيف العامة”(5) (الباب الثاني، الفرع الثاني).

– إتاحة متعددة الآجال (30 سنة، 60 سنة، 100 سنة) :
قبل قراءة مقتضى المادة 18، نشير إلى أنه واستقراء لمقتضيات القانون المنظم للأرشيف، وتحديدا المادتين 16 و 17، يلاحظ أن المشرع الأرشيفي أتاح للجمهور، حق الاطلاع على الأرشيف العامة بكل حرية، بعد انصرام أجل “ثلاثين سنة” من تاريخ إنتاجها (6) ، لكنه في ذات الآن، رفع – من خلال المادة 17 – “أجل الإتاحة” على التوالي إلى “ستين سنة” ( إذا كان من شأن الاطلاع على الوثائق، المساس بأسرار الدفاع الوطني، استمرارية سياسة المغرب الخارجية والداخلية، أمن الدولة أو السلامة العامة أو سلامة الأشخاص، المساطر القضائية والمساطر التمهيدية المرتبطة بها، وكدا سريرة الحياة الخاصة) و “مائة سنة” (ابتداء من تاريخ الإحصاء أو البحث، فيما يتعلق بالوثائق التي يتم جمعها في إطار الأبحاث الإحصائية للمرافق العامة، والمشتملة على معلومات مرتبطة في مجملها بالأفعال والتصرفات الخاصة) (7) ، لكن واستثناء من أحكام المادتين (16 و 17)، تضمنت المادة 18 “استثناء” على مستوى “الإتاحة”، ربطه المشرع الأرشيفي بأغراض البحث العلمي.

– استثناء المادة 18 :
نصت المادة 18 على ما يلي : “استثناء من أحكام المادتين 16 و17 أعلاه، يمكن أن تسمح “أرشيف المغرب” لأغراض البحث العلمي، وبعد موافقة الإدارة الأصلية، بالاطلاع على الأرشيف العامة، على ألا يمس ذلك بأسرار الدفاع الوطني أو أمن الدولة أو الحياة الخاصة”، وبالقدر ما شكلت هذه المادة “استثناء” – مقارنة مع أحكام المادتين 16 و17-، عاكسا لإرادة المشرع في إتاحة الأرصدة الأرشيفية أمام الباحثين لأغراض البحث العلمي، بالقدر ما نؤكد أن المادة ذاتها، جاءت حاملة لطابع الاستثناء، بعدما ربطت “الإتاحة”- لأغراض البحث العلمي – بتوفر شروط معينة، يمكن قراءتها من خلال الحاليتين التاليتين :

الحالة الأولى :
-الشرط الأول : موافقة الإدارة الأصلية المنتجة للوثائق.
-الشرط الثاني : ألا تكون إتاحة الوثائق الأرشيفية، من شأنها المساس بأسرار الدفاع الوطني أو أمن الدولة أو الحياة الخاصة.
الحالة الثانية :
– أن تكون موافقة الإدارة الأصلية، مرتبطة أو متوقفة على شرط “عدم المساس بأسرار الدفاع الوطني أو أمن الدولة أو الحياة الخاصة”.

– ملاحظات نقدية حول المادة 18 :
سواء تعلق الأمر بالحالة الأولى أو الحالة الثانية، يمكن إبداء الملاحظات التاليـة :

– المادة نصت على أن مؤسسة أرشيف المغرب “يمكن أن تسمح …لأغراض البحث العلمي …”، وهي صيغة “اختيارية” مفتقدة لطابع “الوجوب” أو “الإلزام”، تعطيها إمكانية “السماح” بالاطلاع على “الأرشيف العامة” (بعد موافقة الإدارة الأصلية، عدم المساس بأسرار الدفاع الوطني أو أمن الدولة أو الحياة الخاصة) أو “عدم السماح” بذلك، بمعنى، يمكن للمؤسسة تفعيل المسطرة ذات الصلة بالإتاحة أو العمل على تعطيلها لأي سبب من الأسباب.

– السلطة الممنوحة لمؤسسة “أرشيف المغرب” لإتاحة الوثائق الأرشيفية لأغراض البحث العلمي، هي سلطة مقيدة بشرطين : أولهما: موافقة الإدارة الأصلية (المنتجة للوثائق) وثانيهما: عدم مساس الوثائق المتاحة بأسرار الدفاع الوطني أو أمن الدولة أو الحياة الخاصة.

– شرط “موافقة الإدارة الأصلية”، قد يرى فيه البعض، تجريدا لمؤسسة “أرشيف المغرب” من المسؤولية والصلاحية وعدم الاعتراف بأهليتها القانونية والتقنية (الخبرة) في إبداء الرأي أو الموافقة، وقد يرى فيه البعض الآخر، أن العودة إلى “الإدارة الأصلية” لأخذ موافقتها أو عدم موافقتها بإتاحة الوثائق للباحثين، هو ضربة موجعة للموضوعية والحياد والشفافية والمسؤولية والمحاسبة، بمعنى آخر، أن الوثائق الإدارية، وإن وضعت تحت سلطة “أرشيف المغرب” باعتبارها “أرشيفا نهائية”(8) ، فإن الإدارة المنتجة لها، تمتلك سلطة التحكم في موضوع إتاحتها للباحثين، وفي هذا الصدد، نرى أن ربط الإتاحة بموافقة الإدارة الأصلية، هو إفراغ للأرشيف العامة من أداء أدوارها، خاصة تلك المرتبطة بالشفافية والمساءلة والمسؤولية والمحاسبة.

– المشرع الأرشيفي، كرس سلطة “الإدارات الأصلية” على الوثائق التي كونتها أو أنتجتها، رغم تصنيفها في إطار “الأرشيف النهائية”، وهذا ما نصت عليه المادة 14 التي أكدت بشكل صريح، أن الوثائق المسلمة إلى “أرشيف المغرب” ومصالح الأرشيف العامة الأخرى، تظل موضوعة رهن تصرف الأشخاص والإدارات والمؤسسات التي قامت بتسليمها (9)، وهذا يسائل حدود سلطة “أرشيف المغرب” على الأرشيف النهائية، في ظل مقتضى قانوني صريح، يضع الوثائق المسلمة تحت تصرف الجهات التي كونتها أو أنتجتها.

– منح “الإدارة الأصلية” سلطة إبداء الموافقة من عدمها، يفتح شهية السؤال عن الأسباب الموجبة للموافقة أو المنع، قد يقول قائل أن المسألة مرتبطة بشرط عدم ملامسة الوثائق لأسرار الدفاع الوطني أو أمن الدولة أو الحياة الخاصة، إذا كان الأمر كذلك، فلماذا عمد المشرع إلى إضافة هذا الشرط؟ مادام فعل “الموافقة” أو “عدم الموافقة” مرتبط في الجوهر بنوعية الوثائق الأرشيفية المطلوب الاطلاع عليها من قبل الباحث، ومدى ملامستها أو عدم ملامستها لقضايا الدفاع الوطني والأمن والحياة الخاصة.

– إذا كانت “موافقة” الإدارة الأصلية رهينة بعدم المساس بأسرار الدفاع والأمن والحياة الخاصة، فيمكن التساؤل عن الجهة التي تتوفر على أهلية تقدير هذا المساس، وما يزكي شرعية التساؤل، ما أورده المشرع من صياغة مشوبة بالغموض والضبابية مفتوحة على كل الاحتمالات (“على ألا يمس ذلك بأسرار الدفاع الوطني أو أمن الدولة أو الحياة الخاصة”)، فهل “الإدارة الأصلية” هي صاحبة الاختصاص؟ أم أن “أرشيف المغرب” لها “الأهلية” القانونية والتقنية والمهنية، لتقدير طبيعة الوثائق التي تدخل في خانة أسرار الدفاع والأمن والحياة الخاصىة.

– إذا كانت “الإدارة الأصلية” هي من يملك “سلطة الموافقة” أو “عدم الموافقة”، والتي تستند على “سلطة تقدير” مدى ملامسة الأرشيف لأسرار الدفاع والأمن والحياة الخاصة، فيمكن التساؤل من يملك هذه السلطة؟ هل المصالح أو الأقسام القانونية؟ هل هي سلطة حصرية للمدير؟ أم لا مناص من الرجوع إلى الوزارة الوصية على القطاع …؟ وفي هذه الحالة، نرى أن دور “أرشيف المغرب”، لن يتجاوز حدود مراسلة الإدارة الأصلية لاستصدار موافقتها أو عدم موافقتها، بشكل يجردها تماما، من سلطة تدبير أرشيف عامة، هي من يحتضنها ويدبرها.

– إذا كان موضوع تقدير أسرار الدفاع والأمن، قد يقتضي موافقة الإدارات المنتجة للوثائق الأرشيفية، وربما مراسلة أجهزة أمنية أو إدارية عليا، فهل موضوع تقدير مدى ملامسة هذه الوثائق للحياة الخاصة، يتطلب أيضا موافقة الإدارة الأصلية، أم أن “أرشيف المغرب” لها أهلية قانونية ومهنية لإبداء الرأي بشأن بعض الوثائق المرغوب الاطلاع عليها من قبل الباحثين (موافقة، عدم الموافقة)، بل وحتى لإبداء الرأي والموقف، بشأن الوثائق ذات الصلة بالدفاع الوطني والأمن الداخلي والخارجي …، من منطلق أهليتها القانونية وخبرتها الأرشيفية وبعدها “الاستراتيجي”، الذي يمنحها رؤية رصينة، قادرة على تقدير خصوصيات كل وثيقة أرشيفية، إذا كان الأمر كذلك، فمن يملك “الأهلية القانونية”؟ هل مدير المؤسسة بشكل حصري؟ أم المصلحة أو القسم القانوني؟ أم أن “البعد الاستراتيجي” للمؤسسة، يتيح لمديرها ربط الاتصال المباشر أو مراسلة الأجهزة الأمنية والادارية العليا (رئيس الحكومة، وزراء، أجهزة أمنية …) من أجل المشورة أو التنسيق أو استصدار الموافقة أو عدمها ؟.

– سواء تعلق الأمر بسلطة حصرية للإدارات الأصلية في إبداء الموافقة من عدمها، وتقدير مدى ملامسات الوثائق الأرشيفية المرغوب فيها لأسرار الدفاع أو الأمن أو الحياة الخاصة، أو بدور محوري في ذلك، لمؤسسة “أرشيف المغرب” باعتبارها الذراع القانونية والمؤسساتية للأرشيف العامة، يمكن التساؤل عن المساطر التي تتبعها “أرشيف المغرب” لاستصدار “رأي” الإدارات الأصلية (موافقة، عدم الموافقة)، ثم التساؤل حول مدى قدرة هذه الإدارات الأصلية على تبرير قراراتها خاصة في حالة “المنع” أو الرفض”، ونفس السؤال، يمكن عكسه على “أرشيف المغرب”، في حدود ما تضطلع به من “سلطة”.

– المشرع الأرشيفي من خلال المادة 18، أشار إلى جهتين لا ثالث لهما، ويتعلق الأمر بالجهة الأصلية (المكونة أو المنتجة للوثائق) و “مؤسسة أرشيف المغرب”، بينما أغفل الإشارة إلى الجهة الثالثة المعنية بشكل مباشر بالإتاحة (الباحث)، وفي هذا الصدد، نرى أن المشرع الأرشيفي التونسي (10) كان أكثر وضوحا، إذ أتاح بدوره الإمكانية للباحثين للاطلاع على الأرشيف العام لأغراض البحث العلمي، قبل انصرام الآجال المنصوص عليها في الفصلين 15 و 16، لكنه بالمقابل، ربط عملية الإتاحة بشروط ثلاثة لاتدع مجالا للبس أو التأويل، أولها “مد المستفيد لإدارة الأرشيف الوطني بشهادة في الموضوع صادرة عن المؤسسة الجامعية التي ينتمي إليها”، ثانيها “إلزام المستفيد بأن لا يمس بالطابع السري للحياة الشخصية، فيذكر مثلا، أسماء الأشخاص والأحداث التي لها علاقة بذلك الجانب أو بسلامة الوطن”، وثالثها “الحصول على رأي الإدارة التي أنشأت الوثائق حول طلب الاستثناء”، وكلها إجراءات مسطرية، كان يفترض على المشرع المغربي، أن يحرص على تضمينها، إزالة لكل لبس أو غموض أو إبهام، وتيسيرا لعمليات البحث العلمي، لا تقييدا لها.

– خلاصــة :
وفي جميع الحالات، فإذا كان “الشكل” يوحي أن “المشرع” قد أطلق العنان للبحث العلمي، بإتاحته للأرشيف العامة لأغراض البحث العلمي من خلال المادة 18 – دون التقيد بمقتضيات المادتين 16 و17-، فإن ما وضعه من “تقييدات”، يجعل “المقتضى” – من حيث الجوهر-، فاقدا لقيمته، مادامت هذه “التقييدات” تضع الدارس أو الباحث، وجها لوجه، أمام الشروط والضوابط المنصوص عليها في مقتضيات المادة 17، من حيث آجال إتاحة الأرشيف العامة للجمهور (60 سنة، 100 سنة)، وهي شروط وضوابط، تنقل “الباحث” بشكل قسري، من “استثناء المادة 18” إلى “استثناءات المادة 17″، بشكل يجعله متساويا مع عموم الجمهور فيما يتعلق بالآجال القانونية للإتاحة، ذات الصلة بالوثائق الأرشيفية التي تلامس الدفاع الوطني والأمن الداخلي والخارجي والحياة الخاصة…، وماعدا هذه الاستثناءات، فالباحث، يمكن أن يطلع لأغراض البحث العلمي، على كل الوثائق الأرشيفية بدون قيد أو شرط طبقا لمقتضى المادة 18، كما أن شروط “أسرار الدفاع الوطني” أو “الأمن الداخلي والخارجي” أو “استمرارية سياسة المغرب الخارجية” أو “الحياة الخاصة”، تترك حالة من الغموض والارتباك، في ذهن عموم الجمهور وخاصة الباحثين منهم، على مستوى الجهة أو الجهات التي تتوفر على “أهلية” تقدير الشروط المذكورة، وحدود تدخل كل جهة في ذلك، وما يترتب عن ذلك من إجراءات مسطرية، تبدأ قطعا بتقديم الباحث لطلب الاطلاع على الوثيقة الأرشيفية وتنتهي باستصدار “رأي” الإدارة الأصلية، وإذا كان المشرع التونسي قد نجح في توضيح الرؤية كما تمت الإشارة إلى ذلك سلفا، فإن المشرع المغربي، يبقى مطالبا، بإعادة النظر في مقتضى المادة 18، بشكل يسمح بتحديد صلاحيات كل جهة (أرشيف المغرب، الإدارة الأصلية) في إطار تحديد المسؤوليات، والتدقيق أو التفصيل في شروط الإتاحة، على غرار ما قام به المشرع التونسي.

وقبل الختم، نؤكد أن الباحث، لما ينقل من استثناء المادة 18 إلى الاستثناءات الواردة في المادة 17 (في حالة إذا كانت الوثائق تلامس الدفاع الوطني أو الأمن الداخلي والخارجي أو الحياة الخاصة)، ينطبق عليه ما ينطبق على عموم الجمهور، فيما يتعلق بآجال الإتاحة (60 سنة، 100 سنة)، ويمكن في هذا الإطار، التساؤل عن قيمة البحث العلمي، بعد مضي “ستين سنة” أو “مائة سنة” أو أكثر عن “الحدث”، وفي هذه الحالة، ستكون الأبحاث المنجزة غارقة في عوالم التاريخ ومتاهات التراث، ونرى أن الشروط المفروضة، من شأنها أن تبعد الباحث قسرا، عن توجيه فكره وقلمه، نحو القضايا الراهنة، وهذا، سيجعل من الأرشيف العامة، مجردة من قيمتهتا الحقوقية والحداثية (شفافية، مكاشفة، مسؤولية، محاسبة، عدم الإفلات من العقاب، سيادة القانون …)، وببساطة، يمكن التساؤل كيف نحاسب مسؤولا، بعد مضي ستين سنة أو مائة سنة أو أكثر؟ وكيف، يمكن الرهان على “الأرشيف العامة” لتكريس ثقافة الشفافية والمسؤولية والمحاسبة، في ظل مقتضيات قانونية، تضع شروطا واسعة وفضفاضة، تقيد بشكل كبير حركية الباحثين، وتحد من حماسهم في نفض الغبار عن القضايا الراهنة؟ بشكل يحرم عموم الجمهور من حق الاطلاع على ما يكون أو ينتج داخل الإدارات العمومية ..

ونؤكد في الختام، أن المشرع الأرشيفي المغربي، راعى حق الدولة في المحافظة على أسرار دفاعها وأمنها الداخلي والخارجي، وحق الأشخاص في حماية حياتهم الخاصة، على حساب حق المجتمع في الحصول على المعلومات، وحق الباحثين في الوصول إلى الأرشيف العامة لأغراض البحث العلمي، وهذا من شأنه أن يحرم المواطن من حق المساءلة والمحاسبة، ويبعد الفاعلين السياسيين والإداريين من دائرة الســؤال، بعد أن مكنهم (المشرع الأرشيفي) من مسافة زمنية كبيرة (60 سنة، 100 سنة)، تسمح له بالعيش في هناء ودون قلق ، بعيدا عن شبح المساءلة، إلى أن تدق ساعة الرحيل، تاركين أرشيفات دالة على ممارساتهم، إتاحتها للباحثين أو لعموم الجمهور، لا تجدي ولا تنفع، إلا للتاريخ والذاكرة …

هوامــش :
(1) يراد في مدلول القانون 69.99 ب”الأرشيف” “جميع الوثائق كيفما كان تاريخها وشكلها وحاملها المادي الذي ينتجها أو يتسلمها، كل شخص طبيعي أو معنوي وكل مصلحة أو هيئـة عامة أو خاصة خلال مزاولة نشاطهم”(المادة الأولى).
(2) وردت القولة بكتاب ” الدليل المرجعي لتدبير الأرشيف العمومي”، منشورات أرشيف المغرب، السنة 2007، ص5.
(3) يقصد بالمعلومات في مدلول القانون المتعلق بالحصول على المعلومة (المادة 2): المعطيات والإحصائيات المعبر عنها في شكل أرقام أو أحرف أو رسوم أو صور أو تسجيل سمعي بصري أو أي شيء آخر، والمضمنة في وثائق ومستندات وتقارير ودراسات وقرارات ودوريات ومناشير ومذكرات وقواعد البيانات، وغيرها من الوثائق ذات الطابع العام، التي تنتجها أو تتوصل بها المؤسسات أو الهيئات المعنية في إطار مهام المرفق العام، كيفما كانت الدعامة الموجودة فيها، ورقية أو إلكترونية أو غيرها (مجلس النواب، مجلس المستشارين، الإدارات العمومية، المحاكم، الجماعات الترابية، المؤسسات العمومية، كل شخص اعتباري من أشخاص القانون العام، كل مؤسسة أو هيئة أخرى عامة أو خاصة مكلفة بمهام المرفق العام، المؤسسات والهيئات والمؤسسات المنصوص عليها في الباب 12 من الدستور).
(4) يتعلق الأمر بتاريخ صدور القانون رقم 69.99 (30 نونبر 2007) الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.07.167 الصادر في 19 من ذي القعدة 1428 (30 نونبر2007).
(5) يقصد بالأرشيف العامة حسب مقتضى المادة3 من قانون الأرشيف، تلك الوثائق التي تكونها في إطار مزاولة نشاطها: الدولة، الجماعات المحلية، المؤسسات والمنشآت العامة، الهيئات الخاصة المكلفة بإدارة مرفق من المرافق العامة، في ما يتعلق بالأرشيف الناتجة عن نشاط هذا المرفق، وتشمل أيضا الأصول والفهارس التي يكونها الموثقون والعدول وسجلات الحالة المدنية وسجلات مصلحة التسجيل.
(6) نصت المادة 16 على ما يلي : “مع مراعاة أحكام المادة 15 أعلاه، يمكن للجمهور أن يطلع بكل حرية على الأرشيف العامة عند انصرام أجل ثلاثين سنة من تاريخ إنتاجها، باستثناء الحالات المنصوص عليها في المادة 17 بعد”.
(7) نصت المادة 17 على ما يلي : يرفع اجل الثلاثين سنة الذي يمكن عند انتهائه، الاطلاع بكل حرية على الأرشيف العامة إلى :1. مائة سنة: أ) ابتداء من تاريخ ولادة المعني بالأمر، فيما يتعلق بالوثائق المشتملة على معلومات فردية ذات طابع طبي وبملفات المستخدمين. ب) فيما يتعلق بالأصول والفهارس لدى الموثقين والعدول وسجلات الحالة المدنية وسجلات مصلحة التسجيل – 2. ستين سنة : أ) ابتداء من تاريخ العقد فيما يتعلق بالوثائق التي قد يمس الاطلاع عليها بما يلي: اسرار الدفاع الوطني، استمرارية سياسة المغرب الخارجية، أمن الدولة الداخلي أو السلامة العامة أو سلامة الأشخاص، المساطر القضائية والمساطر التمهيدية المتعلقة بها، سريرة الحياة الخاصة.- ب) ابتداء من تاريخ الإحصاء أو البحث المتعلق بالوثائق التي تم جمعها في إطار الأبحاث الإحصائية للمرافق العامة، والمشتملة على معلومات فردية لها علاقة بالحياة الشخصية والعائلية، وبصفة عامة بالأفعال والتصرفات الخاصة.
(8) ميز المشرع الأرشيفي بين ثلاثة أنواع من الأرشيف العامة، ويتعلق الأمر بالأرشيف العادية والوسيطة والنهائية، ينظر في هذا الصدد المواد 6 و7 و8 و9 و10.
(9) نصت المادة 14 على ما يلي : “تظل الوثائق المسلمة إلى “أرشيف المغرب” ومصالح الأرشيف العامة الأخرى، موضوعة بالرغم من أحكام المادتين 16 و17 أدناه، رهن تصرف الأشخاص والإدارات والهيئات والمؤسسات التي قامت بتسليمها.”
(10) ينظر في هذا الصدد: قانون الأرشيف التونسي عدد 95 لسنة 1988، مؤرخ في 2 أوت، يتعلق بالأرشيف، تم الاطلاع عليه بموقع الأرشيف الوطني التونسي، بتاريخ 03 مارس 2020.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *