خلل الضريبة على الدخل والتضامن اللامحدود للموظف المقهور

لا أحد يمكن له ان يجادل في الظلم، الذي يتعرض له عموم الأجراء والموظفين، من جراء غياب العدالة الضريبية، المفروضة على الدخل بشكل عام!
فإذا كان الأجراء وعموم الموظفين، يعدون من الصنف الأكثر أمانا فيما يخص الاقتطاع الضريبي، الذي يؤخد من المنبع، وبدون تمييز بينهم، على أساس الوضعية الاجتماعية لكل أجير أو موظف، وبدون مراعاة للحالة الأسرية لكل واحد منهم، فهذا يعني شيئا واحدا، هو غياب المساواة في المنطق التضامني، المبني على الوازع القيمي المرتبط بالإكراهات المعيشية المتنوعة. كعوامل الاعالة المتفاقمة للأبناء، والامومة والأبوة. وسلسلة العائلة الكبيرة، والتي غالبا ما يكون أحد أفرادها، في حالة العوز الدائم او المؤقت، والمتراكم عبر الزمن القاهر بكل معنى الكلمة!
الضريبة على الدخل كما هي حاليا، مجانبة لصواب عادلة المنطق الواقعي، الاجتماعي، الذي يتسم بتفاوتات لا حصر لها.
فلا لا يعقل تعميم ضريبة على الجميع، وبدون تمييز أو استثناء، وفي غياب الرجوع دراسة القاعدة المبنية عل التكلفة، والتحمل الناجم عن طبيعة الوضعية الأسرية والاجتماعية!
فالذي لديه أطفال، أو يعيل شبابا وصلوا لسن العمل وهم بلا عمل، ليس كالذي لوحده أو لا يتوفر على أسرة بعد! كما أن الذي له دخل قار، بجانب زوجته ليس كالذي لديه زوجة مرهونة ببيتها، وأبنائها ولا تتوفر على دخل قار، قادر على تلبية مطالبها الحياتية المشروعة والتي تؤكد عليها كل الشرائع العالمية!
والذي يعيل الوالدين ليس كالذي لا يعيلهما، وهكذا دواليك، أمام الظروف الاجتماعية المتنوعة غير المنتقاة بالصدفة!
تخفيض الضريبة على للدخل، أو إلغاؤها تماما، لبعض الشرائح الاجتماعية، من الأجراء والموظفين، هو من صميم السياسات الاجتماعية المتوازنة، القادرة على اخراج عشرات الأسر من دوامة الهشاشة المقنعة بالوظيفة، هذه أصبحت مقرونة أكثر بالخصاص، وعدم القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي، من الحاجيات اليومية، والشهرية، والموسمية السنوية المكلفة، والقاهرة، المرتبطة بموروث ثقافي محظور من الصعب اثارته أو الخوض في تفاصيله المملة.
فالطبقة الوسطى الأجيرة، تدور دوما في فلك الديون والخصاص بصفة دورية، وقد تكون هذه الدورة مبهمة غير منطقية يصعب تحليلها، ومحزنة في نفس الوقت.
فالموظف أو الأجير، هو المواطن المخلص للمواطنة والغيور على استقرار مكانته، التي بدأت تتدهور بإصلاحات عرجاء في كل شيء، هذا الاخلاص من مظاهره، مساهمته في الميزانية العامة للدولة، من خلال الاقتطار الضريبي الذي يعد سهلا مادام يقتص من المنبع المعلوم! كما أن الأجير، هو الوحيد الذي لا يتحايل ولا يتملص من دفع الضرائب المباشرة، وغير المباشرة، إذ يدفعها بانتضام بالتمام والكمال، مما يساهم في تنشيط الدورة الاقتصادية، عن طريق الاستهلاك والقروض، والتضامن اللامحدود مع الدولة والمجتمع والأسرة!
فتضامنه مع الدولة يفوق قدرته، وأجرته التي ينهشها الكل، إذ يتحمل كل الزيادات المتتالية في الأسعار، وإن احتج يجابه بالاقتطاع، في اطار المقاربة المنتقاة الأجر مقابل العمل، التي تنتهك راية و شعار المواطنة وحقوق الأنسان، في ظل غياب ربما يكون متعمدا للقانون المنظم للنقابات والأضرابات!
هذا الموظف المغلوب على أمره، الذي يؤدي الضريبة على القيمة المضافة على كل السلع والخدمات، يساهم بقوة القانون كذلك، في التضامن عند حدوث الكوا ث الطبيعية، أو تفرض عليه ضرائب جديدة، باسم التضامن كما حدث في ضريبة التعويض عن الكوارث الطبيعية، المفروضة على جميع العقود، والتأمينات المتعلقة بوسائل النقل الخاصة والعامة!
أما التضامن الأجتماعي الأسري فحدث بلا حرج، حيث هذا الأجير الخارق، بموجب ثقافة الترسبات الاجتماعية، أدمج في دوامة مسؤول المسؤولية المعقدةالقائم على قاعدة الالتزام الثقافي، بضرورة إعالة الإخوة الصغار، ودعم أفرادها الكبار، والوقوف معهم للأبد ماديا ومعنويا! في المرض والعطالة، مع الزامية توفير الحاجيات لهم على حساب متطلباته المعيشية المتزايدة، وغير المؤمنة للحياة الكريمة العادية، لدرجة أن هذا الموظف المسكين، أصبح يعيش في خوف دائم.
لأن المسؤولية الملقاة عليه تحولت إلى مسؤولية ثابتة قد تهدد تماسك أسرته الصغيرة، وأسرته الكبيرة، والتي بحكم الحرمان البنيوي التاريخي، أصبحت تظن أنه يتوفر على آلة لطبابعة الأوراق النقدية، وتحولت كلمة الوظف إلى مرادف للراحة والمال، وطبعت بفكرة حتمية راسخة، تعمقت في تمثلات العقليات المرتبطبة بثقافة المجتمع الذي يعيش في وهم الخرافة،والمتناقض في كل شيء ومع أي شيء.
فعدالة الضريبة على الدخل، هي عدالة التمييز بين الأجراء والموظفين، من حيث مناطق الاقامة، واعادة النظر في تعويضات السكن والتنقل، فلا يعقل أن تصبح أجرة الموظف لغير الموظف، فهناك من يعيل الأبناء الكبار، والصغار، وحتى الاخوة ، ويتكفل بتكاليف الأدوية لمرضهم أو مرض ابنائهم أو مرض الآباء والأمهات، والصاريف المرتبطة بشيخوختهم الطبيعية، التي تتطلب المزيد من المصاريف والاهتمام، وبالتالي ينوب الموظف، الأجير، عن سياسات اجتماعية هي من من صميم اختصاص الحكومات المتعاقبة.
الضربية على الدخل، وبشكلها الحالي، مجانبة للصواب. ومفزعة لعموم الأجراء والموظفين، لكونها تأكل من أسلوب عيش حياتهم رويدا رويدا، حتى أصبح عموم الأجراء والموظفين تائهين، في تعداد عدد أيام الشهر، عوض الانفتاح على الترفيه عن النفس من خلال الاهتمام بالفن والثقافة، فكثرت العقد النفسية، وفقدت الثقة وتلاشت الحياة الكريمة، ورفع شعار نفسي نفسي، فانتشر اللاأمان الأسري، جراء غموض أفق المستقبل.
غياب العدالتين الضريبة والأجرية، خصوصا فيما يخص الدخل، وتعميمها بنفس النسبة على الجميع وفي كل الجهات، ظلم جارح، يناقض مفهوم العدالتين الأجرية والاجتماعية.
توسيع الوعاء الضريبي من خلال تضريب القطاعات المعفاة من الضرائب والأنشطة غير المهيكلة، خير من التمادي في قهر الموظف، المقهور والمثقل بتكاليف الحياة المعيشية، والأسرية والاجتماعية!
يا عقل تعقل ويا ضمير انهض، الطبقة الوسطى صمام أمان الجميع، ومحبة للخير والوطن فلا تقهروها!
اترك تعليقاً