وجهة نظر

انهزام جائحة كورونا وانتصار كرامة المغاربة

إن تأثير جائحة كرورنا كوفيد19 على الاقتصاد، له تداعيات قوية على النظام العالمي، وذلك ببزوغ نجم الصين كدولة قوية ورائدة للعالم، بعد اصابتها بهذه الجائحة وتعافيها منها، وتقديمها يد العون لأعته الأنظمة الرأسمالية كالولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وإيطاليا… والتي تمزج في اقتصاداتها الاستراتيجية بين النظام الاشتراكي والنظام الرأسمالي، داخل منظومة سياسية يدبرها الحزب الشيوعي الصيني، الذي تحصن وتقوى نتيجة لاستقلاله في قراراته السيادية عن باقي المنظومات الاشتراكية، التي كانت سائدة من الاتحاد السوفياتي، إلى أروبا الشرقية، مرورا بأمريكا اللاتينية، وباقي حركات التحرر العالمية، التي كانت سائدة سواء في باقي الدول الاسيوية أو الافريقية، وتم ذلك نتيجة للثورة الثقافية التي تبناها قائد الثورة الصينية ماوتسي تونغ وأدت إلى ما هي عليه الصين الآن.
التاريخ لا يعيد نفسه بأشكال ميكانيكية، لأنه لا يقبل بذلك بل بعلاقات تفاعلية و مختلفة، وفق مسارات يتفاعل فيها الذاتي/الموضوعي.

رب ضارة نافعة

عرفت جائحة كرونا كوفيد 19 التي أصابت البشرية جمعاء، عدة تغيرات ستفضي إلى تحولات عميقة في كثير من الدول والأمم، والمملكة المغربية ليست بمعزل عن هذه التحولات.

ولعل من حسناتها أنها أسست لعنصر الثقة بين الشعب والدولة، أي بين المجتمع ومؤسسات الدولة، وهو العمل الذي لم يكن يتحقق رغم المحاولات الكثيرة التي تمت، وعرفت نوعا من النفور.

كانت كثير من الدراسات تصب في اتجاه التصدع آجلا أم عاجلا، لكن تواجد نظام ملكي كان كافيا لردع هذا التصدع، عبر القيام بكثير من الإجراءات، سواء على المستوى السياسي، أو الاقتصادي، أو مبادرات، لازالت في طريها للتنزيل، منها من عرفت بعض التعثرات، كالإصلاحات السياسية، ومنها من عرفت مسارا سليما كالمشاريع الكبيرة، والمهيكلة بالمملكة، من بنيات تحتية وغيرها.

إن التحولات التي يعرفها المغرب في البنية التحتية لا ينكرها إلا جاحد، أو عدمي، وهي مجهودات لا يستهان بها ومحفزة على نهضة مستقبيلة للممكلة المغربية.
وحيث أن تبعية المغرب للمنظومة السياسية فرنسا وأميركا ومن خلالهما لتوصيات صندوق النقد الدولي حتى قيل ويقال، أن المغرب يأخد القروض بشروط، وليس بضمانات، كما هو حال الجزائر الشقيقة. واكيد أن هذه الشروط تكون دائما على حساب الخدمات الأساسية للمغاربة، من صحة، وتعليم، وتشغيل. مما ينتج عنه كثير من الكوارث.

شاءت الاقدار أن تحل جائحة كرورنا كارثة علينا، لنكتشف أننا سنكون وحيدين ومعزولين في هذا العالم، وبحكم أن النظام السياسي لا وطني ولا شعبي ولا ديموقراطي كما يذهب في ذلك بعض السياسيين المغاربة من خارج اللعبة.

على العكس ذلك، المنظومة السياسية، هي وطنية بكل ما تحمله الكلمة من معنى وهو السر الكامن في النظام الملكي المغربي، تلاحم العرش والشعب، وتجلى ذلك بوضوح عندما فضل الملك سلامة شعبه على جشع الرأس المال كما فعل ترامب أو ماكرون أو رئيس أيطاليا أو اسبانيا فكانت الكارثة هناك. وكان الحظر الصحي عندنا.

هذه الوطنية أفضت إلى اغلاق الحدود البرية والبحرية، حماية للشعب المغربي من كل اختراق لوباء كورونا، كما أعطى الملك محمد السادس تعليمته لخلق صندوق خاص للجائحة، ضخت فيه مليارات الدراهم من المالية العمومية، وسرعان ما انخرط فيه الرأس المال الوطني، من خلال اسهامات كثير من البورجوازيين المغاربة بأموالهم الخاصة، والتي بلغت الملايير حتى تفاجئ صناع القرار بهذا الانخراط الجماعي، وبهذا الحس الوطني الذي يهدف دعم المنظومة الصحية المهترئة أصلا ضمن قطاع الصحة والتي تكالبت عليها عدة سياسات متعاقبة كان آخرها تدبير حزب العدالة والتنمية للحكم حيث لم يصوت إلا عضوين من اليسار الاشتراكي الموحد على الرفع من ميزانية الصحة.

إن حزب العدالة التنمية بمجرد انخراطه في الحكم حتى تحول هو الآخر إلى لاعب أساسي في ما يسمى بالدولة العميقة بالمغرب عبر زرع كثير من الأشخاص في دهاليز الدولة والاقتصاد بدون اعتماد معيار الكفاءة أو المهنية كما فعلت الأحزاب السياسية سابقا في عملية “الزرع” على الأقل، فهو مثله مثل كثير من النخب السياسية، التي تتحكم في سوق السياسة، عبر تحكم مجموعة من “الشناقة” فيها من طنجة إلى لكويرة، ومن وجدة إلى أكادير، التي تحولت إلى عائق حقيقي أمام جميع الإصلاحات، حيث شكلت لوبي قوي يتحكم في السياسة والاقتصاد، وشهادة للتاريخ أن هذه النخب الفاسدة والمتحكمة، هي من صنيعة دولة الظل حتى حدود تسعينيات القرن الماضي، التي تقوت، واستقوت، على الدولة في كثير من المحطات. حتى أصبحت الدولة تحسب لها ألف حساب.

لكن قوة الدولة المغربية لا تكمن في التسيير، بل في التدبير، من خلا ما يسمى بمؤسسات السيادة: وزارة الخارجية/ وزارة الداخلية/ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية/ المؤسسة العسكرية .. وأيضا من خلال ما يسمى بدولة الظل، والمعمول بها في جميع دول العالم، والتي تضم خبراء، ومستشارين، هدفهم خدمة الوطن وليس المصالح الشخصية الضيقة كما هو حال الدولة العميقة.

إن مفهوم دولة الظل، كما هو سائد ومتعارف عليه عالميا يفسره حالة الرئيس ترامب مثلا والذي خرج للعلن يعلن عداءه للمملكة العربية السعودية، لكن دولة الظل هناك بأمريكا نبهته على أن المملكة شريك استراتيجي والنتيجة أصبح من أكثر المدافعين عن الحكم هناك، في مجابهة كثير من دول العالم التي تنتقد سياسة السعودية.

إن قوة المملكة المغربية تكمن ليس في أجهزتها التي يشهد لها العالم بنجاعتها، وفعاليتها، بل بشعبها الذي انخرط عن إرادة وطواعية، وحبا لبلده، والذي أبهر العالم في طريقة تصديه للوباء، وسيخرج منتصرا عل ى هذا الوباء، بل أفضت هذه الوضعية على أخد زمام الأمور، من الاطقم الطبية، التي أبانت عن كفاءة عالية، وانخراط باقي المتدخلين، من سلطات محلية بدء من المقدمين والشيوخ وقوات مساعدة، والدرك الملكي، والامن الوطني بما تحمله الكلمة من وطني وهو ما يعكس روح ووطنية رجال ونساء الجميع، وما رفع النشيد الوطني والتحية العفوية التي تمت في كثير من الأحيان إلا ذليلا على ذلك، وان بعض التجاوزات التي مست كرامة المغاربة لم تتركها القيادة الأمنية تمر دون محاسبة، مع تسجيل أيضا بعض المنزلقات التي تمس بعض المغاربة والتي تمت بشكل فردي وبمعزل عن توجهات المؤسسات، لكنها لا تصل إلى درجة المس بكرامة الانسان كما شاهدناه في البلدان التي تتبنى قيم المواطنة، ودولة الحلق والقانون.

هذا يعني أن الدولة المغربية رافضة في أساسها لكل من يريد الردة والمس بكرامة المغاربة.

وأن المستقبل القريب سيضمن العيش الكريم للمغاربة مادام حلما مشترك بين الشعب والعرش.

* فاعل في المجتمع المدني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *