وجهة نظر

سقوط القناع بين التطور المشؤوم وإنسان مسموم

لكل بداية نهاية هذا ما علمنا التاريخ إياه ،فكل أزمة في حياة الإنسان سواء بشكل فردي أو جماعي هي في حقيقة الأمر استيفاء لشروط الاستمرار وتعبير عن اختلال تلك النظم المستهلكة لزمن معين ، لذا تصبح الوقفة شرط ملزم للمراجعة ،و ضرورة تقنية لتغيير أدوات ونمط الإنتاج.

لم تكن المرحلة الحالية التي يعيشها العالم باندهاش كبير إلا تجسيدا حيا لهذا المنطق ،فهل فعلا كان هذا الفيروس الفتاك كوفيد 19 صنيعة مفتعلة من لوبيات الدواء ومصاصي الدماء؟، أم أحد سيناريوهات كواليس نادي بيلدلبورغ أي حكومة الظل العالمية ؟ أم جاء على حين غفلة ليكسر عجرفة صناع القرار في العالم ؟

لقد توقفت الحركة في كبريات التجمعات المدنية فقدت باريس رومنسيتها وجامع الفنا كل مسلياتها ولم تعد اوروبا تغري اصحاب قوافل الهجرة السرية بل اضحت منفرة انقلب التيار ساد الجمود في كل الشوارع الرئيسية والساحات ،توقفت أغلب الأنشطة الإقتصادية الموازية ،ساد التردي يستشري في كبريات البورصات العالمية ، يبدو العالم كأنه تمرين ليوم الحشر.

جاء قرار الحسم و التجنيد متأخرا عرى على حقيقة الدول العظمى التي استهانت من فعالية فيروس ، فبعد إحساس بتهديد حقيقي وبتحدي معلن لكل تلك الإمكانيات اللوجستية والعلمية المتاحة ، في ظل هذه الظروف الحرجة أصبح الوجود الفعلي لكل بلد يطرح أكثر من سؤال على الاتحاد الاوربي ،إنه فعلا سؤال مقلق ومشروع لأن وضع الاتحاد على المحك ،و فرض الانقلاب على كل قيم الرأسمالية المتوحشة ، لقد تولد الحنين لبعث ذلك الوعي الشقي والرجوع الى الليبرالية الاصيلة.

لقد نبهتنا أزمة كورونا إلى كون الكائن النيواندرتالي فقد بوصلته ،بعد أن مارس الحجر على العقل ،الذي كان سببا في كل هذا الرغد ،سال لعابه في باب النزوات والرغبات اللامحدودة للكسب بكل الطرق المشروعة غير المشروعة، فأيقظ في ذواته ذلك الحيوان الغير عاقل ،فتعطلت كل الاسئلة المقلقة التي كانت على اجندة الطرح .

في زمن اعتبر أوج العقلانية كان الجموح لغة عوضت الطموح وتخطت كل حدود المعقول واللامعقول ،استثمرت عدوانية الإنسان لتنعكس على ماهيته الفعلية تم الترقي لمستوى الحرب البيولوجية بديلا عن حرب تقليدية نظرا لكون هذه الوسيلة المبتكرة الجديدة غير قابلة للرصد اضافة الى تكاليفها المادية الخفيفة.

لكن المثير للاستغراب هو أن هذا الكائن الأدمي تخلى عن دوره عن إنسانيته ،فعوض تركيز جهوده على قيم الإنسان الحديث وبناء سبل السلام والعيش الكريم ، والتي وطالما حمل رهانها بعد خروجه خاوي الوفاض منهك القوى من حرب خاسرة ،وختم تطلعاته بإنشاء منظمة الامم متحدة ،كمؤسسة تزكي قيم الأمن السلام ، إذ لم يهتد كما كان منتظرا لتكريس كل ما يخدم رفاهية وكرامة الانسان بالعيش ، حياة تراعى فيها تلك القيم الأدمية بعيدا عن أزمات الجوع وأزمات أ الأمراض المعدية والفتاكة ، في بقاع العالم، لكن للأسف فقد توازنه فوقع اختياره على تركيز متسارع لتطوير أجهزة الفتك والدمار الشامل والسباق نحوه.

لقد أحالنا فيروس كورونا إلى حادث الطوفان في عهد نوح عليه السلام ،غرق تام في مقابل اختلال التوازن القيمي بنصرة كلما هو مادي وتغييب ومحاربة كل ما هو روحي ، في تنافر تام تعاليم الديانة المسيحية وحزم جاد لمحاربة قيم الاسلام تحت يافطة الارهاب ،وكأن التاريخ يعيد نفسه بحث مستمر للكائن عن حتفه سواء بالتعصب لقرارته ،أو صنع أدوات تغرق هذه السفينة جملة وتفصيلا في انتظار أن يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه.

ألا تعد هذه الفترة مرحلة لإعادة النظر ليس في العلاقات الدولية فحسب بل في علاقة الانسان بأخيه الانسان ؟
ألا يمكن اعتبار الكائن على هذه البسيطة هو أكبر وباء على هذه البسيطة عندما يفقد هويته الأصيلة ؟
هل فعلا استوعب الكائن روح ومضامين فلسفة الانوار والليبرالية الاصيلة ؟
أم هو في حاجة إلى إعادة تذكير بدروس الإنسية؟
فالتاريخ لاستيعاب الدروس وليس للأرشيف.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *