وجهة نظر

تأملات في التجربة الصينية لاحتواء كوفيد 19

بداية لا بد ان نعرج على خط السير الزمني للكارثة حيث انه بتاريخ 31دجنبر2019 بدأت بظهور عدد من الحالات لأشخاص يعانون من الالتهاب الوبائي الوخيم غير معروف المصدر، وفي 1يناير 2020حيث تم غلق سوق الحيوانات والاسماك في ووهان، وفي 7يناير تم تسمية هذا الفيروس واطلق عليه “كورونا الجديد”، وفي 11يناير 2020تم اعلان اول حالة وفاة ،وفي 12يناير وفرت الصين تسلسل الحمض النووي الخاص بالفيروس مجانا على الأنترنت. وفي 13يناير سجلت اول حالة خارج الصين في دولة “تايلاند”، وفي 20يناير اعلنت الولايات المتحدة اول حالة، وفي 22يناير تسمح منظمة الصحة العالمية على اعلان حالة الطوارئ حيث اقتربت الصين الى 1000حالة ليتم اغلاق ووهان وما حولها.

تجاوزنا عتبة المليون اصابة بفيروس كورونا ، والذي يتسبّب في مرض بات الآن يُعرف باسم “كوفيد-19″،وفي بحثنا على اسرار هذا المرض القادم من الشرق، وأخباره المتناثرة هنا وهناك، نستحضر التجربة الاسيوية بكل الغازها وتنوع اساليبها في رصد ومحاصرة هذا الوباء، فهل يمكن اعتبار النموذج الاسيوي مثالا يمكن الاعتماد عليه في مواجهة كوفيد 19.

امام ظهور العديد من النظريات كنظرية مناعة القطيع البريطانية المنشأ أو نظرية تسطيح المنحنى أوالعزل الاجتماعي.

الصين وسياسة تسطيح المنحنى:

عملت الصين على تطبيق مجموعة من التدابير التي عرفت بتسطيح المنحنى وهي السياسة التي تُحاول معظم الدول تطبيقها لمواجهة فيروس كورونا المستجد، خاصة بعد ما حدث في إيطاليا التي تضاعفت فيها الأعداد بصورة كبيرة وفي فترة وجيزة، مما أحدث ضغطًا هائلًا على نظام الرعاية الصحية، مما اضطر بعض المراكز الطبية والمستشفيات إلى استقبال الحالات الحرجة فقط. وتقوم الاستراتيجية على إبطاء الانتشار، بمعنى توزيع الإصابات على مدة زمنية أطول، ولا تستهدف هذه السياسة تخفيض العدد الإجمالي للمصابين بالفيروس، بقدر ما تحاول الموازنة بين مراحل تفشي الوباء وقدرات قطاع الرعاية الصحية. ويتم ذلك من خلال تأجيل الوصول إلى نقطة الذروة بمنحنى انتشار الفيروس، لتوزيع المصابين بالفيروس على فترات زمنية أطول، بما يسمح للنظم الصحية باستيعاب الأزمة.

ولفهم دقيق لتجربة الصين لا بد ان نتعرف على هذه التدابير الصارمة التي قامت بها:

1- طبقت الصين إجراءات حجر صحي صارمة وصفت بالقاسية، لاحتواء انتشار الفيروس، وكسر حلقات انتشار العدو، خاصة في موطنه الأول ووهان، وهو إجراء لم يسبق له مثيل.

2- أغلقت السلطات المصانع والمحلات والشركات، وأوقفت وسائل النقل العام. مما ساعد في تقليل الإصابة بالعدوى.

3- طبقت الصين إجراءات صارمة في البلاد، فمنعت التجمعات وألغت الفعاليات والأنشطة الثقافية والرياضية، وأغلقت المدارس والجامعات والمسارح.

4- شيدت السلطات الصينية مستشفيات ميدانية بسرعة غير مسبوقة في ووهان في أيام، لعلاج المصابين. واستطاعت استيعاب أعدادهم.

5- فرضت السلطات غرامات على من لم يلتزم بإجراءات العزل أو حتى عدم ارتداء الكمامات.

6- أظهر الصينيون درجة كبيرة من الوعي في الأزمة، خاصة في ووهان والبر الرئيسي للصين. فطبق السكان العزل طواعية، وهو أمر كان فاصلا في معركة الصين مع فيروس كورونا.

وقد نشرت الصين اليوم (الاثنين) 6 أبريل 2020جدولا زمنيا مفصلا أعدته البلاد للاستجابة لمرض فيروس كورونا الجديد “كوفيد-19″، يسرد الحقائق والتدابير الرئيسية التي اتخذتها الصين في الجهود العالمية المشتركة لمحاربة المرض.

ويقدم الجدول الزمني لمحة عن جهود الصين في نشر المعلومات في الوقت المناسب، ومشاركة خبرتها في الوقاية من المرض والسيطرة عليه، ودعم التبادلات والتعاون على المستوى الدولي.

وقد تم تسجيل الأحداث الرئيسية في الفترة من نهاية ديسمبر 2019 وحتى مارس 2020 في الجدول الزمني.

وذكرت الوثيقة أن مرض كوفيد-19 يمثل وضعا طارئا رئيسيا للصحة العامة حيث تفشى بأكبر قدر من السرعة، وأدى إلى أكثر حالات العدوى كثافة وكان المرض الأصعب من ناحية الاحتواء منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية في 1949.

وأضافت الوثيقة أنه تحت القيادة القوية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وفي القلب منها الرفيق شي جين بينغ، تبنت الصين أكثر التدابير شمولية وصرامة في الوقاية من المرض والسيطرة عليه من أجل محاربته.

وخلال حربهم العنيدة ضد المرض، تجمع 1.4 مليار صيني معا وقدموا ثمنا هائلا وتضحيات كبيرة.

وأوضحت الوثيقة أنه بفضل الجهود المشتركة التي بذلتها الأمة بأسرها، فإن الاتجاه الإيجابي للوقاية من المرض والسيطرة عليه في الصين أخذ يقوى ويتسع باستمرار، وتم استئناف الإنتاج الطبيعي والحياة اليومية الطبيعية بشكل سريع.وأشار الجدول الزمني إلى أن هناك “تحديا هائلا” أمام أمن الصحة العامة في العالم، حيث تفشى المرض بشكل سريع في العالم.ووفقا لبيانات نشرتها منظمة الصحة العالمية، أثر المرض على ما يزيد على 200 دولة ومنطقة، حيث تم تسجيل أكثر من 1.13 مليون حالة إصابة مؤكدة به حتى يوم الأحد.

وذكرت وثيقة الجدول الزمني أن الفيروس لا يعرف حدودا والمرض لا يفرق بين الأجناس. وبالتضامن والتعاون يستطيع المجتمع الدولي أن ينتصر على المرض ويحمي الوطن المشترك للبشرية.

إن الصين التي تؤيد رؤية بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، ظلت تنشر معلومات حول المرض في الوقت المناسب منذ ظهوره بطريقة مفتوحة وشفافة ومسؤولة وتشارك خبرتها في الرد على المرض والعلاج الطبي وتعزيز التعاون في البحث العلمي مع منظمة الصحة العالمية والمجتمع الدولي من دون تحفظ.

الدروس المستفادة من مواجهة كوفيد19

الدرس الاول: الاستعداد في وقت السلم

وفي مقابلة خاصة مع ممثل منظمة الصحة العالمية في الصين، الدكتور غوادين غاليا، تحدث المسؤول في منظمة الصحة العالمية عن مواجهة الصين لفيروس كورونا المستجد المعروف بكوفيد-19 منذ بداية ظهوره، وأن النتيجة التي يمكن أن نتوصل إليها هي أن الصين أظهرت أنه بالإمكان تغيير مسار المرض. بالوضع الطبيعي فإن انتشار مرض كهذا ينمو بشكل كبير ويصل إلى ذروته ومن ثمّ سينخفض بشكل طبيعي بمجرد إصابة جميع الأشخاص المعرّضين للإصابة أو تطور المرض. إلا أن ذلك لم يحدث في الصين لأن عدد الحالات لم يكن طبيعيا، إنه وباء تم القضاء عليه أثناء نموه وتوقف في مساره. يتضح ذلك في المعطيات التي بحوزتنا إضافة إلى مراقبتنا للمجتمع بشكل عام.

لذا فإنه يشكل درس كبير بأن المسار الطبيعي للمرض لا يكون بالضرورة عالي الذروة يرهق الخدمات الصحية ، وهو درس يمكن للدول الأخرى أن تتعلم منه وتتكيف بحسب الظروف.

ويزيد في تحليله حينما اجاب على سؤال هل في المرحلة الأولى من تفشي المرض، كان هناك بعض التقليل من حجم الخطر وكانت هناك محاولات لإخفاء الحقيقة رغم أن بعض الأطباء حاولوا أن يدقوا جرس الإنذار. كيف أثرت مثل تلك الأفعال على الاستجابة؟ هل كان بالإمكان احتواء المرض بشكل أفضل لو توفرت الشفافية؟

من الصعب خلق تاريخ مغاير. أتفهم وجود بعض القصور، وبالفعل في أعلى مستويات القيادة في الدولة تم التعرّف على أوجه القصور، وأنا متأكد أنه مع مرور الوقت سيكون هناك تحقيق وستتم محاسبة المسؤولين.

كما اشار الى انه يجب ان نركز على درس كبير في العالم وهو أهمية أن يكون لدينا نظام صحي قوي، إن الإعداد لمثل هذا التفشي هو أمر تحتاجه جميع الدول. وفي وقت السلام من السهل أن ننسى الاستثمار في القوى العاملة في القطاع الصحي وفي وضع خطط للاستعداد والاستثمار في المختبرات والمستلزمات الوقائية الشخصية. إنه درس نأمل أن تتعلمه جميع الدول كي لا تضطر إلى تعلمه بطريقة قاسية عندما تواجه جائحة مثل كوفيد-19.

لمن لا يعرف الصين، فإن ووهان هي أكبر مدينة في وسط الصين وفي مستشفياتها عدد كبير من الأسرّة والرعاية المتخصصة وهي مدينة غنية جدا وتقدم إسهامات كبيرة للناتج المحلي الصيني، ولذا فإن نظامها الصحي ليس ضعيفا ومع ذلك فقد أربكها الوباء.

ولا يمكن أن ننكر أنه عندما يتكدس المرضى في غرف الانتظار، ولديهم العدوى، تصبح غرف الانتظار، حتى في المرافق الصحية، مواقع لنقل العدوى.

الدرس الثاني:النجاح في المواجهة اختبار صعب بين الدولة والشعبً

هذا ما حاول أن يرصده الدكتور وانج كوانغدا الأستاذ بجامعة شنغهاى للدراسات الدولية بالصين، في دراسة نشرها باللغة العربية عنوانها “مكافحة الصين لوباء فيروس “كورونا” يجسّد مزايا نظام الحوكمة”، حيث أكد أنه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية قبل 71 سنة، مرت الأمة الصينية بالعديد من المحن في تاريخها، لكنها لم تُقهر قط، بل على العكس، أصبحت أكثر شجاعة ونضجًا وأقدر على تخطّي الصعوبات.

واعتبر أن  تفشي فيروس كورونا هو اختبار صعب للصين حكومةً وشعبًا، ولكن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني تُولِي أهمية كبيرة لهذه القضية، وتنفّذ سلسلة من الإجراءات، ويتّحد أبناء الشعب الصيني الذين يبلغ تعدادهم 1.4 مليار نسمة في معركة الدفاع المشترك والمراقبة المشتركة.”

وحددت الدراسة مجموعة من العوامل التي اعتمدت عليها الصين في مواجهة فيروس كورونا، وهى على النحو التالى:

أ- قوة الدعوة العظيمة

أشار الباحث إلى أن أزمة الفيروس  تزامنت مع عطلة عيد الربيع الصيني، حيث يتوقّف إنتاج المصانع ويعود معظم العمّال إلى بيوتهم. ولكن في سباق مع الزمن للحدّ من انتشار الوباء والسيطرة عليه، دعت الحكومة الصينية مصانع الكمامات إلى استئناف الإنتاج لتلبية الطلب المتزايد، وتعهّدت الحكومة أيضًا بأن تجمع الفائض من الكمامات وتخزنه بعد انتهاء الوباء، مما أدّى إلى عودة مصنّعي الكمامات إلى ممارسة أعمالهم في أسرع وقت.

أوضح الباحث انه حتى  19 فبراير بلغت الطاقة الإنتاجية اليومية لكمامة “إن-95” الطبية 30 ألفًا، وتم إعطاء الأولوية لمدينة ووهان في توفير هذا النوع من الكمامات، وهذا يعادل ضعف الطاقة الإنتاجية للأقنعة قبل الوباء.

ب- القدرة التنسيقية القوية

كشف الباحث أنه بعد تلبية الطلب على المواد الطبية، واجهت الحكومة الصينية تحديات هائلة، متمثلة في توزيع المواد حسب المتطلبات المختلفة ومستوى الطوارئ. فأنشأت منصة على الإنترنت لتوفير الإمدادات، مع الأخذ في الاعتبار احتياجات جميع الأطراف، وإعطاء الأولوية للخطوط الأمامية.

وأشار الباحث إلى أنه تم توفير متطلبات الوقاية من الوباء والسيطرة عليه في المناطق الأخرى. لذلك سرعان ما تم سد نقص المواد الطبية في مقاطعة هوبي، واستقرت الإمدادات في كافة أنحاء البلاد أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، وفرت هذه المنصة المعلومات بشفافية مع مراعاة حق المواطنين في المعرفة، وتحديد مصدر المواد وأماكن توزيعها، إذ إن كل المعلومات يمكن إيجادها في المنصة، مما ضمن توزيع الموارد بشكل عادل، وزاد من فاعلية الوقاية من الفيروس والسيطرة عليه. ويرجع هذا إلى التنسيق المؤسسي الذي تقوم به الحكومة.

ج- القدرة التنظيمية الهائلة

ذكر الباحث أن الصين بنت مستشفى “ليشنشان” و”هوهشنشان” في ووهان بسرعة فائقة من أجل كبح انتشار الفيروس، فتسابق أكثر من 10000 عامل مع الزمن وعملوا معًا ليلًا ونهارًا تحت كاميرات البث المباشر على شبكة الإنترنت العالمية لإنجاز المستشفيين، الأمر الذي أطلق شعاع أمل جديد للجميع.

وفي السادس من فبراير بدأ تسليم مستشفى “ليشنشان” في مدينة ووهان بمقاطعة هوبي وسط الصين، ويتسع المستشفى لـ1600 سرير وأكثر من 2000 من الأطباء والممرضات. أما مستشفى “هوهشنان” فتم الانتهاء من بنائه في 10 أيام فقط، بدءًا من التصميم وحتى نهاية البناء.

وعادةً ما يستغرق مشروع بناء مستشفى تبلغ مساحته 30 ألف متر مربع سنتين على الأقل. وانتشرت جملة “فقط الصين تستطيع فعل ذلك” بين مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعي خارج الصين.

وفي عطلة عيد الربيع، الذي يشهد لم الشمل العائلي بالنسبة للصينيين، سافر الآلاف من الأطباء والممرضات من جميع أنحاء الصين إلى مقاطعة هوبي لتقديم المساعدة الطبية، ويبلغ عددهم 11 ألف طبيب وممرضة حتى الآن. وأشاد الرأي العام الدولي بـ”القوة التنظيمية للصين” المتمثلة في تركيز الجهود لتحقيق إنجازات كبرى.

وتتجاوز العديد من التدابير التي تتخذها الحكومة الصينية متطلبات “اللوائح الصحية الدولية”. “هذا التماسك بين الصعود والهبوط شيء مذهل”، “كل ذلك يثبت القدرة الفريدة للصين في التضامن”.. لقد اكتسبت القدرة التنظيمية للصين احترامًا وثقة واسعة النطاق في شتى أنحاء العالم.
في أول يوم من السنة القمرية الصينية الجديدة (25 يناير)، عقدت اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني اجتماعًا حول سبل منع ومكافحة تفشي فيروس كورونا المستجد. وترأس الأمين العام للجنة المركزية للحزب “شي جين بينغ” هذا الاجتماع، وألقى خطابًا مهمًّا فيه. وقرر الاجتماع تأسيس فريق لتنسيق جهود مكافحة الوباء تحت قيادة اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة الحزب المركزية. كما قرر الاجتماع أيضًا إرسال فرق إرشادية إلى هوبي وغيرها من المناطق الأكثر تأثرًا بالوباء، لتعزيز جهود منع تفشي الوباء ومكافحته.

وأوضح أنه تم اتخاذ قرار يُعد الأكثر حسمًا في التاريخ بإغلاق مدينة كاملة لكونها مصدر انتشار الفيروس

الدرس الثالث: قوة التضامن الكامل من أبناء الشعب تجسيدا لمبدأ مجتمع المصير المشترك

أوضح الباحث أن  مستشفيات ووهان تشهد  هذه الأيام وصول العديد من الإمدادات الطبية التي تم التبرع بها من جميع أنحاء البلاد. على سبيل المثال، شركة تشيجيانغ للتكنولوجيا الحيوية المحدودة تمكنّت، في غضون 24 ساعة، من إعداد مجموعة كاملة من معدات فحص الحمض النووي الأوتوماتيكية بالكامل والمواد الاستهلاكية الداعمة لها. كما تبرّعت عشر مؤسّسات بكواشف اختبار لووهان تكفي لشهر، وقد بلغ حجم المساعدات أكثر من 500 قطعة و12 طنًّا. كما أرسلت الشركة 10 مهندسين مسئولين عن تركيب المعدات والتدريب على استخدامها، مع العلم بأن هذه المعدات ستتمكّن من الفحص الأوتوماتيكي الكامل للحمض النووي. ويمكن لعشرة أجهزة فحص الحمض النووي لـ5000 عينة في اليوم بمعدل 500 عينة في اليوم لكل جهاز.

وأضاف :”بعد إثبات فاعلية العلاج بالبلازما من المرضى المتعافين من فيروس كورونا الجديد (كوفيد– 19) في علاج الحالات الخطيرة، تبرع أكثر من 100 شخص بالبلازما بعد تعافيهم من الالتهاب الرئوي الناجم عن الفيروس، مما ساعد في تحضير منتجات علاجية لعلاج 240 مريضًا يعانون من أعراض خطيرة وحرجة.”

وذكر الباحث أنه بالإضافة إلى التبرعات من داخل الصين، تلقت مدينة ووهان عددًا كبيرًا من التبرعات من دول الجوار والدول الشقيقة، مما يجعلنا ندرك أن محاربة الوباء جزء لا يتجزأ من الإيمان بمبدأ مجتمع المصير المشترك، وهذا المبدأ لا يقتصر على الصين فقط، بل يتضمن كل أنحاء العالم. فالإجراءات النافذة لمواجهة فيروس الكورونا المستجد هدفها حماية الشعب الصيني وحماية البشرية على حد سواء.

ختامًا، يمكن القول إنه من الاكتشاف السريع لتسلسل الجينات الفيروسية ومشاركتها مع العالم، إلى تطبيق أكبر عملية عزل بشري في التاريخ لمصدر تفشي الفيروس؛ اتخذت الحكومة الصينية موقفًا مسئولًا للغاية تجاه سلامة وصحة الشعب، وتبنت سلسلة من الإجراءات غير المسبوقة للحد من انتشار الفيروس، وتجاوزت الكثير من إجراءاتها متطلبات اللوائح الصحية الدولية. لقد أظهرت الصين تضامنًا كبيرًا بعملها الاستثنائي.

من المؤكد أن حملة مكافحة فيروس كورونا الجديد ستصبح صفحة استثنائية في تاريخ البشرية. كما أن التماسك والتضامن الوطني الصيني في مواجهة الفيروس يجعل العالم يشعر على نحو متزايد بأن إرادة الشعب الصيني لا يمكن أن يتحداها شيء.

لقد بذل 1.4 مليار صيني جهودًا مشتركة لمكافحة الفيروس، وأظهرت الصين كفاءة وقوة نظام الحكم الوطني، وتم اكتشاف طرق جديدة للاستجابة لحالات الطوارئ الصحية العامة. وفي هذا الصدد، يشيد الرأي العام الدولي بأنه “لا يمكن لأي دولة في العالم أن تتصرف بهذه الكفاءة العالية”، “كلما واجهت الصين تهديدًا، تستطيع التغلب عليه وعلى كل التحديات بعزمها القوي”.

لم تعد قوة الدول القومية تُقاس بحجم ما تمتلكه من ثراوت طبيعية أو بشرية، أو قوة اقتصادية أو عسكرية فحسب؛ بل أصبحت هذه القوة مرهونة -بدرجة كبيرة- بقدرة الدول على منع نشوء مسببات الأمراض، وكذلك الاكتشاف المبكر والإبلاغ عن الأوبئة ذات الطابع العالمي، إضافة إلى الاستجابة السريعة والتعامل الناجح معها.

وفي ظل ما يُمثله تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، الذي أعلنته منظمة الصحة العالمية في 30 يناير الماضي “حالة طوارئ صحية عامة تُثير قلقًا دوليًّا”، من اختبار حقيقي لقدرات الدول القومية على التصدي له بفاعلية؛ فقد تباينت أنماط استجابة الدول الـ(77) التي انتشر فيها فيروس كورونا حتى الآن، وكذلك مستوى النجاح الذي حققته في مواجهته، الأمر الذي يتطلب التعرف على الأسباب التي جعلت بعض الدول أكثر نجاحًا من غيرها في التعامل مع انتشار الفيروس، وأهم الاستراتيجيات التي اتبعتها للتقليل من مخاطره.

ماذا بعد ؟

كان انتشار فيروس كورونا بمثابة لحظة كاشفة عن درجة استعداد وجاهزية دول العالم للتصدي للتهديدات غير التقليدية، وقد عانت بعض دول العالم، ليس فقط النامية والفقيرة، بل أيضًا الغنية والمتقدمة، من التخبط والعجز عن إدارة هذه الأزمة الصحية الخطيرة بصورة سليمة، وسَجلت عددًا كبيرًا من حالات الإصابة والوفاة.

وبالرغم من عدم وجود دولة في العالم مستعدة بشكل كامل للاستجابة بفاعلية لتفشي الأمراض والأوبئة على نطاق واسع، فإن هناك فجوات واضحة بين الدول، مما يعني أن هناك دولًا أكثر نجاحًا في التصدي لفيروس كورونا من غيرها. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن سنغافورة وتايوان وفيتنام تأتي في مقدمة دول العالم التي حققت حتى الآن نجاحات ملحوظة فيما يتعلق بجهود احتواء الفيروس، والحيلولة دون انتشاره على نطاق واسع بين مواطنيها، وذلك على الرغم من وقوع البلدان الثلاثة داخل الإقليم الجغرافي المباشر للصين التي تُعد بؤرة انتشار الفيروس في قارة آسيا والعالم أجمع، إلى جانب الروابط البشرية والتجارية القوية التي تجمعها مع الصين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *