وجهة نظر

يتيم يكتب: التحول الرقمي في مجال التربية والتكوين:.. أولوية الأولويات

تقديم :

أعادت جائحة ” كوفيذ 19″مسألة التحول الرقمي إلى الواجهة ، ، حيث أصبح من اللازم أن تعكف بلادنا على تفعيل طموح ” المغرب الرقمي ” وأن يكون هذا التحول دعامة من دعامات النموذج التنموي الجديد ، فهذا التحول لم يصبح من الأولويات في يوم في جدول أعمال دولتنا ومجتمعنا كما هو عليه اليوم

وعلى الرغم من المبادرات والإنجازات التي تحققت في هذت المجال ، إلا أنها تبقى م محدودة في بعض القطاعات ومتقدمة نسبيا في بعضها الآخر .

ومن دون شك فإن مجال التربية والتكوين هو من أكثر المجالات أهمية وأولوية في هذا التحول ، باعتباره استثمارا في الإنسان وتأهيلا للأجيال الجديدة لتعيش وتسهم في ذلك التحول ، وباعتباره أحد أهم المداخل لتحقيق الولوج المتساوي للحق في التربية والتكوين باعتباره حقا دستوريا ،

ونخصص هذا المقال لاستكشاف الإمكانيات والفرص والصعوبات والتحديات التي تعترض التحول في هذا المجال ، علما بأن تحدي جائحة كورونا قد خلق شرطا ثقافيا و اجتماعيا لربح رهان هذا التحول في جميع المحالات وفي المجال التربوي بصفة خاصة .

بعض المبادرات في اتجاه التحول الرقمي

من المعلوم أن المادة 33 من القانون الإطاري للتعليم والتدريب إدماج “التعليم الإلكتروني” في النظام لتعميمه التدريجي ، وأن تعزيز الرقمنة في قطاع التعليم أمر أساسي لتحسين جودة التعلم وإعداد الشباب للتكيف مع احتياجات سوق العمل.

لكنه رغم الجهود التي بذلت في السنوات الأخيرة.فإنها تبقى غير كافية وغير شاملة ككا يتعين معه تسريع عملية دمج الرقمنة في مجال التربية والتكوين .

لقد أطلقت الوزارة الوصية على قطاع التربية والتكوين سنة 2006 برنامج ” جيني ” لتطوير المهارات الرقمية في المدارس من خلال تطوير البنية التحتية وتدريب المعلمين والموارد الرقمية وتطوير مجالات الاستخدام من خلال المساعدة في استخدام التقنيات الرقمية والإنترنت.

وفي إطار هذا البرنامج تم تجهيز 3000 ، لكن الاحتياجات في هذا المجال تبقى واسعة حيث لا تزال مدارس كثيرة غير مجهزة حتى في الوسط الحضري

وفي إطار التدابير الاحترازية التي اتخذتها بلادنا في مواجهة جائحة كورونا قررت وزارة التربية الوطنية مواصلة التعليم والتكوين عن بعد ولاسيما عبر بث الدروس المصورة عبر القنوات التلفزية وكذا توفير المضامين الرقمية وإمكانية تنظيم أقسام افتراضية عبر مختلف المنصات الإلكترونية

وكانت الوزارة قد أطلقت في إطار برنامج جيني ( برنامح تعميم تكنولوجيا المعلومات والتواصل في المجال التربوي والتعليمي بالمغرب ) منصة تعليمية رقمية TelmidTICE تضم عددا كبيرا من الدروس والتمارين المصورة تتيح لأكبر عدد من التلاميذ متابعة واجباتهم المدرسية في بيوتهم سواء من خلال الاتصال بالانترنت أو عبر القناة التلفزية الرابعة المتاحة للجميع.

ومكن هذا برنامج حيني حسب الوزير الوصي على القطاع من تجهيز 85% المؤسسات التعليمية بالعتاد المعلوماتي بما في ذلك العالم القروي وتكوين 150000 مدرس في هذا المجال ، كما كانت الوزارة قد أطلقت منذ مدة بوابة «Tilmid tice» و Taalim Tice ; والذي يضم أكثر من 10000 مادة تعليمية علما أن التلميد يمكن أن نتقل من إحدى هانين البوابتين إلى الأخرى بسهولة

مقتضيات لتحقيق تحول رقمي حقيقي في المجال التربوي

غير أن هذه الجهود المشكورة تبقى دون تحقيق التحول الرقمي المطلوب في حقل التربية والتعليم لعدة أسباب نلخصها فيما يلي :

-إن رقمنة مجال التعليم وبناء ما يسمى بالمدرسة الافتراضية ومؤسسة التكوين الافتراضي لا يقتصر على وضع مضامين تعليمية على الويب فحسب، بل إن الأمر يتعلق ببناء منظومة تربوية متكاملة تعيد النظر في كل مكونان المنهاج التربوي ( curuculum) كما هو متعارف عليه في علوم التربية ، أي ما يرتبط بالغايات والأهداف والمضامين والمناهج والوسائل التربوية والديداكتيكية والتقويم والتخطيط والمراقبة التربوية ) ، أخذا بعين الإمكانيات الهلئلة التي تتيحها تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي ، والإمكانيات التي يوفرها الذكاء الصناعي اليوم ، وهي ليست فقط مجرد تقنيات بل إنها منظومة متكاملة ستمكن من إعادة النظر في عدد من البداهات والمسلمات التي كانت سائدة اليوم وتؤسس بلغة الإبستومولوجيا ل ” إبيستمي حديد ” مختلف عن ذلك الذي نشأ مع الثورة الصناعية الثانية .

– الحاجة لتأهيل المدرسين ليس من الناحية التقنية فحسب ، بل من الناحية البيداغوجية والديداكتيكية على اعتبار أن الأمر يتعلق بنموذج جديد يتجاوز الطرائق الكلاسيكية القائمة على الإلقاء والتلقين ، بل يتجاوز ما كان يسمى بالطرائف الفعالة تقليديا ، نموذح سيمكن من قدر أكبر من التفاعل بين “المدرس ” وبين المتعلمين ، خاصة أن الأمر لم يعد يتعلق بمدرس واحد وفصل واحد، ومدرسة واحدة ، بل بمدرسة مفتوحة وفصول افتراضية مفتوحة ، وأساسا باختيار يرجع فيه القرار أولا للمتعلم أولا ولجودة أداء المدرس ثانيا ، كما يتعلق بتغير مفهوم الزمان المدرسي ، وبتأهيل الفاعل التربوي كي يكون قادرا على الاستفادة من الإمكانيات التي يوفرها الذكاء الصناعي في تطوير ممارسته التعليمية ,

-اختيار المنصات التي تستجيب لهذا الطموح وتقدم منظومة تربوية رقمية متكاملة تشمل المنطومة التعليمية التربوية بكافة مكوناتها، بما في ذلك التدبير الإداري للمؤسسة التعليمية ، وتكون قادرة على استثمار أخر ابتكارات الذكاء الصناعي في خدمة الذكاء الإنساني

-تدبير الولوجية المتساوية لخدمات المدرسة الرقمية أو التعليم عن بعد واستثمار التحول الرقمية لتحقيق المقتضى الدستوري الذي ينص على المساواة في الحق في التربية والتكوين، وتقليص التفاوت في الفرص على هذا المستوى فئويا ومجاليا ، تحت طائلة أن تتحول الرقمنة مجالا آخر لتكريس ذلك التفاوتات وتعميق الفجوة الرقمية لتتحول إلى فجوة رقمية تربوية ، وهو ما يقتضي العمل على تعميم الولوج إلى خدمات الإنترنيت ورفع مستوى الصبيب ، وتعميم الأجهزة الإلكترونية ( الحواسيب والألواح الإلكترونية ) ، وأن يصبح شعار برامح “تسيير” مثلا( مليون لوحة الكترونية بدل مليون محفظة ) ،

وينبغي أن يكون هذا المشروع مجالا لإسهام مقاولات مواطنة ومجالا من مجال المسؤولية الاجتماعية للمقاولة المغربية سواء كانت مقاولات ومؤسسات عمومية أو مقاولات للقطاع الخاص ,كما يتعين على الجماعات الترابية أن تتحمل قسطا من المواكبة والانخراط في هذا المشروع باعتباره بارتباطه بالجانب التنموي من صلاحيتها.

مواصفات المنصات الإلكترونية اللازمة لهذا التحول

كما تمت الإشارة إلى ذلك فإن المدرسة الرقمية لا تقتصر على وضع مضامين رقمية على منصة إلكترونية أو في قناة تلفزيونية عمومية أو تربوية .

ينبغي أن تستجيب المنصة الرقمية للتربية والتعليم والتكوين عن بعد ، إضافة إلى الشروط التي أشرنا إليها أعلاه ، لعدد من الشروط و المواصفات التي تسهل على المدرس التفرغ للتركيز على تحقيق الأهداف التربوية وتطوير الذكاء الإنساني وتفتيح قدرات التلاميذ أي تحويله من مركز للمعلومة إلى منشط يركز على تنمية مهارات التحليل والتركيب والإبداع أي المهارات المركبة حسب التصنيفات المعروفة للأهداف التربوية .

منصات رقمية متطورة، نماذج ومواصفات

تطورت خلال السنوات القليلة الأخيرة عدة منصات تربوية تعليمية وتكوينية بعضها بمباردرة من بعض الجامعات وبعضها من بعض المقاولات ، وبعضها من قبل مؤسسات ذات شهرة عالمية بوادي السيليكون

ومعلوم أن مشروع هذا الوادي جاء استجابة للحاجة إلى وجود مرافق بحوث ناجحة في الساحل الغربي للولايات المتحدة خلال الثلاثينيات، حيث شجع فريديريك إيمونز تيرمان (أستاذ الهندسة في جامعة ستانفورد) طلابه على إنشاء شركاتهم الخاصة في هذه المنطقة.

وفي الخمسينيات من نفس القرن بدأت النهضة الحقيقية للوادي بعد اختراع “الترانستور” فشهد الوادي في مطلع الثمانينيات انفجارا كبيرا في الاستثمارات، تواصل بشكل متواتر من خلال تأسيس شركات جديدة رغم التكلفة المرتفعة للأراضي هناك، وذلك بسبب وجود بنية تحتية متطورة وطاقات بشرية مؤهلة.

وتتمركز في وادي السيليكون شركات عملاقة متخصصة في تطوير الاختراعات الجديدة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، وتساهم هذه الشركات بثلث العائدات الاستثمارية في مجال المشاريع الجديدة بأميركا. كما تستقطب المنطقة أكبر حصة من الاستثمارات المشتركة في البلاد، وقد بلغت نسبتها 46% عام 2012 مما أدى إلى تزايد معدل التشغيل وارتفاع أسعار العقارات.

وتعتبر بلدات الوادي من أكثر المناطق إبداعا في الولايات المتحدة نظرا إلى عدد براءات الاختراع المقدمة لشركاته؛ وفي مقدمتها شركات “آبل” و”غوغل” و”فيسبوك” و”إتش بي” و”ياهو” و”أي بي أم” و”سيسكو”.و”أنتل”

وإضافة إلى الدور الذي لعبته جامعة ستانفورد في النهضة التي شهدتها منطقة وادي السيليكون، ساهمت موجات الهجرة التي شهدتها خصوصا من بلدان آسيا في خلق فورة جديدة بها في مجال تطوير التقنيات المتقدمة.حيث أصبحت شركات وادي السيليكون أفضل العقول وخبراء التكنولوجيا من شتى بلدان العالم، وينحدر 50% منهم من قارة آسيا وتحديدا من بلدان الصين وباكستان والفلبين والهند، التي تمثل وحدها 6% من العاملين في شركات الوادي.

وتخصصت بعض هذه الشركات في بناء منصات خاصة بالتعليم والتكوين عن بعد” وتطوير أحدث تقنيات التعلّم والتدريب الإلكترونيين وابتكار حلول تقنية ذكية ومتكاملة ، ومنها على سبيل المثال خدمات ميكروسوفت في هذا المجال ومنصة كلاسيرا التي لها علاقة شراكة بها وإنتل وغيرها .. في بلدان أخرى .

وقد استطاعت كلاسيرا باعتبارها من أكبر المنصات الحاصلة على عدة جوائز دولية على مدار عشر سنوات ، أن توفر خدمات التعليم والتدريب الالكتروني الذكي لعدد كبير من الدول ولملايين المستخدمين بمختلف القطاعات

كما تم اعتماد حلول تطبيق كلاسيرا في أحد أفضل 100 مدرسة في الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن لها وجود في عدد من دول الشرق الأوسط ( المملكة العربية السعودية ، حيث وقعت مع وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية مشروع التحول نحو التعليم الرقمي “بوابة المستقبل” ، كما لها وجود دولة الإمارات ، مصر ، الأردن )

وأطلقت المنصة إحدى التجارب الرائدة خلال الحرب اليمنية تحت شعار وطن واحد حيث نجحت في تأمين مواصلة خدمات التعليم خلال حرب اليمن ، ووضعت في أسبوعين أكبر مدرسة افتراضية في الشرق الأوسط من خلال اعتماد مقولة تربية وتعليم الأحسن من خلال الأحسن ، شملت حسب المنصة مواصلة تعلم 110000 تلميذ ومباردة

وبغض النظر عن هذه التجربة فإن مواصفات أي منصة تحقق الانتقال الرقمي يمكن تحيديها فيما يلي :

– إمكانية إنشاء فصول افتراضية مباشرة مع تسجيل المحتويات التربوية لهه الفصول وإمكانية الرجوع إليها في كل وقت وحين

– استثمار الإنتاج التعليمي والتربوي والتدريبي لأحسن المدارس ومؤسسات التكرين وأجودها وجعلها متاحة للتلاميذ والأساتذة والآباء والشركات والمؤسسات

– تحفيز التلاميذ والمتدربين على الانخراط وجعل التعلم والتدريب (التكوين ) جذابا وممتعا

– استثمار الذكاء الصناعي في اختصار الوقت والجهد والوقت

– تفريد عملية التعلم والتدريب وملاءمتها مع حاجيات واستعدادات كل متعلم ومتدرب

– الأمان الكامل والمحافظة على الإنتاج التربوي الرقمي من خلال اعتماد الحوسية السحابية

– تأمين مستوى عال من الخدمة طبقاً لمعايير الجودة العالمية من حيث الأمان وسرية المعلومات وسرعة الوصول للمعلومة من أي مكان في العالم

– القدرة الاستيعابية لبنيتها التحتية لتتناسب مع أي عدد من المستخدمين دون القلق بشأن تعطل الخدمة أو حدوث أي خلل في تزويدها للمستخدمين.

– الولوجية لها من أي مكان سواء في الفصل ، من البيت أو حتى من بعيد

– سهولة الاستخدام وتغطية جميع احتياجات المستخدم وسهولة الاستخدام وشمولها لكافة الأعمار والمستويات

-الربط مع منظومات أخرى وتبادل البيانات مع كافة الأنظمة بكل سهولة مع الاحتفاظ بجميع تصنيفاتها

-المرونة والقدرة على التكيف مع التحولات التي تطرأ على المناهج ومراعاة الخصوصيات الوطنية لهذه المناهج مع الاستفادة من المكتبات الرقمية الخاصة بالإنتاجات التربوية الرقمية الدولية وخاصة في التجارب التعليمة الدولية المتقدمة ولمواكبة آخر التقنيات وأساليب التعليم والتدريب عن بعد عالمياً وذلك بشكل تلقائي دون الحاجة لتثبيت برنامج جديد أو الخوض في إجراءات معقدة لشراء كل تحديث أو خدمة جديدة حيث يتم جدولة التحديثات من خلال خطة سنوية يتم إعدادها بعناية وإضافتها فورياً.

– أن تكون شاملة لجميع مكونات العملية التربوية بما في ذلك الإدارة التربوية والمراقبة التربوية ونظام الحضور والانضباط والتدبير المالي للمؤسسة والعلاقة بأولياء التلاميذ من خلال أنظمة إشعار لهم وعلاقة المؤسسة بمحيطها

-نطام القياس والتحليل الإحصائي المتقدم لنواتج المخرجات التدريبية من خلال استخدام الوسائل التي يوفرها الذكاء الاصطناعي والتوفر على نظام للاستبيانات والاستفتاء واستقصاء الرأي مما يمكن من الوصول السريع إلى النتائج وتمكين الوصول لأكبر عدد من المستخدمين بشكل سريع وآمن وسهل الاستخدام

– -نظام الشهادات الإلكترونية وإمكانية استصدار الشواهد المدرسية وشهادات النجاح مع توفير الضمانات اللازمة لذلك مع الحاجة من قبل السلطات المختصة لإصدار النصوص القانونية والتنظيمية للازمة لذلك ..

وبغض النظر عن الصعوبات المرتبطة بالولوجية الرقمية بالنسبة لجميع الفئات الاجتماعية وتوفر التغطية اللازمة للشبكة مما يقتضي التفكير في إعداد أجوبة حتى لا يصبح التحول الرقمي مجالا لتعميق عدم تكافؤ الفرص ، فإن تطوير بداغوجية وديداكتيك يتناسب مع كل مادة هو من الأولويات مما يطرح بقوة مسألة التكوين والتدبير التربويين وهو مما يمكن العمل عليه من خلال حلول رقمية وتكوينات عن بعد خلال المرحلة القادمة , ولنا عودة تفصيلية لعدة قضايا وردت في ثنايا هذا المقال .

* باحث في علوم التربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • خالد الصمدي
    منذ سنة واحدة

    رؤية متكاملة للتعليم الرقمي ، في ضوء التجارب الدولية في انتظار المرور بتحربة التعليم المزدوج حضوري وعن بعد، للوصول الى إرساء المدرسة المغربية الافتراضية والجامعة المغربية الافتراضية وهي تجارب دخلتها بعض الدول الشقيقة والصديقة وأفضلها التجربة التونسية على المستوى المدرسي والسعودية على المستوى الجامعي وقد بنينا في الوزارة مشروعا متكاملا للجامعة الإفتراضية المغربية بعد الاطلاع المباشر على نماذج دولية ناجحة في عين المكان ، لكن ظروف الحائحة حالت دون إطلاقه سنة 2019 ولا يزال هذا المشروع لحد الساعة بالوزارة ينتظر التفعيل تحياتي ومودتي