منتدى العمق

كورونا تجمعنا

كورونا - المغرب - خنيفرة

لطالما كنت مترددا في قضية اتحاد الشعب المغربي ومكوناته السياسية، الإجتماعية والإقتصادية في قضية موحدة، تجتمع فيها الصفوف و تتظافر فيها الجهود وتزال الإيديولوجيات. حتى جاء هذا الوباء العالمي القاتل والعادل في اختياره للموتى، بعدم تفريقه بين الفقير والغني، الصغير والكبير، الأبيض و الأسود. كورونا هذا، وحدنا على كلمة سواء (الحياة أولا، ثم الحديث عن الأشياء الأخرى فيما بعد…)

هذا الڤيروس أعادنا إلى إنسانيتنا، إلى جوهرنا الحقيقي الذي أزالته عنا النيولبرالية المتوحشة، عدنا إلى الخبز والشاي، عدنا إلى طعام البيت، وحنان الأم وأمومتها، رجعنا إلى أولى مراحل حياتنا، عدنا إلى فطرتنا المتمثلة في التضامن الإجتماعي للبقاء على قيد الحياة.

هذا الوباء بين ضعف الإنسان، رغم نموه الديمغرافي، وتطوره التكنولوجي، والإختراعات المتوالية، طائرات بدون طيار، وسائل تجسس، حروب رقمية، كل هذا الهراء الذي كنا نخوض فيه، نحارب بعضنا، نتجسس على بعضنا، نخون بعضنا، و نغتال بعضنا. مخلوق بسيط لا يرى بالعين المجردة أدركنا من خلاله أننا كنا تائهين في ترهات لا نهاية لها، كنا نسير في ظلام دامس، نحو عالم الجاهلية تحت ذريعة العلم.

أرجعنا إلى طريق الصواب، وقال لنا (من هنا الطريق)

كورونا أزال الغطاء عن العالم، وبين مكامن الخلل، وأرشدنا إلى أصل النور البراق في الدائرية التي نعيش فيها.

فجأة، توحد العالم على كلمة سواء، لكن كل بطريقته الخاصة. ففي خضم هذه الأزمة، انبرت كل حومة بدورها في محاربة هذا الڤيروس. من جهة، أخذ الغرب مشعل البحث عن اللقاح، وتطوير آليات الحد منه واكتشاف المصابين والحد من العدوى، ومن جهة أخرى، بقي لدول الجنوب والدول العربية خصوصا، مشعل الدعاء والإستغفار، هذا في حد ذاته يمثل وحدة، غير متكافئة طبعا، ولكن الواقع يفرض نفسه، ويعري عن عيوب سنوات من التجهيل والتفقير والتبخيس للعلم والعلماء والمفكرين.

لنترك هذا الآن، فالرجوع إلى الله أولا، والأخذ بالأسباب من خلال الرجوع إلى العلم ثانيا، ضرورة مؤكدة لكل مؤمن بوجود قدرة خارقة تطوق الكون.

لا يمكننا التخلي عن واحد من هذين الإثنين، فهما متغيران أساسيان، فالأول فطرة إنسانية يولد بها ومعها الإنسان، والثاني اكتساب دنيوي متواصل، فإذا فرغت الإجابات الدنيوية فنحن نرجع إلى الله باعتباره خالق الخير والشر. وهاهو ترامب (أكبر ممثل للرأسمالية العالمية) يعلن عن يوم صلاة لدعوة الله لإزالة الشر، وهاهو العاهل الإسباني، يقول أن الأمور أصبحت بيد السماء، وفي نفس الوقت نجد مختبرات عالمية أمريكية، فرنسية، صينية تسهر لإيجاد الحلول، هذا ليس تناقضا إنما هو تكامل واضح لا يراه عميان البصيرة.

في حالتنا نحن كمغاربة، أو عرب، فنحن سواسية على كل حال، نظرا لعقود من التخلف والضياع، لم تتح لنا الفرصة لنكون من بين السابقين في إيجاد اللقاح، فالحل في غياب الحل الدنيوي المتمثل في البحث العلمي، لا بد من الرجوع إلى الله مع أخذ التدابير الوقائية لحصر الوباء.

فالعيب هنا، ليس أن تلجأ إلى الدعاء في ظل انعدام إمكانيات البحث العلمي، إنما العيب هو الإكتفاء بانتقاد العابدين و تقديس الباحثين وعدم القيام بأي من الأمرين، فهذه هي العدمية الحقيقية.

كورونا، وبكل صراحة، كان خير مشخص لسياسات واستراتيجيات الدول العربية، فرغم التقارير الدولية التي كانت تضع هذه البلدان في أسفل السلم، من حيث النظام الصحي، لم تكن الشعوب تلقي لها بالا، نظرا لعدم الإهتمام وكذا عدم وصول الأمر إلى حالة واقعية ملموسة، تلقي بضلالها على الأقطار العربية، لكن كورونا كان ولا يزال، تجربة حية ومريرة، ستبقى راسخة في تاريخ العالم، و في ذاكرة الشعوب العربية خاصة، لأن الحل الذي وجدته الأنظمة و أخص بالذكر المغربية منها، هو تجنب انتشار الوباء وحصره من خلال تدابير احترازية كانت مبكرة جدا، والتي كانت مثمرة في غالبيتها إلى حدود هذه اللحظة التي أكتب فيها هذه الأسطر.

لذلك فنحن في المغرب أمام حل وحيد أوحد، وهو الوقاية، فبمجرد خروج الأمر عن السيطرة لا قدر الله ستكون كارثة بشرية لم يشهد المغرب مثلها منذ قرون، لأننا نعرف حالة مستشفياتنا، الداخل إليها مفقود، والخارج منها مولود فما بالك بوجود ڤيروس أربك الأنظمة الصحية لأعتى دول العالم.

هذا مصيرنا، هذا هو أكثر ما يمكن أن نفعله، فلكي لا نكون عبئا على الآخرين، بل حتى لا نكون عبئا على أنفسنا، يجب أن نسجد، نتضرع، ونبقى في الحجر الصحي، إلى أن يزيل الله عنا البلاء، ويأتينا الكفار بالدواء، كفار؟ من هم الكفار، هم أم نحن؟ الإجابة لكم.

* طالب باحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *