وجهة نظر

ما بعد كورونا.. الطريق نحو المجهول ولكن!

أصبح النقاش مفتوحا حول ما بعد كورونا بين كل التوجهات السياسية والثقافية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، بلهو موضوع المرحلة من حيث تساؤلاته وافتراضاته وتوقعاته، وكم هو جميل أن تكون المشاركات في رؤيتها تسعى إلى إبراز معالم ( ما بعد كورونا) بما هو علمي يستند على تحديث المعطيات وتفصيلها على الواقع المغربي، خاصة أن مايثير حفيظة كل متتبع هو السؤال نحو المستقبل، رغم الإجابات المبنية على الاحتمال والظن. لكن ما يثير حفيظة كل متتبع هو الانقسام الغير البريء المرتبط بالموضوع من حيث معالجته، فموضوع ما بعد كورونا، انشطر الرأي العام فيه إلى مجموعة من التوجهات، يمكن استشراف معالمها في :

سياسيون عمدوا على استشراف ما بعد كورونا بحكم ممارستهم، ووجودهم في ما عليه واقع كورونا من تحدياتوإجراءات، دفعت بهم إلى وضع محددات استباقية بما فرض عليهم من معطيات توضح المعالم المستقبلية للقطاعات الحيوية داخل الدولة، وهذا دفع بالمتلقي أن ينقسم في التجاوب مع طروحاتهم إلى:

فئة يندمج فيها السياسي والعامي، تتوافق في قناعاتها بالكثير من التجاوب مع المقترحات والتطلعات التي عمدوا على اقتراحها.

فئة يستقل فيها السياسي عن العامي، فتتكون عنده قراءات اعتراضية بحكم انتسابه الحزبي الذي يستبطن رفض التميز من الغير، وهو مخل بخوارم الآداب المنوطة بالمرحلة التي تفرض الالتحام والدفع بما فيه مصلحة الوطن.

مثقفون واقتصاديون، أدلوا بقريحتهم في ما بعد كورونا، دون أن يسلم منهم التوجه إلى طروحات مختلفة من خلال :

فئة يتميز فيها المثقف عن العامي، بجرد أخبار كورونا وتطورها، وربط الحوادث مع الواقع في حلة سردية تواصلية تبنى على معالجات سوسيولوجية.

وفئة تعتمد المقاربة الاقتصادية، وهي تبنى على تفصيل النتائج بإعطاء صورة سوداوية عن مآلات كورونا بناء على معطيات وإحصاءات واقعية، وفئة تطابق رؤيتها التفاؤلية بمعطيات كلية، معتمدة على الخصوصية الاقتصادية للدولة ما قبل كورونا لتضفي شرعية تفاؤلها للمقاربة الاقتصادية عن ما بعد كورونا.

فالمتفائلون يبنى عندهم المستقبل على راهنية الإجراءات المعتمدة للدولة، والمتشائمون تبنى عندهم على واقعية الحوادث والشواهد الآنية لما عليه الحال في كورونا أو ما قبل كورونا.

وعموما إن ما بعد كورونا يرتبط مباشرة إلى ما قبل كورونا وفي خضم كورونا ، لأن ما بعد يفرض استخلاص النتائج، وما قبل يحتم الشواهد، وما نحن عليه الان يوثق بالحقائق.

لقد عرف هذا السؤال تفاعلا كبيرا في كل دول العالم، انعكس إيجابا على تبنيه في المغرب كورش مفتوح أمام الجميع، غير أن ما يثير حفيظة المتتبع لهذا الورش، كونه سقط ضحية مزايدات اختص بها بعض السياسيين كتوظيف سلبي لايرقى لما هو ( في خضم كورونا أخلاقا للجواب عن ما بعد كورونا استشرافا )، حيث أن مبادرات بعض السياسيين غلب عليها القوة الاقتراحية لما بعد كورونا، من خلال البحث عن أرضية علمية تستند على تحيين المعطيات وتوظيفها استباقيا، سواء في مهامهم أو ممارستهم، وبالمقابل عمد الآخرون إلى تبني المنهجية البنائية والتي تعتمد على بناء مداخلاتهم على أصحاب القوة الاقتراحية مع تزيينها ببعض الاعتراضات لتوهج الاختلاف باسمهم، غير أنها في مجملها تبقى تشاركية، في حين أن هناك فئة سياسية استعراضية فلا هي قوة اقتراحية ولا ذات منهجية بنائية، حيثتعمد على ترقب الطرفين لتوظف التوهم الفكري المنسوب ذاتيا في اللاشعور عندها لتقارع الآخرين تحت مبدأ التسويق السياسي، في حين أن المرحلة تساءل المواطنة ابتعادا عن الغوغائية والمزايدات السياسية الضيقة، وحتى لا تبخس في مشاركاتها، كان عليها على الأقل أن تعمد على تجديد معطياتها.

إن الجواب عن ما بعد كورونا في المغرب ليس بعيدا عن المتغيرات التي تطرأ على السياسة العالمية، فالمغرب سيتأثر لامحالة بما ستفرزه أيام ما بعد كورونا محليا ودوليا.

فمن حيث العلاقات الدولية، مما لا شك فيه أن الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، قد فقدت سيطرتها الكلية على العالم من خلال بروز قوى دولية أخرى وعلى رأسها الصين، وهذا سيعيد ترتيب الأولويات لهذه الدول سيضع ثغرة أمام المغرب ليضع يده على الملفات التي كان يعمد على تمديد آجالها للحفاظ على مصالح تلك الدول، أي أن قوة وبروز الدبلوماسية المغربية راهنيتها من الان إلى ما بعد كورونا، وأن الرهان الثاني يكمن في الإغلاق المجازي للحدود بنهج سياسة البناء الداخلية وترتيب الأولويات السياسية في العلاقات مع الدول بما يضمن مصلحة الدولة أولا وأخيرا، وخاصة تفعيل الدور الريادي للعلاقات الإفريقية المغربية باعتماد سياسة جنوب جنوب.

ومن حيث الموارد الطبيعية للمغرب، فهي الرهان الحقيقي للسير قدما في تطوير الدولة، وعلى رأسها الورش الفلاحي الذي برهن في زمن كورونا من خلال المخطط الأخضر أنه كان استباقيا توافق مع السنن الكونية التي حبا الله تعالى بها المغرب في زمن كورونا، ففي الوقت الذي بدأت العديد من الدول الحديث عن الأمن الغذائي لما بعد جائحة كورونا، فإن المغرب يتحدث عن تطوير نتائج هذا المخطط للسير قدما نحو تغطية الكماليات الغذائية بعيدا عن كل ما هو متعلق بالأمن الغذائي. وكذلك تطوير مجالات باقي الموارد الطبيعية التي هي في صلب الاستقرار الاجتماعي باعتباره صمام الأمان نحو المستقبل.

ومن حيث الموارد البشرية فإن مرحلة كورونا قد أفرزت لنا وجود خيط الثقة بين مؤسسات الدولة والطاقات الشابة الواعدة، من خلال تبني مقترحاتهم العلمية في مواجهة جائحة كورونا، وهذا يدفع اعتماد مقاربة ما بعد كورونا، أن يكون الشباب المبدع في صلب اهتمامات الدولة، للدفع بهم نحو البناء والتجديد وتوظيف طاقاتهم، فالنموذج التنموي الحقيقي هو تبني الطاقات الشابة ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، خلافا للقاعدة التي فككت الاتحاد السوفياتي ( الرجل الغير المناسب في المكان المناسب).

أما من حيث المقاربة الاقتصادية، فبالاعتماد على الدراسات الاقتراحية لمعالجة التحديات الاقتصادية بعيدا عن المقاربات الوصفية التي تغرق السوق بأرقام تطور الهشاشة، وانصهار الطبقة الوسطى، وارتفاع نسب البطالة، لأن هذه الدراسات في مجملها تنقل الواقع وهي صادقة، غير أن ما بعد جائحة كورونا تحتاج إلى قوى اقتراحية مبدعة تجد الحلول لما هو كائن ولما سيكون بناء على معطيات علمية مدققة.

وأما من حيث ما هو اجتماعي، فمغرب ما قبل كورونا كان مغرب (البعض) النفعية والتسطيح البعيد عن المواطنة في الغالب الأعم فالحلال ما حل في اليد والحرام ما بعد عن اليد، وكل سبيل يمكن أن يزيد من رغد العيش فتلك طريق السعادة إلا ما رحم ربي، وكذلك طغت على الكثير من الشرائح الاجتماعية، مفارقات طبقية وهمية صورية يطغى عليها الاستهلاك المفرط، أما مغرب مرحلة كورونا فهو مغرب الأجداد والتضامن والتآزر والانتساب للوطن، مغرب شعرت كلشرائحه إن لم نقل جلها بالمواطنة وروح الوطن، وهو ما وفر على الدولة مجهودا كبيرا وميزانية ضخمة في تربية المواطن على قيم الانتساب الوطني والتعلق بالبلد، يدفع إلى ما بعد كورونا مؤسسة هذا الانتماء بالدفع قدما بالشرفاء داخل الوطن وتتبع المحاسبة بالمسؤولية، ورد الاعتبار للكوادر والطاقات، والاعتناء بالقدرات الفردية والتصورات الجماعية.

كما تجدر الإشارة إلى نقطة ملحة تحتم على مغرب ما بعد كورونا الحزم فيها وبقوة، هي الإعلام ومجالاته، ( مع الحفاظ على كل الاحترام للإعلاميين المهنيين الأكفاء الذين يبذلون جهدا خرافيا في زمن الرداءة لتصحيح العمل وتقويمه) فالأداء الإعلامي في زمن كورونا يعود في إبداعاته إلى الزمن الأول لظهور التلفزيون، فبقدر كثرة الإنتاج، بقدر رداءة الأفكار، فإعلام كورونا هو إعلام وصفي اجتراري يعمد على نقل المعلومة دون توظيف مقابلها، ووصلاته التوعوية يطغى عليها التسطيح، فلا نرى برامج وثائقية توعوية عن تاريخ المغرب ومجده، ولا عن برامج تناقش مستقبل المغرب ما بعد كورونا، أو برامج تدفع بالارتباط بالدولة والثقة بمجهوداتها في استراتيجيتها في زمن كورونا وما بعد كورونا أو ذلك الغائب جملة من حيث الخصوصية كالطفل المغربي…. مما فتح المجال لوسائط التواصل الاجتماعي أن تكون البديل الهدام للمقوم النفسي والاجتماعي في زمن كورونا. فالإعلام في زمن كورونا هو قرين سرير الإنعاش، بل قد يكون في استيعاب الرأي العام وتوجيهه أقوى منه. لذا وجب بعد كورونا أن نعتمد مقاربة إصلاح الإعلام ومؤسساته كضرورة ملحة تحتقاعدة ( أعطني منبرا إعلاميا قويا، أمنحك عقولا موحدة الفكرة ).

*ذ. عبدالله أبوعوض أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *