مجتمع

أطفال المغرب العميق .. الفقر والتهميش يدخلهم في عطلة دراسية دائمة

ما أن تبتعد قليلا عن المدن الكبرى، حتى تكتشف أن قرار استمرار “التعليم عن بعد” مجرد إشاعة، إذ ستجد مناطق بها من الفقر ما جعل الأطفال الصغار ينقطعون عن الدراسة، بشكل نهائي، منذ أن أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي، توقيف الذهاب إلى المدارس، وتعويضها بالدراسة عن بعد، إلى إشعار آخر، للمساهمة في الحد من تفشي جائحة كورونا.

صفية (اسم مستعار) أستاذة التعليم الابتدائي، في قرية تبعد عن مدينة مراكش بمائة كيلو متر، قالت إنه “في المغرب العميق، توقف الأطفال عن الدراسة، قبل إعلان الوزارة، برمجة العطلة في الفترة الممتدة من 27 أبريل الجاري إلى 3 ماي المقبل، وفقدوا القدرة على مواكبتها من المنازل”. وتردف أستاذة التعليم الابتدائي، بكثير من الإحباط والعجز عن تقديم يد المساعدة “وليداتي مساكن –أي تلاميذي- بقاو بلا قراية، وأنا متأكدة ولو ترجع الظروف إلى وضعها الطبيعي، فعدد مهم منهم، لن يستمر في مواكبة الدراسة”.

وجوابا عن سؤال حول الأسباب الكامنة وراء توقف الأطفال عن مواكبة دراستهم عن بعد، على غرار باقي الأطفال المغاربة في الحاضرة، وبعض المناطق القروية، تجيب صفية في حديث مع جريدة “العمق”، “نادرا هناك ما تجد، أب أو أم يتوفر على هاتف ذكي، فما بالك بالطفل، وإن تصادف وتوفر على الهاتف من أين يأتي بالإنترنت، وإن توفر على المال من أجل التعبئة، من أين يأتِ بالتغطية؟، المسألة متسلسلة ومعقدة، هي مشكل منظومة مجتمعية كاملة، خلل عميق، جعل الكفة غير متوازنة، وجعل التعليم في المغرب، للأسف، موضوع تمييز طبقي”.

واستمرارا في سرد معاناة عدد من أطفال المغرب العميق، تشير صفية، إلى مبادرة قام بها أستاذ في قرية مجاورة بالقول، “حاول أستاذ المساعدة بقدر إمكانياته، فوفر عدد من الهواتف الذكية، وتعبئة الانترنت، لكنه طبعا لم يستطع تقديم نفس المساعدة لتلاميذه كلهم، فأصبح كل هاتف مُقدم بمثابة وسيلة تواصل ثلاثة تلاميذ يسكنون بجانب بعض، أو أربعة تلاميذ، لكنه لم يستطع السيطرة على الأمور، إذ أصبح سببا في عقد تجمعات في الوقت الذي يخاف فيه الناس من عدوى فيروس كورونا، ويلزمون فيه المنازل، فاضطر إلى التوقف عن مبادرته”.

وفي السياق نفسه، أردفت المتحدثة “نعم الوزارة قامت بمبادرة التعليم التلفزيوني، عبر القناة الرابعة كمثال، لمن لا يتوفر على هواتف وأجهزة كمبيوتر، لمواصلة الدراسة، ولكن خلينا منطقيين وواضحين في طرحنا للأمور الجادة، هل يمكن لطفل أن يُتابع دروسه لوحده؟، بدون رقيب ولا معلم؟، وكلشي عارف نسب تفشي الأمية عن الآباء في المغرب العميق”.

مطالب متوقفة “إلى إشعار آخر”

ورغم مبادرة عدد من المجالس الإقليمية، توفير المعدات اللوجيستيكية للتلاميذ والطاقم التدريسي، إلا أنه لم تعمم المبادرة، على غرار “المجلس الإقليمي (لاسا الزاد) توفيره ما يمكن من المعدات وموارد رقمية بالتنسيق مع المصالح الجهوية والإقليمية لوزارة التربية الوطنية، لضمان تمكين ودعم المتعلمين من الاستمرار في التحصيل الدراسي عبر توفير اللوحات الإلكترونية لفائدة السنوات الإشهادية بكل من الجماعات الترابية بالوسط الحضري والوسط القروي”.

وطالبت اللجنة الإدارية للجامعة الوطنية للتعليم التوجه الديمقراطي، في بلاغ لها، الحكومة ووزارة التربية الوطنية، بالعمل على معالجة الاختلالات المجالية، و”أساسا المناطق والأحياء المُهمَّشة والفئات الشعبية الفقيرة في البوادي والحواضر، بما يضمن المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص، معلنة رفضها استعاضة التعليم الحضوري بأي شكل من أشكال التدريس عن بعد، لقصوره في تحقيق المساواة في التعليم والتعلم بين بنات وأبناء الشعب المغربي بكل المناطق وبكل الأسلاك التعليمية بسبب تفاقم الفوارق الطبقية والمجالية”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *