من العمق

حفل الولاء وتدافع الإرادات

“إنها الطماطم وليس التفاح”

يحكي أن أحد قياد وزارة الداخلية خرج يوما إلى السوق الأسبوعي لأحد المدن جنوب المغرب رفقة مجموعة من مساعديه، فأخذا يخاطب هذا البائع بإخلاء الممرات وذاك بالتراجع إلى الوراء… وفجأة لمح صندوقا لأحد بائعي الخضر وقد وضعه بشكل مائل مملوء بالطماطم وكانت كلها ذات لون أخضر، فخاطبه القايد قائلا: “أجمع علي أسيدي هاد التفاح من هنا” وما إن هم الرجل بالمبادرة ليصحح للقايد بأن الأمر يتعلق بطماطم خضراء وليس بالتفاح حتى فاجئه أحد المرافقين للقايد بالقول وبصوت عال “وكاليك القايد اجمع التفاح يعني اجمع التفاح”. هي طرفة لكنها تعكس أحد صور الإصرار على الأخطاء وعلى ترسيخ بعض السلوكيات حتى لو كانت غير صحيحة ومفارقة للواقع.

سبب نزول هذه الحكاية هو حفل الولاء الذي أقيم في اليوم الثاني لعيد الفطر كما جرت بذلك العادة كل سنة وما أثاره من ردود فعل لم تأخذ من قبل هذه المساحة، وبعد قليل تردد حول أهمية هذا النقاش وموقعه اليوم في سلم أولويات النقاش الوطني تأكد أن لهذه الطقوس على رمزيتها الكثير من الدلالات والتي لا تخرج عن مجالات الفعل السياسي والإشارات الرمزية المندرج ضمن تدافع إرادتين أو أكثر.

حفل الولاء وخاصة الطريقة التي يتم بها يندرج في إطار تدافع حد الصراع بين إرادتين، أولى تصر على حفل الولاء لتقديم إشارات على أن لا شيء تغيير بالمغرب وأن دار لقمان ما تزال على حالها على الرغم من صعود الإسلاميين بما يعطي نفس من اليأس في التغيير وأيضا بما يساهم في مسعى إضعاف هذه التجربة والنيل من شعبية من يقودها، وقد تأكد ذلك من خلال المساحة الإعلامية الرسمية المخصصة له والتي تعكس نفوذ المحيطين بالقصر عليه، وإرادة ثانية تسعى جاهدة للاستجابة لروح العصر ومنطق الوقت الذي يؤطره سياق حاكم اليوم عنوانه الشعب يريد. إن إرادة الرافضين للحفل أو مضمونه تتطلع إلى ملكية حديثة تواكب العصر ولا تتخلف عنه وتستجيب لنبض الشعب والأمة.

يحدث ذلك على الرغم من تعالي أصوات النخبة والشباب والعلماء والسياسيين والعديد من الغيورين على هذا الوطن وعلى ملكيته مطالبين بإلغاء هذا الحفل أو على الأقل مراجعة مضمونه خاصة مظهر السجود ذاك المهين للكرامة الإنسانية. إن المصرين على الشكل الذي يتم به حفل الولاء إنما يفكرون ويوجدون خارج روح ومنطق هذا العصر، إنهم رجعيون يفكرون خارج روح ربيع الأمة الديمقراطي.

إن مثل هكذا إصرار على طقوس الركوع لغير الله الضاربة في التخلف رغم الرفض العارم لها وتغريدها خارج السياق الحاكم لكل النصوص اليوم، يؤكد السعي الحثيث لمقاومي الإصلاح وأعداء الديمقراطية إلى خلق المزيد من الأعداء المفترضين للملكية وإذكاء الموجودة منها وإن كانت لا تتوفر على الجرأة الكافية لإعلان ذلك ومحاولة الإيقاع بآخرين في موقع صدامي مع الملك بما يترك الساحة فارغة لجهات وحيدة هي من تنقل الصورة التي تريد عن الآخرين وتترصد كل الفرص وتلعب بكل الأوراق حتى المسيئة منها للملكية أحيانا، من أجل العودة إلى إكمال مسار التحكم والتسلط والفساد والاستبداد، لكن هيهات هيهات فالوهم كل الوهم لدى من يعتقد اليوم أنه يمكن مخادعة الربيع الديمقراطي أو الالتفاف على المطالب الشعبية في الحرية والكرامة والديمقراطية. “وعما بن عما لي يشوف لغمامة ويدير حوايجوا فالما”.

يطرح سؤال بحدة اليوم ماذا يضيف حفل الولاء للمؤسسة الملكية؟ هل الهيبة أم الاحترام أما ماذا؟ وحتى إن تقبلنا افتراضا جلب هذه الطقوس لقليل من الاحترام وإن على مستوى الظاهر في ما مضى من الزمن فإن مشاهد الركوع تلك لغير الله لم تجلب اليوم سوى الامتعاض والسخط سواء بالداخل أو بالخارج، حيث أصبحنا أضحوكة للشعوب الأخرى، إن منطق الوقت تغير وتغيرت معه القيم المعيارية في الحكم على الناس وتجارب الدول كما تبدلت معها أساليب الاحترام وتقدير الناس، وقد أصحبت محدداتها اليوم تتركز في مستوى الحرية والكرامة الإنسانية والديمقراطية مما يتطلب تغير الناس والمواقف والخطاب والقرارات.

فأي الخطوتين ستزيد الناس حبا وتقديرا للملك إلغاء حفل الولاء أو مراجعة مضمونه على الأقل وفق ملكية عصرية تواكب التحولات أم تكريسه بتلك الطريقة الضاربة في التخلف. مع العلم أن الركوع لا يعني بالضرورة وفاءا ولا صفاء ولا احتراما والله وحده يتولى السرائر. فلمقيمي الحفل نيتهم ولمن وجهوا الدعوة نيتهم وللراكع نيته فالله أعلم لمن كان يركع في تلك اللحظة بالذات أللملك أم للمظلة أم الحصان أم لمن استدعاه فلكل هجرته وما هاجر إليه.

إن إشارات الرغبة في توتير العلاقة وتسميمها بين الملك ومختلف القوى الوطنية الحية والقوية ومنها الحزب الذي يقود الحكومة اليوم أصبحت واضحة للعيان. مما يؤكد أن حفل الولاء ليس مجرد فعل عابر في زمكان معين بل برزت فيه ومعه أحد مؤشرات تدافع إرادة الإصلاح وإرادة فرملته ومقاومته.

إن حب الملك أو حتى المزايدة في ذلك لا يتم بتقديم مشاريع كاذبة أو تركها لسنوات دون تحرك على الرغم من تدشينها لسنوات أحيانا ولا بتكريس طقوس مخزنية بالية لا تولد سوى الامتعاض والاستهجان لدى القاصي والداني ولا بفبركة الوقائع أو شيطنة الناس بل بالعمل والتفاني ونكران الذات والنزاهة والاستقامة وتغليب المصلحة العامة على الخاصة وتكريس مفهوم الدولة الخادمة للمواطن والاستجابة لتطلعات الشعب وانتظاراته.

إن المغاربة ليسوا في حاجة لمن يزايد عليهم في درجة حب الملك ولا في الإجماع الوطني على هذا الثابت “الملكية” القائمة أساسا على ركائز الدين الإسلامي والإلتفاف الوطني والخيار الديمقراطي. هي إذن نقطة نظام ضرورية وسط زخم تدافع إرادتي الإصلاح والإفساد بما يدفع في اتجاه عدم تجاهل معطيات الواقع ولا تحولاته وحتى تسمى الأشياء بمسمياتها “فالطماطم طماطم والتفاح تفاح” مهما بلغ نفوذ القايد أوصراخ خدامه، دون مراوغة أو تجاهل أوصم للآذان. ومن أجل وطن يضم جميع أبنائه ويوزع ثرواته عليهم بالعدل. “ياك لي كيحسب وحدوا تيشيط ليه… وكذلك لي بغا يحكم وحدو”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *