من العمق

المهرجان الوطني للفيلم بطنجة “تنوع خادع”

لقد أصبح المركز السينمائي المغربي ضالعا في التعاطي مع المهرجانات التي ينظم العشرات منها سنويا وتطويعها لخدمة ما سطر لها من أهداف بدقة متناهية بشكل لا يترك معه فرصة للصدفة أو المفاجئة. وهكذا فإن الأفلام الطويلة والقصيرة الحاصلة على الدعم المالي وكذا المخرجين الحاصلين على الاعتماد والنقاد المقربين والمستفيدين لا يخرجون جميعا عن الرؤية الوحيدة التي يراد لها بمغرب اليوم أن تحكم عالم الفن والسينما على وجه الخصوص والتي يربض كثيرون من ورائها ويوضع آخرون في واجهاتها ومنهم في هذا الهنا رئيس المركز السينمائي المغربي.

موضوع هذا الكلام اليوم هو حول “التنوع الخادع” الذي يمكن أن يسجل من خلال اختيار أولا لجنة تحكيم الأفلام الطويلة منها خاصة المشاركة في المسابقة الرسمية للدورة 13 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وثانيا من خلال الأفلام التي ستشارك والبالغ عددها 46 فيلما بين طويل وقصير وإن كان الحديث هنا عن الفيلم الطويل ولجنة تحكيمه بشكل أساسي.

هكذا، وعلى الرغم مثلا من إدراج فيلم “أيادي خشنة”للمخرج محمد العسلي وبطولة محمد البسطاوي أو فيلم “نهار تزاد طفا الضو” لمخرجه محمد الكغاط وبطولة رشيد الوالي… وغيره من الأفلام المغربية المحترمة المشاركة في المهرجان، فإن تركيبة لجنة تحكيم التي لم يعلن المركز السينمائي المغربي حتى اليوم لا عن معايير ولا طريقة أو المحددات المتبعة في اختيارها فتضم في تركيبتها جملة أشخاص لا تخرج جلها عن سياق “الحداثة” المفترى عنها اليوم والتي تروم في النهاية رفع لواء الميوعة واستهداف قيم المغاربة ومصادمة هويتهم، وهكذا يحق لنا التساؤل حول كيف سيفهم أعضاء لجنة التحكيم الأجانب خاصة الفرنسيين والسويسري ونوعا ما اللبناني، مع كامل الاحترام الفني لهم، الثقافة والقيم المغربية برموزها وإشاراتها وسميائيتها ومدلولات كلماتها ،على الرغم من وجود الترجمة، فإذا استثنينا الجانب الفني والتقني والذي ليس محددا لوحده في هذا الموضوع، فمن الصعب على الفيلسوف الفرنسي “إدكار موران” والإيفواري “فاديكا كرامولانسيني”، و “تييري لونوفيل”الفرنسي أيضا والسويسري “مارسيال نايبل”، فهم ثقافتنا ولغتنا فهما عميقا بمدلولاتها وزخمها الغني والمتنوع وأيضا بسياقات توظيفها الذي يكون حاكما في أغلب الأحيان.
إذن فكيف سيكون تعاطي هؤلاء مع الأفلام المغربية المحترمة، وهل نحن أمام مهرجان وطني أم فرنسي أم ماذا؟ خاصة أمام مشاركة أفلام فرنسية الإخراج والإنتاج.

أما العنصر الثاني المؤشر على هذا “التنوع الخادع” والذي لن يخدم في النهاية سوى رؤية نور الدين الصايل رئيس المركز السينمائي المغربي والمخرجين الدائرين في فلكه، فهو طبيعة الشخصيات العربية والمغربية التي تضمنتها لجنتي تحكيم أفلام المسابقة الرسمية فالمغاربة يعرفون جيدا التوجهات الفكرية والسياسية والقناعات العلمانية مثلا لكل من أحمد حرزني رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سابقا الذي يقدم اليوم كنائب لإدغار موران في لجنة التحكيم وأيضا للصحفية سناء العاجي، والتي لا تتردد في التهجم على كل ما هو أصيل عند المغاربة من قيم وتقاليد خاصة ما تعلق بموضوع الحريات الفردية والتي تنصب نفسها مدافعة عنه. وأيضا وفي نفس المسار يحضر الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس، صاحب كتاب “الصورة الملتبسة، السينما في لبنان مبدعوها وأفلامها” والمعروف في لبنان بتوجهاته الفنية وأيضا بالنقد الشديد الذي يواجه به ما يكتب سواء من الناحية الفنية والأدبية أيضا.

والخلاصة إن اضطرار المركز السينمائي المغربي لإدراج بعض الأفلام المغربية المحترمة ضمن المسابقة الرسمية بالنظر إلى كفاءة مخرجيها ومستواها الفني والتقني الرفيع الذي شهد به القاصي قبل الداني، فإن ذلك لن يعني بالضرورة أنها ستكون متوجة في المهرجان، فتركيبة لجنة التحكيم هي صاحبة الكلمة في نهاية المطاف والتي تلجئ أحيانا إلى حسم الاختيارات بالتصويت، وهنا بالطبع من الواضح كفة من سترجح، وأيضا الأفلام التي قد تفوز بالجوائز المهمة والتي جرت العادة أنها لا تخرج عن دائرة “الجرأة الجبانة” المرتبطة بالخلاعة والكلام الساقط وأيضا بالحداثة المفترى عنها التي تقاس هي الأخرى بالعنصر الأول وبالعلاقة مع دولة فرنسا والتي بات من الواضح اليوم أن بصمتها حاضرة وإن بدرجات مختلفة في جل المهرجانات السينمائية بالمغرب.

بصرخة واحدة، إن سياسة نور الدين الصايل في تعاطيه مع المهرجانات الوطنية والدولية المنظمة بالمغرب لا تخرج عن مقولة الشعبية “ضربو على الشعا” بمعنى في الواجهة الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي رئيسا للجنة تحكيم الفيلم الطويل والكاتب اللبناني ضمن اللجنة لكن في العمق لن تخرج الجوائز عن مسار ما سطرت له. فهل نحن أمام لجنة تحكيم للفيلم الطويل وضعت على مقاس بعض الأفلام المشاركة والتي هي بكل تأكيد غير محترمة ولا مشرفة للمغرب ولا هم يحزنون؟.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *