وجهة نظر

القيم الجمالية في عمل الشرطي

أعادت الأزمة الصحية التي يجتازها العالم منذ بداية سنة 2020 بعد الانتشار المهول لفيروس كوفيد 19 عقارب الساعة الى البداية ، وانهارت العديد من المحددات والمعايير التي أسست عليها العلاقات الدولية كحرية التنقل الأشخاص والبضائع، والمقولة المشهورة أن العالم أصبح قرية صغيرة لم يبق لها ذالك التوجه ،بعدما سارعت غالبية الدول الى إغلاق الحدود مع العالم و الانكماش في ظل التدابير الاحترازية .وكيما كانت قيمة هذه الدول سياسيا واقتصاديا استطاعت فرض التدابير ولو في حق دول اقوى منها اقتنعت انها ضرورية لحماية رعاياها وهو القرار لم تكن قادرة على اتخاذه سابقا بحكم ميزان القوة غير المتوازن. وبفعل التهديد المباشر للحق في السلامة الجسدية الأشخاص اقنتع الانسان بحتمية فرض التدابير الصحية ولو شكلت مساسا بحريته في التصرف، والتفت الناس بشكل جلي للأدوار التي تقوم بها بعض ألمرافق العامة التابعة للدولة خدمة للمواطنين في ظل هذه الظروف العصيبة والتي كان ينظر إليها بشكل مغاير وبجانب للصواب فأسترجع الطبيب مكانته في الاعتبار الوظيفي والقيمة الرمزية وتولد نفس جديد لمهنة الطبيب والممرض ا ورجال السلطة ورجال القوة العمومية من أفراد القوات المسلحة الملكية الشرطة والدرك الوقاية المدنية والجمارك و القوات المساعدة والمكلفون بالتعقيم والتطهير وأعضاء جمعيات المجتمع المدني ،وعمال المصانع والضيعات الفلاحية…الخ .

وتبعا لذلك تعالت ردود أفعال المواطنين سواء بشكل مباشر او على منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات الفورية التفاعلية التي تشيد بأداء هذه المكونات وبشكل خاص بالأداء المهني الرفيع لعناصر الشرطة والحرص على تشجيعهم والتنويه بالجهود الجبارة في مواجهة انتشار الفيروس رغم الإجراءات الصارمة التي تقوم بها الشرطة في إطار إدارة حالة الطوارئ الصحية ببلادنا والتي تشكل حدا للحريات الفردية للحفاظ على على أحد مقومات النظام العام الا وهي الصحة العامة.

في ظل هذه المتغيرات كيف يمكن تفسير هذا التحول الذي طبع رد فعل المواطنين الموسوم بإيمانهم بالدور الفعال الذي تقوم به الشرطة لحفظ صحة المواطنين واليقظة التي طبعت أداء موظفي الأمن الوطني لترتيب المغرب انفجارا العدوى بالفيروس والأضرار الجسيمة التي قد تنتج عن ذلك ؟؟؟

في ظل الأزمات تقف الشعوب على حقيقة الوضع الذي توجد عليه وتدرك أن ما اهمل الانسان التفكير فيه متعمدا هو أن أناس يضحون في سبيل الاستقرار والطمأنينة وذالك من خلال معايشتهم مباشرة على خط المواجهة آنذاك تدرك أن التمثل ليس هو الحقيقة وان زيف المواقف لا ينفي رد الاعتبار لكل من ينشد المصلحة العامة في عمله وان الانتقاد الأجوف ليس حلا لضعف التواصل في الفضاء العمومي ،ولا يترك مجالا لإدراك مجموعة من القيم الجمالية والأخلاقية في عمل معين. وكيف يغيب هذا الأمر عن الأذهان خاصة ما يتعلق بقيم الجمال في العمل الشرطي سواء تعلق الأمر بالأحوال العادية أو خلال فترة الأزمات .

رغم استغراب بعض الناس حول علاقة القيم الجمالية بعمل الشرطة التي أوكل إليها امر إنفاذ القانون وعليه فعملها مطبوع بالحزم والصرامة وعدم التسامح ،فإن في عمل الشرطة قيما جمالية تدرك من خلال مجموعة من المهام الإنسانية التي يتسم بها عمل الشرطة خلال عملية تطبيق القانون والتي نسرد منها مايلي:

الاستجابة الفورية لنداء الاستعانة وطلب النجدة التهدئة من روع ضحايا حوادث الطرقات والجرائم تقديم الإسعافات الأولية للمصابين بالشارع العام حسن استقبال المرافقين وارشادهم البحث عن الأشخاص المتغيبين ولم شمل العائلة. حماية الأطفال في وضعية صعبة من المؤثرات الخارجية توفير الحماية للنساء ضحايا العنف والتحرش حماية الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة التحسيس والتوعية بالوسط المدرسي مساعدة الشيوخ والأطفال بالطريق العام.

الدفاع عن نفس وممتلكات المواطنين ولا يوجد أدنى أن الاستعداد التلقائي لأداء واجب الدفاع عن نفس المواطن وماله يدخل في مرتكزات الوجدان الشرطي واحساسه العميق بثقل المسؤولية القانونية والأخلاقية الملقاة على عاتقه فلا يمكنه أن يتوانى في القيام لذالك رغم المخاطر الكبيرة التي يواجهها والتي قد تكلفه حياته في بعض الأحيان، ولا أحد.ينكر كذلك أهمية التواصل المباشر بين الشرطة والمواطن عندما يلجأ هذا الأخير للشرطة، فهذه اللحظة فارقة في تكوين صورة إيجابية حيث ينبغي التكلف بالحالة وطمأنتها وتقديم الدعم المعنوي لإعادة الاستقرار النفسي وهو عمل إنساني جبار يمتلك فيه الشرطي خبرات الطبيب النفسي ويجيد هذا الدور بكل اقتدار، فليس هناك اكبر قيمة للجمال من أن تأخذ مواطنا مكلوما بالحضن والرفق وتضمد جراحه سواء الجسدية أو النفسية واحتواءه من الفزع الذي أحدثه الفعل الجرمي فكلها قيم إنسانية راسخة لا يمكن أن تنمحي من ذاكرة المواطن الذي عاش هذه المحنة .

وتتعزز هذه المجهودات التي تتضمن قيما جمالية تجعل من الوظيفة الشرطية بوابة لضمان التماسك الاجتماعي واستقرار المجتمع بالمجهودات الاستثنائية التي ترصد لتأطير التدابير المتخذة لمكافحة الأوبئة التي جعلت من عمل الشرطي مفتاحا لمنع انتشار العدوى من خلال التطبيق الصارم التدابير حالة الطوارئ ،بالشرطي وهو يقف في نقطة مراقبة او مدار او في اي مهمة يعي تماما أن له بيت صغير يضم أفراد أسرته الصغيرة يجب عليه حمايته من كل سوء ،وأنه له بيت كبير به أفراد أسرته الكبيرة وهم سكان مدينته التي يعمل لحمايتها من كل سوء ، ويقف متحديا الاخطار التي قد تجعل منه رقما يضاف الى حالات الإصابة التي تعلنها وزارة الصحة ويخاطر كذلك بحمل العدوى لأسرته كل يوم .لذالك إنتبه المواطن للدور الفعال الشرطي وادرك قيمة جمالية في هذا العمل، لأنه أدرك بشكل واضح أهمية العمل الأمني كقيمة انسانية تطمح إليها الدول الراقية والتي توجهت نحو تعزيز سبل العمل التشاركي بين الشرطة كفاعل رسمي في ضمان النظام العام الشامل بكل مقوماتها الا وهي: الأمن العام ،الصحة العامة ،السكينة العامة وتحاول كذلك تعزيز سبل الإنتاج المشترك الأمن بين الشرطة والمواطن وإعداد قوانين تخول المواطن التطوع للعمل في صفوف الشرطة كما هو الشأن في فرنسا بمقتضى القانون رقم2017.86 المتعلق بالمساواة والمواطنة الصادر بتاريخ 27 يناير 2017 ،ولا شك ان التطوع في العمل الى جانب عناصر الامن مدخلا هاما لتعزيز الشعور بأهمية دور الشرطة وقيمة مجهوداتها من خلال القناعات التي تدرك بحكم المعاينة اليومية والاطلاع على المجهودات الذان يسهمان في تبديد التصور غير المناسب وتعزيز فرص التواصل دون وسائط لها أهداف خفية معلنة لتكريس الجفاء والتباعد بين المواطن ومؤسساته لتقويض كل المجهودات التي بذلت في هذا الباب والسير بالمجتمع الى النفق المسدود.

* فهمي بوشعيب
• حاصل على الاجازة في القانون الخاص 2006
• شهادة الماستر في القانون المدني 2014
• شهادة الدكتوراه في القانون الخاص 2018

من اصداراته :
• ظاهرة الالتراس بالمغرب مقاربة قانونية واجتماعية2018
• مجموعات الالتراس نحو راديكالية العنف وتسييس مدرجات الملاعب 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *