وجهة نظر

المسؤولية الجنائية لناقل عدوى فيروس ”كوفيد 19”

في سياق التدبير الصحي والأمني للأزمة التي تسبب فيها انتشار فيروس كوفيد 19، الذي حول العالم الى اقطار منغلقة على نفسها وانقطعت السبل ولم يكن الانسان يعتقد انه ينهار زخم العولمة والترابط وانه سيعيش في عزلة إجبارية لا حدود لها ولا أمل للخروج منها في الأحد القريب نظرا للتكلفة الصحية والاثار الاجتماعية الوخيمة على مستقبل بنيات المجتمع الحالي الى جانب الخسائر الاقتصادية في قطاعات كبرى ستتغير ملامحها بشكل تام وستنزل درجات من سلم أولويات الدول التي وجدت نفسها غير قادرة على رد الفعل المباشر والناجع للخروج من تداعيات الأزمة.

ورغم الاختلاف في الإجراءات التي واكبت تدبير الأزمة الصحية بين الدول لكن توجد قواسم مشتركة خاصة بين التدابير المتخذة من طرف الدول التي أخذت بالحجر الصحي على السكان وتقييد الحركة بالمدن والقرى لمنع الاتصال المباشر بين المواطنين ونقل العدوى فيما بينهم .وقد بادرت المملكة المغربية الى اتخاذ التدابير الاحترازية بشكل مبكر وإعلان تطبيق حالة الطوارئ الصحية تفاديا لكل التداعيات السلبية لانتشار فيروس كورونا وتغليب هاجس المحافظة على النظام العام الصحي وحماية المواطنين من الوباء الفتاك رغم التأثير المستقبلي على الاقتصاد الوطني ،وهذا برهان على المرجعية الاخلاقية للدولة المغربية وأكدت بذألك ما ورد في الدستور المغربي على التزام الدولة ببناء مجتمع متضامن ومتكامل يسوده الأمن والاستقرار وتكافؤ الفرص وجعلت من حماية المواطن اساسا لعمل كل مؤسساتها ودعم حق المواطن في الصحة خلال هذه الفترة الحرجة. فكل التدابير الصحية والطبية والإجراءات الأمنية الرامية الى انفاذ مقتضيات حالة الطوارئ الصحية الهدف منها هو محاصرة الانتشار السريع للفيروس بين المواطنين ، لذألك يجب على الكل أن يعي جيدا مخاطر التهور وعدم الانصياع لقرارات السلطات العمومية التي دأبت على التحسيس بمخاطر خرق حالة الطوارئ الصحية وما يمكن أن ينتج عنه من ترتيب المسؤولية الشخصية لكل من لم يمتثل للـــقرارات التي تؤطر حالة الطوارئ .

أن تعريض السلامة الجسدية الأشخاص للخطر يدخل في إطار نية الاضرار بالغير والمس بحقه في السلامة بجسده وعقله سواء من الاعتداءات المادية او نشر عدوى مرض معد باي طريقة تمت هذه العملية .وفي خضم استهتار بعض المواطنين بالقواعد الصحية والوقاية من المرض وبالتالي تعريض الآخرين للإصابة يمكن أن نتحدث عن السبل الكفيلة بإقرار المسؤولية الجنائية للشخص الذي ينقل عدوى فيروس كورونا الى مواطنين آخرين بغض النظر عن المتابعات القانونية التي يمكن ان يتعرض لها كجريمة العصيان واهانة السلطات العمومية ورفض الامتثال لأوامر السلطات.

لكن ما هو الأساس القانوني المسؤولية الجمالية للنقل عدوى الفيروس القاتل؟؟

اول ما يجب الإشارة إليه أن المشرع المغربي بموجب المرسوم الملكي رقم 65.545 الصادر بتاريخ 26 يونيو 1967االمتعلق بوجوب إخطار السلطات العمومية بالمرض المعدي أو الوباء والتصريح لذالك وفق الكيفية المحددة في قرار وزير الصحة عدد 95.683 بتاريخ 31 مارس 1995 المذكرة الصادرة عن وزير الصحة تتضمن رقم بتاريخ تحت طائلة تعرض الشخص المصاب بالمرض الذي اهمل بالتصريح الفوري لدى السلطات العمومية والصحية خاصة إذا كان هذا الاهمال سببا في انتشار العدوى وخصص لهذا الفعل عقوبة حبسيه تمتد من الى ستة أشهر وغرامة من 40 الى 2400 درهم . بالتالي فإن الشخص المصاب بمرض معدي يلزمه المبادرة الى إشعار الجهات المختصة ،وتقوم مسؤوليته عن الاهمال حتى ولو لم ينتج عن ذالك انتقال العدوى الضرر للغير.

أما اذا كان الشخص يعلم إصابته بالمرض المعدي فهو يدرك المخاطر الناجمة عن أعماله التوجه للسلطات الصحية بالتصريح لإصابته والتزام القواعد الصحية ذات الصلة حسب نوعية المرض واستمر هذا الأخير في الاختلاط بالعموم ،فيمكن اقامة الدليل على الرعونة والإهمال ومتابعته بالمقتضيات القانونية الواردة في الفصل 433 من القانون الجنائية حيث يعاقب بالحبس من شهر الى سنتين كل شخص تسبب بعدم الصرع وعدم انتباهه وإهماله وعدم مراعاته للنظم والقوانين في حرج غير عمدي او إصابة أو مرض نتج عنه عجز عن القيام بالأشغال الشخصية لمدة تفوق ستة ايام.

ويرتبط بصور السلوك الفردي المتضمن في الفصل السابق في ظل مكافحة انتشار كورونا أهمال الشخص تطبيق القواعد الصحية كعدم وضع كمامات طبية توفر فيها المواصفات وعدم غسل الأطراف والقيام بالتعليم، عدم احترام المسافة الكافية مع الشخص الآخر والتقارب مع أشخاص آخرين، وهذا يدخل في إطار ما يسمى “الحذر الصحي” .

أما اذا كان الشخص عالما لإصابته بمرض معدي كما هو الشأن بفيروس كوفيد 19 وأقدم على أفعال تشكل مسا خطيرا بالصحة العامة أو الصحة الشخصية لشخص معين وترتب عن ذالك وفاة شخص او إصابته بعجز او عاهة مستديمة فإن الامر يختلف تماما عن الخالة الاولى مادام الشخص قد قصد إيذاء العموم وذالك بارتكاب بعض الأفعال الخطيرة التي تنم عن عدوانية منحدرة وعن الخطورة الإجرامية لهذا الأخير ومثال ذالك اقدام شخص مصاب بداء فقدان المناعة على المعاشرة الجنسية الأشخاص الآخرين دون اتخاذ التدابير الوقائية أو بحقن ملوثة قاصدا نقل العدوى .او ارتكاب شخص لسلوك من شأنه نقل عدوى كوفيد كإلصاق لعابه ورداد النفع بشي يستعمل مباشرة او الطبيب او الممرض الذي لا يعلم الأدوات المستعملة في الجراحة قاصدا نقل الفيروس ….ًالخ . لذا فاتجاه إرادة الفاعل الى الاضرار بالغير كيفما كان الباعث على ذالك تتحقق معه النية الاجرامية والقصد الجنائية التي تعتبر مناطا لإقرار المسؤولية الجنائية حسب درجة جسامة النتيجة الاجرامية والمركز القانوني للشخص مرتكب الفعل وتوفر ظروف التشديد، و قد يصل الأمر الى حدمن متابعته بجريمة التسميم او القتل العمد متى توفرت الشروط المطلوبة والأدلة المادية على نسبة الركن المادي والنتيجة الإجرامية للشخص موضوع المتابعة.

*الدكتور فهمي بوشعيب :
• حاصل على الاجازة في القانون الخاص 2006
• شهادة الماستر في القانون المدني 2014
• شهادة الدكتوراه في القانون الخاص 2018

من اصداراته :
• ظاهرة الالتراس بالمغرب مقاربة قانونية واجتماعية2018
• مجموعات الالتراس نحو راديكالية العنف وتسييس مدرجات الملاعب 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *