وجهة نظر

تدنيس النصب التذكاري للراحل “سي عبدالرحمان”.. كوفيد الظلام

ما حركه الراحل “عبدالرحمان اليوسفي” في نفوس المغاربة بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية وأطيافهم السياسية، من مشاعر المحبة والاحترام والتعاطف والتقدير، هو مرآة عاكسة لقيمة ومكانة الرجل، وما ميز مساره النضالي والسياسي والإنساني، من قيم الوطنية الحقة والاستقامة والنزاهة والتضحية ونكران الذات، والعفة والالتزام في المبادئ والمواقف والغيرة الوطنية الصادقة، وهي قيم أهلته لنيل شهادة تقدير رجل دولة بكل المقاييس، وما عبر عنه الشعب من مشاعر إنسانية صادقة، عبر عنه جلالة الملك محمد السادس سنة 2016، لما أطلق اسم “الأستاذ عبدالرحمان اليوسفي” على أحد شوارع مدينة طنجة، في غمرة الاحتفال بذكرى عيد العرش المجيد، تكريما له كأحد أبناء طنجة، وكرمز من رمــوز الحركة الوطنية، وكرجل من رجالات الدولة المخلصين والصادقين، ونفس الاعتراف تأكد بمناسبة الاحتفال بالذكرى العشرينية لعيد العرش، لما أطلق جلالته اسم الراحل (الأستاذ عبدالرحمان اليوسفي) على فوج الضباط الجدد (الفوج 20)…

لكن يبدوا أن هذه المكانة وهذا الاعتراف المتعدد الزوايا، لم يكن مرحبا به لدى البعض، وحرك مشاعر الحقد والكراهية والانتقام والخروج عن الإجماع، في نفوس تعودت على إثارة القلاقل وإنتاج النعرات وتحريك عجلات العناد والتشرذم والشتات، وهي أفكار ومشاعر، لم تجد حرجا من البروز في زمن “الجائحة الكورونية”، وفي لحظة الحسرة وألم الرحيل والفراق، لتمارس بجبن ووقاحة، فعل “تدنيــس” النصب التذكاري الذي يخلد لحدث تدشين الملك لشارع “عبدالرحمان اليوسفي” بمدينة طنجة، في عمل جبان غارق في البلادة والتوحش، تفصله مسافات زمنية عن التحضر والسلوك المدني، وفي تصرف متطرف، بلغ ذروة الحقد والضغينة والكراهية والإقصاء، وقمة البؤس القيمي والتيهان الأخلاقي والشلل الفكري، يذكرنا، في هذه الظرفية الخاصة والاستثنائية، أن “كوفيد 19” يمكن ترويضه والسيطرة عليه والتعايش معه على الأقل، في انتظار التوصل للعلاج أو اللقاح، إلا “كوفيد الظلام” الذي يزعج حركاتنا وسكناتنا، و يهدد ما يجمعنا كمغاربة من ثوابت وطنية وقيم إنسانية، لا يمكن تصورها، إلا داخل مفردات “التضامن” و”التعاون” و”التعايش” و”التساكن”، بعيدا عن أورام الحقد والكراهية والتشرذم والإقصاء …

الجاني أو الجناة الذين تسللوا ليلا كقطاع الطرق، وعرضوا النصب التذكاري ببــلادة للتدنيس، إذا كان غرضهم التشكيك في قيمة ومكانة الرجل، أو ضرب رمز من رموز الحركة الوطنية، أو التشويش على مساره النضالي والسياسي والحقوقي والإنساني، أو إثارة نوع من القلاقل والنعرات في ظل الإجماع الذي تحقق حول شخصية الراحل، فالرجل رحمه الله، نقش اسمـه في القلوب قبل الحجر (النصب التذكاري) وتاريخه الزاخر، مصون ومحفوظ في الذاكرة الجماعية، وذكراه أقوى من أن تشـوش عليها، أياد بئيسة وقلوب غارقة في أوحال العنف والتطرف والكراهية والإقصاء، ومن العبث والوقاحة، أن تتم الإساءة لرجل، لم يمر على رحيله إلى دار البقاء سوى “ثلاثة أيام”، الجميع يشهد باستقامته ومسؤوليته وحكمته وعفته ونكرانه للذات ووفائه وإخلاصه للوطن ولثوابت الأمة، دون تقدير تداعيات الفعل الجبان، على نفسية أرملته ومشاعر عائلته ورفاقه وأصدقائه ومحبيـه، فمن خطط ونفذ العملية الهمجية في هذه الظرفية الخاصة وبهذا الأسلوب الحيواني، هو جريمة إنسانية وأخلاقية، بالقدر ما تفرض فتح بحث معمق للكشف عن ظروفها وملابساتها والخفافيش المحركة لها، بالقدر ما تفرض التذكير، أن هذا الوطن، ظل على الدوام، أرض محبة وتساكن وتعايش وتضامن وتعاون واحترام وأمن وسلام، وهي قيم، تقتضي التعبئة الجماعية والتصدي لكل من يحاول تحريك “دمى” الظلام والكراهية والإقصاء من وراء حجاب، ونختم بالقول، أن الراحل هو “تاريخ” و “ذاكرة”، وتاريخه الزاخر أكبر من أن تطاله أيــادي الانتقــام، وما تركه من “ذاكرة”، أقوى من أن تمتد إليه مخالب التوحش والانحطاط، وما بصمه من مسار نضالي وسياسي وحقوقي، أكبر من أن يشوش عليه، تصرف غارق في متاهات الجبن و التوحــش …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *